......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الاثنين، 2 ديسمبر 2024

سأل سائل: أيهما أولى الحج أم الزواج؟

الجواب:

في المسألة تفصيل ينبني على الخلاف في وجوب الحج على الفور أم على التراخي؟
وقد اختلف المالكية في ذلك على قولين مشهورين، أشار إليهما سيدي خليل رضي عنه بقوله: "وَفِي فَوْرِيَّتِهِ وَتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ: خِلَافٌ".
1- فقيل: هو على الفور وفاقا للشافعي وابن حنبل، فيجب على من توفرت فيه شروطه أن يبادر إليه في أول سنة يمكنه الأتيان به فيها، ويأثم إن أخره بلا عذر؛ واحتج أرباب هذا القول بالقياس على تأخير الصلاة حتى يفوت وقتها[1].
2- وقيل: هو على التارخي وفاقا لأبي حنيفة، فلا جب على من توفرت فيه شروطه أن يبادر إليه في أول سنة يمكنه الأتيان به فيها، ولا إثم عليه إن أخره بلا عذر؛ واحتج أرباب هذا القول بأن "الْحَجَّ فُرِضٌ قَبْلَ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِنِينَ، فَلَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ لَبَيَّنَهُ)[2].
والقولان متكافئان من حيث التشهير، ومن حيث قوة الأدلة، وإن كانت الحجة في الأخير أظهر، وحتى ولو قلنا بالوجوب على التراخي فإنه يستحب تقديم الحج لمن استطاعه؛ لقوله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)[3].
وقوله صلى الله عليه وسلم: (تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ، يَعْنِي الْفَرِيضَةَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ)[4].
ومسألة السائل تنبني على هذا الخلاف:
1- فعلى القول بأن الحج واجب على الفور يجب عليه تقديم الحج؛ لأنه مستطيع، جاء في الجامع لمسائل المدونة:
"قال ابن القاسم: وسئل مالك رحمه الله عن الرجل العزب لا يكون عنده إلا ما يتزوج به أو يحج؟ قال: يحج".[5]. قال خليل: ولا شك في هذا القول بأنه على الفور[6].
وهذا ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بأن لا يخشى على نفسه الوقوع في المحظور، وإلاّ وجب تقديم الزواج؛ لأن الزواج يصير واجبا في حقه في هذا الحال؛ ولأن درء المفاسد مقدم على تحصيل المصالح، والمحظور مفسدة فيقدم درؤها على تحصيل مصلحة الحج.
2- وعلى القول بأن الحج واجب على التراخي يجوز تقديم الزواج على الحج مطلقا، أي حتى وإن لم يخش الوقوع في المحظور، ولكنّ ذلك خلاف الأولى، قال ابن رشد الجد: "وعلى التراخي فالحج أولى"[7].
والله أعلم
الهوامش:
1- بداية المجتهد.. لابن رشد 2 / 86
2- نفسه 2 / 86
3-البقرة 148
4- رواه أحمد في مسنده رقم 2867
5- الجامع لمسائل المدونة للصقلي4 / 378
6- التوضيح.. لخليل 2 / 486
7- التوضيح.. لخليل 2 / 486

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق