......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 11 فبراير 2016

شبابنا بين الواقع المشهود والأمل المنشود

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن أهدانا الله ، نحمده تعالى على  تفضله وإنعامه ولطفه وإحسانه ، ونسأله المزيد من أفضاله ، ونشهد أن لا إله ألا الله  وحده لا شريك له ، شهادة نستعد به إلى يوم لقائه ، يوم لا ينفع مال و لا بون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى وأنزل  عليه الكتاب بالحق ؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبهم بإحسان إلى يوم الدين.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"

أيها الإخوة الكرام: هناك مخاطر شتى تهدد شباب الأمة الإسلامية ، لا سيما في هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها أمتنا ، حيث تفرق المسلمون إلى شيع متناحرة ، يلعن بعضها بعضا ويضرب بعضها رقاب بعض ، في حين تقارب أعداء الإسلام من يهود ونصارى ، ومجوس وملحدين ، وزنادقة ومنافقين ، واجتمعت كلمتهم على تمزيقنا وسلخنا عن أصالتنا وقيمنا ...
وقبل الكشف عن تلك المخاطر التي تهدد شباب المسلمين وتكاد تهوي بهم في مكان سحيق ... لا بد من وقفة موجزة نبرز فيها مكانة  الشباب في الأمة ودورهم في بنائها وتقدمها وازدهارها...
فلقد كان الشباب و لا يزال  في كل أمة عماد نهضتها ، وفي كل نهضة سر قوتها ، وفي كل فكرة حامل رايتها ، وقد أثنى الله على أهل الكهف بفتوتهم ، فقال تعالى: "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً" [الكهف:13]. كما قال تعالى - في شأن إبراهيم الذي كان أمة وحده – " إنا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم".
ومن يطالع السيرة النبوية يجد أن معظم أصحاب النبي كانوا شبابا، ومعظم الذين اتبعوه بادي الرأي هم الشبيبة الفتية ، الذين زعزع الله بهم العروش القيصرية والأسر الكسروية، فحياهم الله من شباب ورضي الله عنهم.

ما كان أصحاب النبي محمد إلا شبابا شامخي الأفكار
من يجعل الإيمان رائده يفز بكرامة الدنيا وعقبى الدار

فالشباب الذين نسهر على تربيتهم اليوم هم بناة المستقبل ، وهم أجيال الغد  التي ستحمل راية الإسلام ، وتذود عن مقدسات الأمة ، وتحمي ثوابتها ومقوماتها ، وتكون خير خلف لخير سلف ، وإذا لم نهتم بشبابنا ، ونعمل على حمايتهم وتحصينهم من الأخطار الواقعة أو المتوقعة ،  فمن سيحل محل الرؤساء والقادة والوزراء ؟ ومن سيخلف العلماء والدعاة والأطباء ؟ ومن للمساجد و الجامعات والمدارس ومختلف للمؤسسات ؟ ومن سيقود الأمة ويرعى مصالحها ويسوس شؤونها ؟ إلا شبابها .

نعم - أيها الإخوة – إن الشباب الذين نسهر على تربيتهم اليوم ، وحمايتهم من السيول الجارفة ، هم عماد أمتنا وسر قوتها ، وأساس نهضتها وتقدمها وازدهارها ،  فجيل اليوم سيذهب حتما ، وسيخلفه جيل جديد " وتلك الأيام ندولها بين الناس "  وهذا الجيل الجديد الذي سيحل محلنا ينبغي أن يكون جيلا قويا ، إيمانيا وأخلاقيا وثقافيا وبدنيا ... و "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف....".
وإن الشباب  في بكور حياتِهم كالورقة البيضاء نرسم عليها ما نشاء ، وكالأرضٌ الخصبة تنبِت أيَّ غراس يودع فيها من صحيح العقائد أوفاسدِها ، ومن مكارم الأخلاق أومساوئها ، قال صلى الله عليه وسلم:"كلُّ مولود يولَد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه". لذلك ينبغي أن نعتني بتربية أولادنا وتنشئتهم على الفضائل منذ الصغر.  

ومما لاريب فيه أن عقولُ شبابنا قد أضحت هدفا لأعداء الإسلام  ، الذين تعددت أساليبهم ، وتنوّعت وسائلهم للإيقاع بشباب المسلمين في الانحطاط الخلقي  ، والزج بهم في أوحال الفتن والتطرف والضلال  ...  في حين نجد أكثر المسلمين غافلين عن هذه  المخاطر التي تستهدف أولادهم وكأن الأمر لا يعنيهم ، كلنا غافلون عن ذلك أو متغافلون : المسؤولون غافلون .. الآباء والأمهات .. الأئمة والمعلمون .. المجتمع بمختلف أطيافه غافل تماما عن الأخطار التي تهدد أبناءنا وبناتنا ، و لا أدري كيف يحدث هذا ؟ وكيف نغفل عن تربية أولادنا وحمايتهم من السيول الجارفة ، ونحن نعلم أننا مسؤولون عنهم أمام الله تعالى ، قال  رسول الله صلى الله عليه وسلم :

§        "كلكم راع , وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع , ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله و مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها و مسؤولة عن رعيتها , فكلكم راع , والخادم راع في مال سيده و مسؤول عن رعيته , فكلكم راع ومسؤول عن رعيته" [متفق عليه].
§        وقال عليه الصلاة والسلام: " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" [رواه أبو داود]
§        وقال أيضاً: " ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة "[متفق عليه].  

وإن أهم ما يستنتج من هذه الأحاديث النبوية :

-         أننا – جميعا – مسؤولـون عمن هـم تحـت مسؤوليتنا بين يدي  الله .
-         وأن تضييع من هــــــم تحت مســــؤوليتنا من أكبــــر الآثام عند الله .
-         وأن من ضيع من هم تحت مسؤوليته حرمت عليه الجنة والعياذ بالله.

لكن – أيها الإخوة - هل أدينا واجبنا  أو قمنا بمسؤوليتنا تجاه شبابنا الذين استرعانا الله أمرهم ؟؟ فماذا قدما لهم من وسائل التنشئة الصالحة ؟ وما ذا اتخذنا من إجراءات لحماية شبابنا من الإنحلال الخلقي والتطرف الفكري ؟   حتى نصنع منهم  جيلا قويا مستقيما في فكره وسلوكه ، يصلح لحمل راية الإسلام بجدارة ، والنهوض بوطنه والذود عن حماه ؟؟؟؟
فهل شباب اليوم هم  -- حـــقا -- من الطراز الذي تعلق عليه الأمة آمالها وطموحاتها ...؟

للأسف ثم للأسف ؟ أننا حينما نلقي بنظرة خاطفة إلى الواقع نصاب بالدهشة وخيبة الأمل؛ إذ نجد شبابنا – فتياتنا وفتيانا - في أودية الظلام هائمين ؟؟
ثلة منهم اهتمت بالتزين والتعطر حتى أفرطوا في ذلك فتشبهوا بالنساء ، بل تدنى بهم الحال حتى لبسوا الملابس التي هي  إلى الأنوثة أقرب منها إلى الرجولة كالسراويل الهابطة ونحوها .. وتبع ذلك تسريحات الشعر التي يُشمئز من أسمائها فضلا عن هيئاتها ..؟ أما الفتيات فقد تدرَّجنَ في دركات الاختِلاطِ  والظهور، وتساقَطنَ في مهاوي التبرُّج والترجل والسفور ... وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لعنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - المُخنَّثين من الرجال، والمُترجِّلاتِ من النساء"؛ [أخرجه البخاري].

ولا عجب أنّ النساء ترجّلت***   ولكنّ تأنيث الرجال عُجاب

و ثلة أخرى - من شبابنا - مدمنة على المخدرات والمسكرات ... ولا تخفى عليكم مخاطرها ونتائجها ؟؟

وثلة ثالثة هربت من االأوضاع المؤلمة -- التي آل إليه أمر الأمة العربية ولإسلامية  إلى  التطرف الفكري :
فمنهم من حمل السلاح على أمته يضرب برها وفاجرها ، ويسفك دماءها ويخرب ممتكاتها ...؟
     * ومنهم من اتخذ من الحقد والقطيعة والبغضاء منهجا له ؛ فراح يضلل أمته ويطعن في علمائها وتراثها الفقهي والعقائدي والسلوكي ...؟ ليشكك الأمة في دينها ويسلخها عن وسطيتها التى لا قوام لها إلا بها ، فالتطرف الفكري والغلو الديني لا يقل خطرا  عن الانحلال الخلقي ؛ فهو يضرب الأمة في عمق عقيدتها ، وفي مرجعيتها التي هي أساس وحدتها ، فهل شعر المسلمون - لا سيما ولاة أمورهم من علماء ومسؤولين - بخطورة هذا الأمر  وأبعاده ومراميه ؟ والأيادي الخفية التي توجهه وترعاه ...؟ وما سيجره على الأمة والوطن من ويلات لا يعلم نتائجها إلا الله ؟؟

وثلة رابعة - من شبابنا - عاكفة على شبكات الانترنت ، مدمنة على مشاهدة المواقع الإباحية الهادمة للأخلاق الإسلامية والقيم الإنسانية ، المميتة لكل فضيلة والباعثة على كل رذيلة ...

وإذا كان الانترنت وسيلة عصرية تتضمن العديد من الإجابيات لمن يحسن استعمالها :

فإن له من المساوئ والمخاطر ما لا يعلمه إلا الله  ، فهو سلاح ذو حدين ، ومن أهم مخاطره ومساوئه:
-         إضاعة الأوقات والتعرف على رفاق السوء وتدمير الفضائل ونشر الرذائل.
-         وزعزعة العقائـــــد والتشكـــــيك فيـــــها و نشــــــر الكفـــــــر والإلحــــاد.
-         والوقــــــــــــــوع فـــــي شبـــكــــات التنصيــــــروالتشيـــــع والإرهـــــاب .
-          وإضـــــاعة الصـــــلوات والغــــرق في أوحــــــال الفســــــــاد والشبهات.
-         ناهيك عن الإصــــابة بالإمراض النفسية وانحطـــاط المستويات التعليمية.
-         والتجسـس على الأســـــــرار الشخصــــــية وانهيـــــار الحيـاة الزوجـــية .   

وإذا كانت تلك مخاطره ومساوؤه فهل يعقل أن يُترك دون مراقبة وحماية ؟؟ وهل يعقل للأباء والأمهات أن يتركوا أولادهم دون رعاية و مراقبة وتوجيه ؟؟
أيها الإخوة هذا قليل من كثير ... وإذا كان هذا حال شبابنا اليوم - وهو كذلك - وإذا كانت المخاطر التي تهددهم بهذا الحجم ، فإنه يجب علينا أن ندق ناقوس الخطر ؟ لأنه إذا استمر وضع شبابنا على ما هو عليه فإن المستقبل سيكون وخيما ، وهل يُنتظر من جيل هذا حاله  إلا الإجرام والدمار والخراب ؟ 
فمن لجلائل الأمور وعظيم المسؤوليات ؟  من للمساجد و من للجامعات ومن للمدارس ومختلف للمؤسسات ؟ ومن سيقود الأمة ويرعى مصالحها ويسوس شؤونها إذا فسد شبانها .

اعلموا أيها الإخوة : أننا جميعا مسؤولون على إصلاح شبابنا وحماتهم من المخاطر التي تهددهم في مختلف جوانب حياتهم:

-         في أفكارهم وعقيدتهم
-         في سلوكهم وأخلاقهم
-         وفي ســـائر شؤونهم

فيا أيها الأولياء !  قوموا بما أوجبَ الله عليكم من رعايةِ أولادكم ، وصونِهم وتربيتهم ، وغرسِ الفضيلةِ في نُفوسهم .  

ويا رِجال التعليمِ ! كيف يستفحِلُ هذا الداءُ في صفوفِ شبابِنا وفتياتِنا وأنتم الأساتِذةُ الفُضلاء، والمُعلِّمون الأوفياء، والمُربُّون، النُّبَلاء ؟! فاللهَ اللهَ في رعايةِ أجيالِنا ، وصناعةِ نشئِنا، وحمايةِ مُجتمعنا.

ويا أيها المسؤولون وولاة الأمور ! -- كلٌّ في جهته وكلٌّ على قدرِ مرتبته وصلاحيته--  خُذوا بأيدي شبابنا وفتياتنا إلى شاطئ الأمان ، وسنوا من القوانين  ما يمنع ضياعَهم وفسادهم كفرض الرقابة على المواقع الإباحية ونحوها .... وكإقامة الملتقيات والندوات لدراسة أوضاع الشباب ، والوقوف على دواعي المفساد الواقعة أو المتوقعة عليهم ؛ لاستئصالها والاحتياط لها قبل وقوعها ... فإنكم والله  مسؤلون أمام الله تعالى ، فـــ" كلكم راع , وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع..." ، وقال صلى الله عليه وسلم:"ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" ، ألا ومِن غِشِّ الرعية عدم العمل على إصلاحها ، وحمايتها من الأخطار والمفاسد الواقعة أو المتوقعة عليها .

"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، فقد فازَ المُستغفِرون، وسعِدَ المُتَّقون.

هناك 3 تعليقات:

  1. جزاك الله خيرا شيخنا صلت وجلت وافدت بارك الله لك في علمك وجعلك من خدام المسلمين. اذا كانت لك خطبة عن ما يسمى بعيد الحب فأفدني شيخي فأسلوبك ومنهجيتك تعجبني والله الموفق

    ردحذف
    الردود
    1. ولماذا تريد خطبة لعيد الحب كما تقول

      حذف
  2. خطبة عظيمة وجريئة فيا ليتها تعمم في سائر مساجد الوطن ويا ليتها تصل الى المسؤولين

    ردحذف