......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 27 مارس 2025

حكم دعاء القنوت في الوتر عند ختم القرءان في رمضان؟

والجواب:


هذه المسألة تندرج ضمن القنوت في الوتر في أواخر رمضان، فدعاء ختم القرءان الذي يؤتى به اليوم في المساجد هو جزء من القنوت المذكور، وفيه روايتان عن مالك رحمه الله:

الرواية الأولى: يستحب دعاء القنوت في النصف الأخير من رمضان؛ وأصل ذلك ما رواه مالك في الموطأ عن داود بن الحصين عن الأعرج قال: "مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ"[1]

والمراد بالناس الصحابة، والمعنى أنهم كانوا يدعون على الكفرة في دعاء القنوت، ومحل ذلك في الوتر في النصف الأخير من رمضان، كما فسره الباجي وغيره[2] .

وقال ابن عبد البر في معرض شرحه للحديث المذكور:

"لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، وَأَمَّا عَنِ الصَّحَابَةِ فَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ، فَمِنْ ذَلِكَ: مَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ..عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: "أَمَرَ عُمَرُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَكَانَ إِذَا مَضَى النِّصْفُ الْأَوَّلُ وَاسْتَقْبَلُوا النِّصْفَ الْآخِرَ لَيْلَةَ سِتَّ عَشْرَةَ قَنَتُوا فَدَعَوْا عَلَى الْكَفَرَةِ"[3].

ثم قال: "فَبِهَذَا احْتَجَّ مَنْ أَجَازَ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ مِنْ قِيَامِ رمضان النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ جُلَّةِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ عَمَلٌ ظَاهِرٌ بِالْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي رَمَضَانَ، لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِنْكَارُهُ"[4].

الرواية الثانية: لا يشرع القنوت في رمضان كله، لا في أوله ولا في آخره، ولا عند ختم القرآن؛ ففي المدونة: "لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَلَا أَرَى أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَلَا يَقْنُتَ فِي رَمَضَانَ لَا فِي أَوَّلِهِ وَلَا فِي آخِرِهِ، وَلَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَلَا فِي الْوِتْرِ أَصْلًا"[5].

فالملاحظ أن مالكا رحمه الله روى الحديث في الموطأ للأمانة العلمية، ثم خالفة في الفتوى لمخالفته لعمل أهل المدينة، بدليل قوله: "لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ". ورواية المدونة هي المشهورة، وعليها سار فقهاء المذهب.

ويرى ابن عبد البر أن نص المدونة المتقدم يُراد به عدم السنية، لا عدم الجواز بإطلاق؛ فقال رحمه الله:
"وَهَذَا مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ سُنَّةً مَسْنُونَةً فَيُوَاظَبُ عَلَيْهَا فِي الْقُنُوتِ، وَلَكِنَّهُ مُبَاحٌ فِعْلُهُ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ فِي ذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ، وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَرَى الْقُنُوتَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ فِي الْوِتْرِ وَالدُّعَاءِ عَلَى مَنِ اسْتَحَقَّ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْمِصْرِيُّونَ عَنْهُ، وَرَوَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَقْنُتُ الْإِمَامُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ"[6].

وما ذكره ابن عبد البر من حمل نص المدونة على عدم السنية توجيه قوي؛ لثبوت القنوت في النصف الأخير من رمضان عن الصحابة، فلا يسقيم نفيه جملة في العمل المديني، وإنما المراد نفي سنيته، وقد كان مالك يأتي به في بادئ الأمر ثم تركه؛ وترْكه له يعود لما عُرف من عادته الميمونة من خشية اعتقاد وجوب أو سنية الجائزات مع طول الزمن.

وبناء على ما تقدم فالذي يظهر - والله أعلم - أن القنوت عند ختم القرآن واسع، فلا ملامة على من تركه، ولا إنكار على من أتى به، وقد جرى العمل به في جل مساجدنا دون نكير، ويؤيد ما ذكرنا ما رواه ابن نافع عن مالك: "أن القنوت في الوتر واسع إن شاء فعل وإن شاء ترك"[7].

ومحله في الوتر قبل الركوع على المشهور، وإن قنت في العشر الأواخر للدعاء لأهل غـ/زة كما فعل بعض إخوة فهو أمر سائغ دائر في فلك المذهب فلا داعي للاعتراض عليه.

والله أعلم

الهوامش


1- الموطأ ح رقم 381

2- المنتقى 1/ 210

3- الاستذكار 2 / 77

4- نفسه 2 / 77

5- المدونة 1/ 289

6- الاستذكار 2 / 76

7- شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 1 / 421

السبت، 15 مارس 2025

حكم الإنزال في نهار رمضان بسبب التفكر أو النظر؟

الجواب:


يُكره للصائم - شابا كان أو شيخا - أن يفكر في شؤون الجماع، أو ينظر إلى زوجته بشهوة، ويحرم عليه ذلك إن كان من عادته الإمذاء أو الإنزال بالفكر أو النظر.

ومن نظر إلى زوجته، أو فكر في شؤون الجماع فالتذ بذلك وأنزل، أي خرجه المني وهو الماء الدافق الذي يتكون منه الولد بإذن الله تعالى، فعليه القضاء والكفارة؛

قال في المدونة1/ 270:

"أَرَأَيْتَ مَنْ نَظَرَ إلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَأَنْزَلَ، عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: إنْ تَابَعَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ"(1).

ويشترط لإيجاب الكفارة عليه شرطان:

الأول: أن يكون قد استدام النظر أو الفكر حتى أمنى، فإن لم يستدمهما فعليه القضاء فقط.

والثاني: أن يكون من عادته الإنزال بسبب النظر أو الفكر، أو الإنزال مرة وعدم الإنزال مرة أخرى.
أما إذا كان من عادته السلامة من الإنزال بالنظر أو الفكر ففي المذهب قولان، اختار اللخمي منهما عدم وجوب الكفارة، وهو ما نص عليه خليل بقوله "أَوْ مَنِيًّا وَإِنْ بِإِدَامَةِ فِكْرٍ: إلَّا أَنْ يُخَالِفَ عَادَتَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ".

والله أعلم

الخميس، 13 مارس 2025

هل يجوز الفطر لمن أصبح صائما ثم سافر بعد الفجر؟


مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي لا يجوز له الفطر في ذلك اليوم إلا لضرورة طارئة؛
1- أن طرو السفر نهارا يختلف عن طرو المرض، من حيث أن السفر أمر مكتسب، والمرض أمر غالب لا يمكن دفعه.
2- أن الله تعالى قال: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"(1). وهو لما أدركه الفجر مقيما قد شهد الشهر أي حضره؛ فلزمه صوم ذلك اليوم.
3- أن الله تعالى قال: "ولا تبطلوا أعمالكم"(2). وفي إفطار المسافر بعد الفجر إبطال لعمل قد شرع فيه.
فإن طرأت عليه ضرورة في سفره، كتعب ومشقة فادحة، جاز له الفطر اتفاقا، لأجل الضرورة الطارئة لا لأجل السفر.
وإذا أفطر لغير ضرورة فله حالتان:
#الحالة_الأولى: إذا أفطر قبل أن يخرج لسفره ففي إيجاب الكفارة عليه ثلاثة أقوال في المذهب:
1- تجب عليه الكفارة سافر أو لم يسافر؛ لانتهاكه لحرمة الشهر، وهو قول سحنون وفاقا لأبي حنيفة والشافعي.
2- لا كفارة عليه سافر أو لم يسافر؛ لأن فطره مستند إلى سبب وهو عزمه على السفر، وهو قول لأشهب واختاره القرطبي ودافع عنه وقال: إن ذمته بريئة فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف(3).
3- إن لم يسافر بعدما أفطر فعليه الكفارة، وإن سافر بعد فطره فلا الكفارة؛ لأنه سلم بسفره من التغرير بصومه، وإلى هذا القول رجع سحنون وأشهب(4).
#الحالة_الثانية: إن أفطر بعد خروجه للسفر سقطت عنه الكفارة في المشهور؛ لأنه بسفره صار من أهل الفطر(5).
ويقابل المشهور ما لابن كنانة(6) من وجوب الكفارة عليه؛ محتجا بأن الصوم قد وجب عليه في الحضر فإن أفطر بغير عذر فقد انتهك حرمة الشهر، وهو خلاف غير معتبر(7).
والله تعالى أعلى وأعلم
الهوامش
(1) البقرة: 185
(2) محمد33
(3) تفسير القرطبي 2/ 278
(4) انظر: الأقوال الثلاثة المتقدمة في مناهج التحصيل للرجراجي 2/ 84. والتوضيح لخليل 2/ 445
(5) المدونة للإمام مالك 1/ 272
(6) هو: عثمان بن عيسى بن كنانة، من كبار فقهاء المدينة، أخذ عن مالك وكان ميالا إلى الرأي، توفي بمكة وهو حاج سنة 185هـ وهو الذي جلس في حلقة مالك بعد وفاته.
(7) المدونة للإمام مالك 1/ 272

الاثنين، 10 مارس 2025

حكم الفطر في رمضان لمن لم يجد مشقة في سفره

 سأل سائل عمن يسافر في سيارة مكيّفة ولا يجد مشقة في سفره فهل يجوز له الفطر في رمضان؟

الجواب:

أجمع الفقهاء على جواز الفطر للمسافر؛ لقوله تعالى: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"(1).

وجواز الفطر للمسافر ليس معللا بالمشقة في السفر، بل يجوز له الفطر وإن لم يجد مشقة في سفره؛ لأن الشارع الحكيم ربط الأحكام بالأوصاف الظاهرة المنضبطة، والمشقة من الأوصاف المضطربة، لكونها تتغير من شخص إلى شخص، ومن زمن إلى آخر؛ لذلك لم تعلّق بها رخصة إباحة الفطر في السفر، وإنما عُلقت بعين السفر بشروطه المعلومة، ونظير ذلك تعلق سنة قصر الصلاة بالسفر لظهوره وانضباطه، لا بالمشقة لاضطرابها وتغيرها؛ وكذلك تعلق فريضة الغُسل بالإيلاج لا بالإنزال؛ لظهور الأول وخفاء الثاني..

ولذلك فلا خلاف بين أهل العلم في إباحة الفطر للمسافر، ولو لم يجد مشقة في سفره، وإنما اختلفوا هل الصوم أفضل له أو الفطر؟ وفي المذهب ثلاثة أقوال:

الأول: أن الصوم أفضل لمن قوي عليه، وهو قول مالك في المدونة وهو المشهور، ودليله قوله تعالى:"وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ"(2). ولأن الإتيان بالفروض في أوقاتها أفضل، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال؟ فقال: "الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا"(3)؛ فنبه بذلك على فضيلة المبادرة إلى أداء الفروض(4).

 والثاني: ذهب عبد الملك بن الماجشون إلى أن الفطر أفضل في السفر، ومن أدلة هذا القول، قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر الصوم في السفر"(5). ومفهومه أن الفطر في السفر أفضل للصائم(6). وهو مذهب الشافعية والحنابلة(7). 

والثالث: أنه مخير بين الفطر والصوم دون أن يكون لأحدهما مزية على الاخر، وهو قول مالك في مختصر عبد الحكم في سماع أشهب(8). ودليله قوله صلى الله عليه وسلم:"إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ"(9).

ومحل الخلاف المتقدم إنما هو إذا لم يكن السفر لجهاد، وإلا تعينت أفضلية الفطر لأجل القوة.

والاختيار من الأقاويل المتقدمة أن الصوم أفَضل لمن قوي عليه، وأن الفطر أفضل لمن يشق عليه الصوم، أو خشي أن يلحقه ضرر بسبببه، ويؤيده ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:"كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا، فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ"(10).

والله أعلم

الهوامش

(1) البقرة 184

(2) البقرة 174

(3) رواه البخاري في صحيحه رقم 7534

(4) شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب 1/ 260.

(5) رواه مسلم في صحيحه رقم 90 - (1114)

(6) انظر بداية المجتهد لابن رشد 2/ 58. ومناهج الحصيل لأبي الحسن الرجراجي 2/ 81

(7) الحاوي الكبير للماوردي 3/ 446. والمغني لابن قدامة. 3/ 158

(8) التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب لخليل 2/ 444. ومناهج الحصيل لأبي الحسن الرجراجي 2/ 80.

(9) متفق عليه. صحيح مسلم رقم 103 - (1121). صحيح البخاري رقم 1943

(10) رواه مسلم في صحيحه رقم 1116