......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأربعاء، 25 ديسمبر 2024

هل يجب الحج على من لم يجد طريقا إليه إلا البحر؟

 هل يجب الحج على من لم يجد طريقا إليه إلا البحر؟

مذهب مالك رحمه الله أن من لم يجد طريقا إلى مكة إلا البحر، كأصحاب الجزر، وجب عليه أن يسلكه ولم يسقط عنه الحج خلافا للشافعي[1].
جاء في مختصر سيدي خليل:
(وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ، أَوْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاةٍ لِكَمَيْدٍ)
1- قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[2].
ووجه الاستدلال: أن من وجد طريقا إلى الحج عبر البحر فقد استطاع إليه سبيلا.
2- أن الله امتن على عباده بالبحر، فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)[3].
ووجه الاستدلال: لو لم يكن ركوب البحر مباحا لما امتنّ الله به على عباده.
ولكن ذلك ليس على إطلاقه، بل هو مقيّد بأمرين:
1- أن لا يغلب على ظنه الهلاك في نفس أو مال، وهو معنى قول خليل: (إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ). ويُرجع في ذلك إلى أهل الخبرة في هذا الشأن، فإن خشي التهلكة لم يجب عليه الحج، بل يحرم عليه ركوب البحر في هذه الحال؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[4].
وإذا كان ركوب البحر لأجل الحج محرما في حال غلبة الخوف، فمن باب أولى أن يُحرم ركوبه لأجل الهجرة غير الشرعية، عبر قوارب لا تخلو غالبا من التغرير بالأنفس.
2- أن لا يخشى تعطيل الصلاة المفروضة، وهو معنى قول خليل: (أَوْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاةٍ لِكَمَيْدٍ) أي بسبب [الميد] وهو الدوخة التي لا يستطيع معها أداء الصلاة في وقتها، بسبب تمايل السفن أو القوارب ونحو ذلك..
فإن خشيي ذلك لم يجب عليه الحج، بل يحرم عليه ركوب البحر؛ لأن المحاظة على الصلاة مقدمة على الحج.
جاء في مواهب الجليل نقلا عن ابن المنير[5]: (اعْلَمْ أَنَّ تَضْيِيعَهُ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ سَيِّئَةٌ عَظِيمَةٌ لَا تُوفِيهَا حَسَنَاتُ الْحَجِّ .. لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَهَمُّ)[6].
ويحرم عليه ركوب البحر ولو خشي تضييع ركن من أركان الصلاة، كأن لا يجد موضعا للسجود في القوارب بسبب الضيق وكثرة الراكب، إلا أن يسجد على ظهر أخيه[7].
فيسقط عنه الحج في هذه الحال في المشهور خلافا لأشهب[8].
وقد روي عن مالك في هذه المسألة أنه قال: (أَيَرْكَبُ حَيْثُ لَا يُصَلِّي وَيْلٌ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ)[9].
الله أعلم
1- قال الشافعي في الأم 2 / 132 : (وَلَوْ كَانَ مَا وَصَفْت مِنْ الْحَائِلِ فِي الْبِرِّ، وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ فِي الْبَحْرِ، فَيَكُونُ لَهُ طَرِيقًا، أَحْبَبْت لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَبِينُ لِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رُكُوبُ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ خَوْفُ الْهَلَكَةِ).
2- آل عمران 97
3- يونس 22
4- البقرة 195
5- هو القاضي ناصر الدين أبو العباس أحمد بن محمد الإسكندري، نسبة إلى الاسكندرية بمصر، المعروف بابن المنير، فقيه مالكي متبحر في كثير من العلوم، ولد سنة 620 وتوفي سنة 680 هــ
6- مواهب الجليل .. 2 / 513
7- القوانين الفقهية لابن جزي 86
8- مواهب الجليل .. 2 / 514
9- التاج والإكليل .. للمواق 3 / 475

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق