لقد انتشرت ظاهرة أكل الميراث بين العديد من الأسر، فعلى الرغم من أن الله تعالى قد قسم الميراث في كتابه العظيم، وأعطى لكل ذي حق حقه، إلا أنَّ بعض الناس لا يزال يمنع الميراث عمَّن يستحقُّه، فتجد بعض الورثة يكتم جزءا من التركة، ويخفيه عن بقية الورثة، وبعضهم يحرم المرأة من حقوقها في العقار ونحوه، وبعضهم يعرقل قسمة التركة؛ لأنه مستفيد من غلة المنافع المشتركة، كالمحلات المؤجرة، وكالآليات والأراضي المستغلة، التي يجب قسمة أرباحها على جميع الورثة، بالطريقة الشرعية التي بينتها الشريعة المعظمة.
وهذا أمر في غاية الخطورة؛ فإن أكل جزء يسير من التركة يعتبر من أعظم الموبقات، سواء أُكل خلسة، أو غصبا، أو بسيف الحياء… وتتجلى خطورة ذلك في ما يلي:
1- أن أكل الميراث يعتبر إخلالا بوصية الله، التي أوصى فيها بإعطاء كل ذي حق حقه؛ فقال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). [النساء11]. وهذه الوصية تعتبر من أوثق وأعلى العقود على الإطلاق، فمن أخل بها فقد شاق الله وتمرد على حكمه.
2- أن أكل الميراث يعتبر تعديا على حدود الله؛ لقوله تعالى بعد آية المواريث: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ). [النساء13].
فقوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) إشارة إلى ما تقدم من قسمة الميراث، فمن تلاعب بها فهو متعد على حدود الله، ومصيره النار والعذاب المهين كما بينت الآية.
3- أن أكل الميراث يعتبر أخذا لحقوق الضعفاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي أُحَرِّجُ عَلَيْكُمْ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ) [رواه الحاكم في مستدركه].
و(أُحَرِّجُ) معناه: أُلحق الحرج - وهو الضيق والإثم – بمن يأكل حق اليتيم والمرأة؛ ووصفهما بالضعف لأنهما غالبا لا يستطعان انتزاع حقهما ممن أخذه منهما، وقد تعجز المرأة عن المطالبة بحقها حياء ومراعاة للأعراف (وما أُخذ بسيف الحياء فهو حرام). لذلك قال الفقهاء: يجب رده لأنه نوع من الإكراه.
4- أن آكل الميراث داخل في وعيد قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء 10].
وفي وعيد قوله تعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا). [النساء2].
والحوب: هو الإثم العظيم.
5- أن آكل الميراث داخل في وعيد قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ). [رواه مسلم].
ومعنى: (طَوَّقَهُ) أن ما أخذه يصير كالطوق في عنقه يوم القيامة.
6- أن آكل الميراث لا يُقبل له دعاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيِّبٌ لا يقبَلُ إلا طيبًا… ثم ذكر الرجلَ يُطيلُ السفرَ أشعثَ أغبَرَ، يمُدُّ يديه إلى السماءِ: يا رب، يا رب، ومطعمُه حرامٌ، ومَشرَبُه حرامٌ، وملبسُه حرامٌ، وغُذي بالحرام، فأنى يُستجَابُ له؟).[رواه مسلم].
7- أن آكل الميراث لا تُقبل له صدقة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُقبَلُ صلاةٌ بغيرِ طُهُور، ولا صدقةٌ من غُلُولٍ) [رواه مسلم].
والغلول: هو أخذ شيء من الغنائم ومثله أخذ شيء من الميراث ونحوه، ويلحق بعدم قبول دعائه وصدقته، عدم قبول بقية أعماله، كصلاته وحجه وعمرته وما أشبه ذلك.
والنصوص الواردة في هذا كثيرة جدا، وإن في ما ذكرنا لعظة ومزدجرا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق