سأل سائل عن مريض يحتاج إلى عملية جراحية مستعجلة، فهل يجوز أن نعطيه الزكاة قبل دوران الحول؟
أجمع العلماء على أن الزكاة لا يجب إخراجها حتى يحول حولها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) [1].
#ومذهب مالك رحمه الله لا يجوز ولا يجزئ تقديم الزكاة قبل حلول حولها إلا بوقت يسير[3]. ثم اختلفوا في تحديده.
فقيل: يومان، وقيل: خمسة أيام، وقيل: خمسة عشر يوما، وقيل: شهر[4]. وهذا الأخير هو المعتمد في الفتوى، وعليه سار سيدي خليل، حيث قال: (أَوْ قُدِّمَتْ بِكَشَهْرٍ).
قال الدردير عند شرحه لهذا: (الصَّوَابُ حَذْفُ الْكَافِ؛ إذْ لَا تُجْزِي فِي أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ )[5].
#واحتج المالكية بالسنة وبالقياس على أصول الشريعة وأحكامها:
- أما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ)[6].
وهو محمول عند المالكية على الوجوب والصحة معا، أي لا زكاة صحيحة، كما في حديث: (لا نكاح إلا بولي) أي لا نكاح صحيح...
- وأما القياس على أصول الشريعة وأحكامها - وهو الحجة الأقوى عند المالكية - فقال مالك: (إِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ). [7].
كما أعمل المالكية في المسألة نظرتهم المقصدية الثاقبة؛ فنظروا إلى المسألة من حيث مآلُها، فقالوا:
أن الفقير الذي تُقدم له الزكاة قد يستغني قبل حلول حولها، فتكون بذلك قد دفعت إلى غير مستحقها فلا تجزئ.
فإن أخرجها رب المال ثانية لعدم الإجزاء لحقه الضرر، والضرر يزال، وإن لم يخرجها يكون قد وضعها في غير محلها وفوت حق مستحقيها.[8].
ثم أعملوا في جواز التقديم بوقت يسير القاعدة الفقهية المشهورة : (ما قارب الشيء أعطي حكمه).
#وبناء على ما تقدم فمن أخرج زكاته قبل الحول بشهر فأقل أجزأه ذلك، ومن أخرجها قبل الحول بأكثر من شهر لم يجزه، وتبقى دينا في ذمته.
وهذا الذي ذكرناه إنما هو في الظروف العادية، أما إذا طرأت ظروف استثنائية، كالمسألة المطروحة، التي تستدعي حكما استثنائيا، فيجوز تقديم الزكاة له>ا المريض ان كان فقيرا قبل حلول حولها ولو بكسنة؛
- أخذا بمذهب الجُمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، القائلين بجواز التقديم بسنة أو أكثر[9].
- واستثمارا لقواعد المذهب الاستثنائية، كمراعاة الخلاف والاستحسان.
- وتمشيا مع روح الشريعة ومقاصدها وأساليبها في رعاية مصلحة العباد، والتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم، ولو بترك الدليل الراجح إلى الدليل المرجوح على سبيل الاستثناء والترخص.
والله أعلم
1- رواه ابن ماجه
2- بداية المجتهد 32/2
3- انظر: المدونة1 / 535
4- راجع هذه الأقاويل في: الذخيرة للقرافي 3 / 137. والتبصرة للخمي 3 / 943.
5- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير1 /502
6- رواه ابن ماجه وغيره
7- المدونة 1 / 535
8- انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب1 / 387
9- انظر: المبسوط للسرخسي الحنفي 2 / 177. وبداية المحتاج في شرح المنهاج لبدر الدين ابن قاضي الشافعي1/ 544. والمغني لابن قدامة الحنبلي 2 / 470. و
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق