خطبة الجمعة بمسجد مالك بن أنس – التلاغمة - الجزائر
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونشهد أن لا اله إلا الله
وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره
على الدين كله ولو كره الكافرون ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
، أما بعد :
يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي
للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم
تعلمون ) { الجمعة
9} أيها الإخوة المؤمنون : لقد شرع الله لنا أحكاما عديدة ،
وما من حكم شرعه الله تعالى إلا لمصلحتنا ومنافعنا في دنيانا وأخرانا ، ومن ذلك
مشروعية صلاة الجمعة ، التي افترضها الله على كل مسلم بالغ عاقل حر صحيح مقيم ، وقد
جعل الجماعة شرطا في صحتها ؛ لتتجلى مظاهر
الوحدة والأخوة في هذا الاجتماع العظيم ، ويتجدد فيه التعارف والتقارب بين
المسلمين ، وتستعيد فيه الروح بهجتها وسرورها .
فضله: وما طلعت الشمس على يوم
أفضل من هذا اليوم الشريف والعيد المبارك ، ففيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه
أخرج منها ، وفيه الساعة تقوم ، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل
الله شيئًا إلا أعطاه ما سأل ، وهو يوم دعيت إليه الأمم قبلنا فضلت عنه، وهدانا
الله إليه، فاحمدوا الله - أيها المسلمون – وحققوا في هذا اليوم ما دعاكم الله
إليه بقوله تعالى: " فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ
اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ " واحذروا التخلف عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ،
ثم ليكونُن من الغافلين "[أخرجه
النسائي في "الكبرى" 1670 ] وقال أيضا : " من ترك ثلاث جمع متهاونًا طبع الله على قلبه "
[ أخرجه الترمذي في سننه (640)، وصحيح الترغيب والترهيب (1/178)، وقال
حسن صحيح ].
فوائده: وقد شرع الله لنا في هذا اليوم المبارك من العبادات
ما فيه ترويض لأنفسنا ، وتزكية لأرواحنا وتصفية لعقائدنا ، ومحو لذنوبنا ، وتقوية
للروابط بيننا ، ومن ذلك الاغتسال والتطيب ، والتبكير والصدقة وقراءة القرآن ،
والإكثار من ذكر الله تعالى والصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم ، وتجنب
كل مؤذ كالثوم والبصل ونحوهما .
التحذير من الشواغل وبيان حكم تحية المسجد والإمام يخطب: واحذروا – أيها الإخوة – من التشاغل عن سماع خطبة الجمعة ؛ لكيلا تضيع
المصلحة التي شرعت من أجلها ، ولا تجعلوا حظكم منها أن تهزوا لها رؤوسكم معجبين
بروائع الخطاب ، فذلك لا يفيدكم في شيء ، ولكن وجهوا لها قلوبكم ، معظمين لما يتلى
عليكم من كلام الله ورسوله ، ومتأملين لما يوجه إليكم من الآداب والأحكام ، ومما بنبعي
أن نحذره :
1-
الكلام والإمام يخطب ، فقد جاء عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - أنه
قال : " من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب أو مس
الحصى فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له " وهذا نفي للثواب لا للإجزاء ، أي
صلاته صحيحة لكن لا ثواب له ، وفي حديث آخر : " من
تكلم والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا ، والذي يقول له أنصت ليست له
جمعة "
[ أحمد في كتاب الصلاة / الفصل الثالث / حديث رقم : 1397 ]
[ أحمد في كتاب الصلاة / الفصل الثالث / حديث رقم : 1397 ]
2- تخطي رقاب الناس ، فقد رأى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم - وهو يخطب رجلا يتخطى رقاب الناس فقال له:"اجلس قد آذيت وآنيت"[ أخرجه النسائي رقم (1382)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب
والترهيب (1/175).]
والمراد بالإيذاء : انتهاكه حرمة المسلمين بتخطي رقابهم ، والمراد بآنيت :
أي تأخرت عن المجيء إلى الجمعة ، وقد أخذ علماؤنا من هذا الحديث عدم مشروعية تحية
المسجد أثناء الخطبة ، لأن النبي أمر الرجل بالجلوس ولم يأمره بركعتي التحية ، ولو
كانت مشروعة لأمره بها ، فليعلم إخواننا الذين يصلون هتين الركعتين أثناء الخطبة ،
أنهم يرتكبون فعلا محظورا ، وأنهم يتبعون
في ذلك قولا مرجوحا ، يستند إلى حديث سليك الغطفاني الذي دخل المسجد والنبي يخطب
فجلس ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " قم صل
ركعتين "[ أخرجه البخاري في صحيحه رقم889 ] فإن هذا الحديث أجاب عنه علماؤنا بأنه قضية عين ، أي خاصة
بذلك الشخص ، ولا تتعداه إلى غيره ، فقد كان هذا الرجل فقيرا ، و مظاهر الفقر
ظاهرة عليه ،
فأراد
النبي أن يلفت انتباه الناس إليه ؛ ولذلك لما أمره بالقيام حث الناس على الصدقة ،
ومما يؤيد رجحان القول بعدم مشروعية تحية المسجد أثناء الخطبة : أن الاستماع إلى
الخطبة واجب باتفاق العلماء ، لقوله تعالى : " وإذا
قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " { الأعراف 204} وأما تحية المسجد فهي مستحبة بالاتفاق أيضا ، وقد أجمع العلماء على أنه:
" إذا تزاحمت مصلحتان جلب أعلاهما "
وقد تزاحمت هاهنا تحية المسجد وهي مستحبة مع الاستماع إلى الخطبة وهو واجب ،
والواجب أعلى وأعظم من المستحب ، فتعين ترك المستحب لأجل تحصيل الواجب . جعلني
الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأصوبه وأرجحه ، وأستغفر الله العظيم
لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق