الجواب:
للحج عن الميت حالتان:
في هذه الحالة يجب على ورثته تنفيذ وصيته من ثلث ماله على المشهور، خلافا لابن كنانة[1] القائل بعدم وجوب تنفيذها، وصرفها في وجوه الخير، وخلافا لأشهب القائل بتنفيذها من رأس المال لا من ثلثه[2].
وإنما وجب تنفيذ وصيته مع أن النيابة في الحج مكروهة؛ لوجوب تنفيذ الوصية وإن تعلقت بمكروه[3]. ومراعاة لخلاف الشافعي الآتي ذكرُه.
وللموصي بالحج حالتان:
1- إذا أوصى بالحج في حال مرضه، نُفذت وصيته سواء كان صرورة أو غير صرورة.
والصرورة: هو من لم يحج حجة الإسلام؛ وسمي صرورة لأنه صرّ أمواله، فلم ينفقها في سبيل حجه[4].
2- إذا أوصى بالحج في حال صحته، فلا تنفذ وصيته إلا إذا كان غير صرورة، أي أدى فريضة الحج[5].
والوصية بالصدقة أفضل من الوصية بالحج؛ لعموم منفعتها، ولأنه لا خلاف في إنفاذها بخلاف الوصية بالحج، ولأنه لا خلاف في استحبابها بخلاف الوصية بالحج فهي مكروهة.
الحالة الثانية: إذا لم يوص بالحج عنه:
للعلماء في ذلك مذهبان:
1- مذهب مالك: لا يجب أن يُحج عنه لا من رأس ماله ولا من ثلثه، بل يسقط الحج عنه سواء تركه لعذر أو تفريطا.
وحجة المالكية:
- أنّ الحج عبادة بدنية فلا يلزم أداؤها عن الميت في المال كالصلاة[6].
- ولقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[7].
ووجه الاستدلال:
أن الله أوجب على الناس أن يحجوا بأنفسهم إن استطاعوا، والاستطاعة تفوت بالموت[8].
2- مذهب الشافعي:
يجب الحج عنه من رأس ماله، سواء أوصى أو لم يوص، وإنما يجب عنه إذا تمكّن من أدائه ولم يحج[9].
واحتج الشافعية لذلك بجملة من الأحاديث، منها:
حديث ابن عباس رضي الله عنه:
(أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ)[10].
وجوابه:
أنه محمول على التطوع بالحج عنها، لا على وجوب الحج عنها من مالها؛ بدليل قوله: (أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ) ومعلوم أنها لا يجب عليها قضاء دين أمها إلا إذا تطوعت بذلك، وكذلك الحج، فإذا تطوعت به جاز مع الكراهة على المذهب.
فإن قيل: لو كان لأمها تركة لوجب قضاء دينها منها، وكذلك الحج.
فالجواب:
أن الحج يفارق الدين في كونه عملا بدنيا لا يقبل النيابة في حال الحياة، فكذلك بعد الممات، والله أعلم.
الهوامش
1- هو: عثمان بن عيسى بن كنانة، من كبار فقهاء المدينة، أخذ عن مالك وكان ميالا إلى الرأي، توفي بمكة وهو حاج سنة 185هـ وهو الذي جلس في حلقة مالك بعد وفاته.
2- انظر: مواهب الجليل .. للحطاب 3 / 3
3- انظر: الفواكه الدواني .. للنفراوي 2 / 247
4- انظر: الشرح الكبير للدردير 2 / 19. ومواهب الجليل للحطاب 3 / 3
5- حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 2 / 373 .
6- الإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي عبد الوهاب 1 / 458
7- آل عمران 97
8- الإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي عبد الوهاب 1 / 458
9- انظر: الأم للشافعي2 / 125 والمجموع للنووي7 / 112
10- رواه البخاري في صحيحه رقم: 7315
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق