......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 1 أغسطس 2024

استشهاد هنية مكرمة إلهية وشعلة لتجديد القضية واستنهاض الأجيال الفتية

                   الخطبة الأولى

الحمد لله ناصر المجاهدين، ومعز المؤمنين ومنجي الصادقين، وقاهر الطغاة والمستكبرين، ومخزي الخونة والمنافقين..

وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المجاهدين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحبه الميامين.

»يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ«

وبعد: قال الله تعالى :  »مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ« 

إن الصدق والوفاء صفتان عظيمتان، وهما معيار الرجولة والإيمان، وعكسهما الكذب والخيانة، وهما من أبرز صفات المنافقين، الذين قال الله في شأنهم: »فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ«

ومن إكرام الله لعباده الصادقين، أن يمن عليهم بحسن الخواتيم، مصداقا لقوله تعالى:  »لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ «وقوله تعالى: »قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ«

ألا وإن أحسن الخواتيم على الإطلاق الشهادة في سبيل الله، كتلك التي أكرم الله بها عبده أبو العبد هنية عليه رحمة الله في الخالدين، فالشهادة هي أسمى وأغلى ما يطلبه المؤمنون الصادقون، وهي اختيار واصطفاء من الله، ويا سعادة من اختاره ربه واجتباه، قال تعالى : »وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ«

فالشهداء قد حباهم ربهم بأعظم مكرمة، وتوجهم بأشرف وسام، واصطفاهم من بين خلقه؛ ليستخلصهم لنفسه ويخصهم بقربه... فلا أكرم ولا أعظم من الشهادة في سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ« رواه الترمذي

والشهادة في سبيل الله هي صفقة رابحة، البائع فيها هو المؤمن، والمَبيع هو بذل النفس والمال في سبيل الله، والمشتري هو الله جل جلاله، والثمن هو الجنة، وذلك معنى قوله تعالى :

»إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ«

 

فتلك حقيقة الجهاد والاستشهاد، التي استأثر بها أهل غزة في هذا الزمان، فإن المجاهدين والشهداء قد باعوا أنفسهم لله، والله تعالى قبل منهم ذلك تفضلا منه ومِنَّة. 

وقوله تعالى: »يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ« أي  سواء قَتَلوا أو قُتِلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنة في كلتا الحالتين.

والشهادة ليست موتا، بل هي حياة في أعالي الجنات، فالشهداء أحياء بنص القرآن، عند ربهم يرزقون في جنات النعيم، لهم فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ لذلك لا يجوز أن نطلق عليهم اسم الأموات، فقد نهانا القرآن عن ذلك ، فقال تعالى: »وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ« 

فلا تقولوا مات هنية، بل قولوا فاز هنية، أو ارتقى شهيدا لرب البرية.. فالأموات الحقيقيون هم هؤلاء العرب الخونة، الذين ماتت ضمائرهم، وماتت فيهم النخوة والرجولة، وانسلخوا عن القيم والمبادئ، وارتموا في أحضان أعدائهم، راضين بحياة الذل والهوان،  وقديما قال الشاعر:

لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ  

        بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ

ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ

              وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ

وقد أدرك أسلافنا الصالحون قيمة الشهادة في سبيل الله، فكانوا يتسابقون إليها ويحرصون عليها أكثر من حرصهم على الحياة، وإذا ما اصيب أحدهم بسهم في ساح الوغى صاح مبتهجا: »فزت ورب الكعبة«

ويوم أن استشهد زيد بن حارثة في معركة مؤتة، تسلم الراية جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه،  فاقتحم الصفوف على فرسه الشقراء، وقاتل قتالا  مستميتًا حتى أرهقه القتال، فنزل عن فرسه وضرب أقدامها، وحمل الراية بيد والسيف بيد، ويمم العدو قائلا:

يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا

                طَيِّبَةٌ وَبَارِدٌ شَرَابُهَا

وَالرُّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا

             كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا

   عَلَيَّ إِذْ لاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا

واستمر في قتال الروم حتى قطعت يده اليمنى، فحمل الراية بيده اليسرى حتى قطعت، فحمل الراية بعضديه حتى أُثْخِنَ بالجراح، ثم استشهد رضي الله عنه وأرضاه، فلقّب بعدها بجعفر الطيّار؛ حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد عوّضه بجناحين يطير بهما في الجنة.

ولقد تجست معالم هذه المعاني السامية في حادثة اغتيال القائد البطل الشهيد:  [إسماعيل هنية] الذي نذر نفسه لله تعالى، وعاهد ربه مع إخوانه على الدفاع عن القضية المحورية الكبرى للإسلام والمسلمين في هذا العصر، وهي قضية الدفاع عن المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومنتهى مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومبتدا معراجه إلى سدرة المنتهى..

واكتملت بذلك ملامح وسمات الطائفة المنصورة، التي ورد ذكرها في وعد الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم:  

»لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ « رواه أحمد

فهذا النص النبوي ينطبق تماما على هذه الطائفة الصامدة والمقاومة بأرض غزة المباركة.. 

وانظروا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ..» وفي رواية: « مَنْ خذلهم» فقد تضمن إشارة وبشارة:

فأما الإشارة: فتتعلق بالجانب الإعجازي في إخبار الصادق المصدوق، بما ستتعرض له هذه الطائفة المجاهدة من خذلان، والذي رأيناه اليوم مجسدا على أرض الواقع.

وأما البشارة: فإن كل هذا الخذلان لن يضرهم بإذن الله. تعالى.

أيها الإخوة المؤمنون: إن مكرمة الشهادة التي أكرم الله بها عبده هنية وإخوانه، ما كانت لتتحقق لولا صدق هؤلاء الرجال مع ربهم ومع امتهم، فهي من جملة الجزاء المشار إليه في قوله تعالى:  »لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ«.

فمن صدق اللهَ صدقه، ومن أحسن العمل أحسن الله له الجزاء:  »هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ«.        

فرغم كل التحديات التي خاضوا غمارها، من سجن واعتقال، وتعذيب وتنكيل، وقتل وتدمير، وإغراء ومساومة، بالمال والجاه والمناصب والامتيازات.. ظلوا ثابتين على مبادئهم، فما لانوا وما ضعفوا وما استكانوا..  وكان شعارهم الثابت أمام المغريات:  »أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ«. 

فضربوا بذلك أروع الأمثلة في الثبات على المبادئ، وإيثار ما عند الله عز وجل، يحدوهم في ذلك قوله تعالى:  »فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ«.

فجددوا فينا سير السلف الصالح في نصرة الحق، والثبات على المبدأ، رغم كل الصعاب، ورغم كل المخاطر التي تحدق بهم من كل جانب، ممتثلين ومجسدين قوله تعالى:  »الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ«.

بالأمس كنا نقرأ في التاريخ والسير، أن الخنساء رضي الله عنها لما بلغها نبأ أستشهاد أبنائها الأربعة،  لم تجزع ولم تبك، ولم تحزن، وقالت قولتها المشهورة:

»الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته«.

ونفس المشهد رأيناه يتكرر اليوم مع آل هنية، فحينما بلغ هنية استشهاد أبنائه وأحفاده، قال:  »رب يسهل عليهم ليست دماؤهم أفضل من دماء شعبي«.

ثم قال: »أشكر الله على هذا الشرف الذي أكرمنا به، باستشهاد أبنائي الثلاثة وبعض الأحفاد«.

وحينما استشهد هو برز ابنه عبد السلام راسخا كالطود الأشم قائلا: (نحمد الله ونشكره، أن أكرم والدي بحسن الخاتمة، بالشهادة التي كان يتمناها ليلا ونهارا..).

كما تجلت علينا زوجة ابنه الشهيد: (إيناس اسماعيل هنية) راضية مبتسمة، لتعطي للعالم الإسلامي دروسا خالدة في الصبر والثبات والرضا بقدر الله عز وجل.

أيها المؤمون الكرام: إن استشهاد هنية ليس موتا للقضية الفلسطينية، بل هو تجديد لها، وشعلة لإيقاد مقاومتها تارة أخرى، وإذا رحل هنية قام ألف هنية، كما قال رحمه الله في آخر تصريح له: »إذا مات سيد قام سيد«. ولله در القائل:

إِنَّ الَّــذِي خَلَقَ الْـحَقِيقَـةَ عَلْقَمًا

         لَمْ يُخْلِ مِـنْ أَهْلِ الْـحـقِيقَةِ جِيلَا

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع الأمة إنه هو الغفر الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وسلام على عباده اللذين اصطفى

أيها المؤمنون الكرام: هكذا يموت الرجال ليرسخوا بموتهم في النفوس عقائد الإيمان، ويبعثوا فيها قوة الطموح والآمال، وتبقى مآثرهم ومواقفهم نبراسا مضيئا ينير الدروب للأجيال... 

وينفضح بموتهم الشامتون الناعقون كالغربان، من المرجفين والمثبطين، والعملاء والمنافقين، ليتحقق فيهم قول الله تعالى: »وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا«.

وقوله تعالى: »إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ«.

وهل يعقل منطقا وإيمانا وإنسانية أن يشمت مسلم بأخيه المسلم؟ ويفرح مع اليهود بموته ويقول: »مستراح منه«. فلا يصدر ذلك إلا من قلوب مريضة،  ضرب عليها النفاق نسيجه، فتحقق فيها قوله تعالى:

»وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ  قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ«.

فاحذروا أيها المؤمنون هذه الطائفة المارقة على دينكم وعلى وطنكم، فإنها راعية للمشروع الصهيوني بامتياز، وإن الجزائر بشعبها ودولتها واقفة بكل مؤسساتها وإمكاناتها مع فلسطين ومقاومتها، وهي بريئة من هذه الكائنات الغريبة.

واعلموا أيها لمؤمنون: أننا اليوم أمام امتحان عسير، ومحك خطير،  يتميز فيه الخبيث من الطيب، والغث من السمين، والمنافق من المؤمن، والكاذب من الصادق... كما قال تعالى: »مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ«. وقال تعالى: »فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ«.

فعلى المؤمن في هذه الأحداث الجسام، وهذه الفتن المتوالية، أن يحدد وجهته، ويستبين سبيله، فينحاز لأهل الحق ويبرأ من أهل النفاق، ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه وإن الله لغني عن العالمين، وإن النصر آت لا محالة، بنا أو بغيرنا، كما قال تعالى:  »وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ«. فاحذروا أن يفوتكم شرف النصر فتصبحوا من الخاسرين، وتندموا حين لا ينفع الندم.

اللهم أنزل رحماتك الصيبة، وصلواتك الطيبة، على روح شهيد الأمة، عبدك اسماعيل هنية، اللهم جازه عن الإسلام وأمته خير الجزاء، وألحقه بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا.

اللهم أيد بنصرك وتوفيقك المجاهدين بأرض فلسطين، واجعل لهم الغلبة على اليهود الآثمين، وأتباعهم الفاجرين،  اللهم داو جرحاهم واشف مرضاهم، وفُكَّ حصارهم، واربط على قلوبهم، وسدد رميهم، واحم ثغورهم..

يا قوي يا متين، يا قريب يا مجيب، يا كهف الضعفاء، ويا سند من لا سند له، ومن منقذ الغرقى، ويا منجي الهلكى، ويا مجيب دعوة المضطر إذا دعاه أدرك أهلنا في غزة بلطفك وعنايتك، وأغثهم بنصرك وتأييدك، واجعل اللهم كيد اليهود والمنافقين في نحورهم يَصْلَى به وريدُهم..                  

اللهم أمّنا في أوطاننا واحفظ جيوشنا، وأيّد بتوفيقك ولاةَ أمورِنا، واحفظهم من بطانة السوء التي تزين المنكر وتقبح لهم المعروف، ووفقهم إلى ما فيه خير العباد والبلاد..

اللهم زين ظواهرنا بالمجاهدة، وزين بواطننا بالمشاهدة، وأصلح أعمالنا وأقوالنا وسائر شؤوننا، وبلغ مقاصدنا وآمالنا، وفرج همومنا واقض ديوننا، ويسر معيشتنا وأرزاقنا، واشف مرضانا وعاف مبتلانا، واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، واختم بالصالحات أعمالنا...

اللهم انظر إلينا بعين رضاك، ولا تصرف وجهك عنا بسوء فعالنا، ولا تحول بيننا وبين أوليائك ومحبيك، ولا تجعلنا مع أعدائك ومعانديك..

اللهم اجعل بلادنا بلاد العلم والدين، وراحة المحتاج والمسكين، واجعل لها بين الأمم صولة وحرمة ومَنَعَةً ودولة، واجعل من السر المصون عزها، ومن السترالجميل حرزها، ومن كادنا فكده، ومن خدعنا فاجعه، ومن وشى بنا فلا تسعده..

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا ومولانا محمد، وعلى آله الطاهرين، وصحبه الميامين، ومن والاه إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فقوا إليها يرحمكم الله.

هناك 14 تعليقًا:

  1. بارك الله فيك شيخنا الفاضل ونفع بكم

    ردحذف
  2. أخي الحبيب أستاذنا الفاضل سيدي الشيخ العيد بن زطة حفظك الله ورعاك وجعل هاته الخطبة الرائعة في ميزان حسناتك وحسنات والديك ومشايخك وأساتذتك ومعلميك يارب يارب.
    اللهم انصر إخواننا المدنيين والمجاهدين والمرابطين في غزة وفلسطين وسدد رأيهم ورميهم وثبت أقدامهم وانصرهم على الصهاينة المحتلين يارب العالمين.
    ✍أخوك ومحبك في الله تعالى: أحمد بن الطالب عبد الخالق عقيد 🇩🇿

    ردحذف
  3. بوركتم شيخنا الفاضل

    ردحذف
  4. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله
    اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه واسكنه فسيح جناتك وتقبله عندك في الشهداء..وانصر اخواننا المجاهدين على أعدائك وأعداء الدين يارب العالمين

    ردحذف
  5. جزاك الله خيرا سيدي الشيخ نفعنا الله بعلمك

    ردحذف
  6. بارك الله فيكم شيخناونفع بعلمكم

    ردحذف
  7. الله يفتح عليك شيخنا فتح العارفين بالله ويجعل هذا العمل في ميزان خسناتك يوم القيامة.

    ردحذف
  8. شكرا شيخنا الفاضل بارك الله فيك

    ردحذف
  9. جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم ونفع بكم

    ردحذف
  10. الله يكرمك ويعطيك ماتتمنى

    ردحذف
  11. ما شاء الله تبارك الرحمن

    ردحذف
  12. خطب هادفة تساير الواقع وتعلجه بأسلوب هادئ من غير تجريح لأي طائفة . أسأل الله أن يمدك بالصحة والعافية وأن يسبغ عليك نعمه

    ردحذف
  13. جزاكم الله خيرا

    ردحذف
  14. جزاكم الله خيرا أستاذ وسدد خطاكم ونفع بكم ، فهي خطبة ماتعة مفيدة

    ردحذف