خطبة الجمعة بمسجد مالك بن أنس – التلاغمة- الجزائر -
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة
والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين ، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه ، ومن والاه إلى يوم الدين ، أما بعد /
قال الله تعالى :{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا... } الصدق والوفاء صفتان عظيمتان يحبهما الله
ورسوله ، وهما من أبرز سمات الرجولة الحقة ، وعكسهما والكذب والخيانة وإنهما لبئس
البضاعة ، وهما من أبرز صفات المنافقين قال تعالى { فأعقهم
نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون }
وأعظم العهود وأولاها بالوفاء : العهد مع الله تعالى.
والمعاهدة بين العبد وربه تبدأ بمجرد أن يشهد العبد شهادة الحق { أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله} فإذا شهدت بذلك
، فقد عاهدت، وإذا عاهدت وجب عليك أن تصدق
في عهدك مع الله ، وتفي به وتلتزم ببنوده وإلا فأنت تعلم جزاء الخائنين !!
- المشركون في عهد النبوة لما دعاهم
النبي الى شهادة الحق ، قالوا لو طلبت منا ألف مطلب غيرها لأجبناك ، أما كلمة الإله
الواحد هذه فلا ..! لماذا..؟ ببساطة : لأنهم علموا
مدلولها وحقيقتها ومقتضياتها ، فهي عهد والعهد يجب الوفاء به وهم لا يخلفون عهودهم
.
- وأما المسلمون الذين شهدوا شهادة
الحق ، أدركوا أنهم بهذه الشهادة قد أبرموا عهدا مع الله ، فصدقوا فيما عاهدوا
الله عليه .
- صدقوا في إســـــــــلامهم
فالتــــــــــــزموا بأحكامــــــــــــــــــه وآدابه.
- وصدقوا في طلبهم للعلم فتفانوا في تعلمه وتعليمه وتسابقوا إلى العمل به.
- وصدقوا في نصـــرة دينهم فبذلوا أنفسـهم
وكل ما يملكون في سبيــــــــله .
- وصدقوا في إيمانهم بنبيهم فقدمـــوا أرواحهم فداء لنصـــــرته .
ولم تعهد الدنيا رجالا صدقوا في
عهدهم مع الله كأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم - فلا عجب أن ينزل الباري في شأنهم : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا } هؤلاء الرجال خبروا الدنيا جيدا ، فعلموا أنها ليست
لحي سكنا...طلقوها واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا.
نتيجة الصدق والوفاء : و حينما
صدقوا في عهدهم مع الله :
- تحولوا من قبائل مبعثرة متناحرة إلى أمة منتظمة متآزرة . جاء وصفها في القرآن أنها : خير
أمة { كنتم خير أمة أخرجت للناس}
- وانتقلوا من العبودية الى السيادة ومن رعاة غنم إلى قادة
أمم . يقف أحدهم
أمام أعظم الملوك قائلا له : {جئنا لنخرج العباد من
عبادة العباد الى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة }
. هذا الكلمات الخالدات قالها ربعي بن
عامر لرستم يوم معركة القادسية ، سبحان
الله !! بالأمس كان يرعى المعز - فلا هو درس في جامعة ، ولا هو تخرج من كلية أو
أكاديمية - واليوم يقف ليخاطب إمبراطور الفرس بهذه اللهجة وبهذه القوة والثقة ، ما الذي غير حاله وبلغ به هذا المقام ؟ لا جرم
إنه الصدق مع الله { ليجزي الله الصادقين بصدقهم...}
يجزيهم في الدنيا والآخرة.
خلاصة الخطاب :
أيها الإخوة أن مشكلتنا اليوم أننا لم نفهم حقيقة هذا الدين
كما فهمه سادتنا الأوائل ، فحسبناه أقوالا تقال أو مظاهر تقام ، نقيمها متى نشاء
وندعها متى نشاء ، كلا ورب الكعبة ما ذلك بصحيح . إن حقيقة الدين الذي أكرمنا الله
به فاتبعناه واعتنقناه ، أنه عهد عظيم ، وميثاق غليظ ، وعقد متين مبرم بيننا وبين الله ، ولكن أكثرنا
لم يفهم هذه الحقيقة ، فاتقوا الله عباد الله وافقهوا دينكم واصدقوا في عهدكم مع
الله كي لا تكونوا ممن قال الله فيهم { فأعٌقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما
كانوا يكذبون } وأصلحوا ما بينكم وبين الله قبل أن يكون موقف أحدكم من الحسرة والندامة أن
يقول: { يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا } أو يقول : { يا ليتني قدمت لحياتي...}
أستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين وأتوب إليه ، وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العلمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق