......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 22 أغسطس 2024

عوامل أساسية لضمان أمن الوطن واسقراره «نصب الحاكم أنموذجا»

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، وأكرمنا بهذه الشريعة الإسلامية الواضحة الغراء، القائمة على رعية مصالح المكلفين، ودرء الفساد عنهم في الدارين، فمن اتبع هداها فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن أعرض عنها فله معيشة ضنكا ثم هو يوم القيامة من الخاسرين.

والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين، محمد بن عبد الله أكرم الرسل، وأفضل البشر، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته أجمعين، ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»

أما بعد /

أيها المؤمنون الكرام: كلنا يعلم أن الأمة الإسلامية تمر اليوم بمرحلة عسيرة، وتعيش ملحمة جهادية خطيرة، على أعتاب بيت المقدس وما حولها، تخوضها طائفة من الؤمنين نيابة عن الأمة الإسلامية كلها جمعاء، نسأل الله تعلى أن يكون لها وليا ونصيرا.

وقد اقتضت سنة الله تعالى أن يستمر الصراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما قال جل ثناؤه: 

«ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا»

ونحن في الجزائر جزء من هذه المعركة، ولسنا بمنأى عن هذا الصراع الدائر بين محور الخير ومحور الشر، وبسبب رفضنا للتطبيع، ووقوفنا في وجه صفقة القرن، ودعمنا المطلق للمقاومة الفلسطينية -عجل الله بنصرها- قد بتنا مستهدفين من طرف الكيان الصهيوني وأذرعه من حولنا، وعملائه في الداخل والخارج..

وأمام هذه الأخطار الواقعة أو المتوقعة علينا، ينبغي أن تتظافر جهودنا جميعا لمواجهة كافة التحديات المفروضة علينا، دولية كانت أو إقليمية، وخارجية أو داخلية؛ حتى تبقى جزائرنا محفوظةً في وحدتها وتماسكها، وقوية بجيشها وكافة مؤسساتها... وإن لم نكن كذلك فانّى لنا أن نستمر في مناصرة ودعم المقاومة الفلسطينية الباسلة؛ فإن فاقد الشيء لا يعطيه.

ومن أهم ما ينبغي أن نعمل على تحقيقه في هذه المرحلة الحرجة:

1- أن نعمل على تقوية عوامل الاعتزاز بالانتماء لهذا الوطن المعطر بدماء الشهداء، فإن حب الوطن هو الباعث على التضحية لأجله، والتفاني في حمايته والمحافظة عليه..  

وعلينا أن نتفطن للخطابات السلبية الهادفة إلى إماتة محبة الوطن في القلوب، وخلق جيل متشائم من وطنه، متنكر لتاريخه وأصالته وأمجاده..  

فإن حب الوطن شعبة من شعب الإيمان، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أول من رسخ هذه الوطنية في نفوس أصحابه، بل في نفوس أمته كلها جمعاء، فحينما خرج من مكة مهاجرا وقف على أحد جبالها وخاطبها بقوله:

«والله إنك لأحب البقاع إلي ولولا أني أخرجت منك ما خرجت»

وكان الصحابة رضي الله عنهم من المهاجرين الأولين، إذا ذكروا مكة بكوا شوقا إليها، ولما دخلوها فاتحين كان الرجل ينزل عن ظهر فرسه أو بعيره ويمرغ وجهه في التراب، من شدة المحبة والشوق إلى وطنهم، والرسول صلى عليه وسلم حاضر معهم وما نهاهم عن ذلك، بل هو نفسه صلى الله عليه وسلم كان يقول عن جبل أحد وهو عبارة عن جماد: «أحد جبل يحبنا ونحبه»

وهذا ما ينبغي أن نستشعره نحن اليوم، فحينما ننظر إلى جبالنا أو نتجول في أرجائها نشعر حقيقة أنها تحبنا وأننا نحبها، ونتذكر من خلالها تضحيات أجدادنا، ونستحضر قول شاعرنا:

«من جبالنا طلع صوت الأحرار ينادينا.. للاستقلال»

 -2وانطلاقا من هذه العاطفة الجياشة نحو وطننا علينا أن نعمل على ترسيخ وحدته الوطنية، فإن الوحدة الوطنية هي الأساس في المحافظة على قدرات الأمة و بنائها، وهي السبيل إلى تمكينها من الوقوف في وجه أي خطر محتمل؛ فنحن مطالبون بإقامتها في حياتنا وفي علاقاتنا أكثر من أي وقت مضى، وهي ضرورية اجتماعية، وفريضة شرعية لا خيار لنا فيها، لقوله تعالى: 

«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا».

 فالواجب على كل فرد أن يكون لإخوانه كالبنيان في التماسك والالتحام، حتى نكون كما قال نبينا صلى الله عليه على وآله وسلم: 

«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» رواه مسلم

فلتتظافر جهودنا جميعا من أعلى السلم إلى منتهاه على تعزيز الوحدة الوطنية، وتقوية أواصرها بين أفراد شعبنا، بمختلف مكوناته  الثقافية، وأنسجته الاجتماعية، فلا فرق بين عربي وقبائلي، ولا بين شاوي ومِزابي، ولا بين ترڤي ونَمُّوشي.. إلا بالتقوى، فكلنا جسد واحد أبوه الإسلام وأمه الجزائر، كما قال شيخنا ابن باديس رحمه الله، واعلموا أن العدو الخارجي لا سبيل له علينا، ولن يستطيع إيقاف مسيرتنا، إذا ما اتحدنا وتضامنا وكنا يدا واحدة على من سوانا، وقد حذرنا القرآن المجيد من الفرقة والتنازع، وبين لنا العواقب الوخيمة الناجمة عن ذلك، فقال جلت قدرته وتقدست أسماؤه: 

«وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ»

3- ولصون وحدتنا علينا أن نحذر من المرجفين الذين يعملون على العبث بأمننا واستقرارنا، ويسعون إلى إضعافنا بين الأمم في هذه المرحلة الحرجة، التي تكالب فيها الأعداء علينا من كل جانب، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: تثبيط عزائم الناس، وتنفيرهم من المشاركة في الانتخابات، أو دعوتهم إلى مقاطعتها.. ولا يقوم بمثل هذا الفعل إلا معتوه، أو عميل معين للأعداء على وطنه؛ لأن الانتخابات قد صارت في العرف الدولي وسيلة أساسية لإثبات شرعية الدولة، وقيام مؤسساتها وتقوية قدراتها.. والداعي إلى مقاطعتها كأنه يريد انهيار ذلك كله.

لهذا ينبغي أن نتسلح بسلاح الوعي، ونفوت الفرصة على هؤلاء المرجفين، فالانتخابات هي وسيلة لإقامة السلطان، وإقامة السلطان واجب شرعي إجماعا؛ 

ومن القواعد الأصولية المجمع عليها أيضا: «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب» وإقامة السلطان واجب وهو لا يتم في الأعراف الدولية الحديثة إلا بالانتخاب، وإذن: فالانتخاب واجب كفائي، فلو تركناه بحيث يترتب عن تركه عدم تنصيب الحاكم لأثمنا جميعا..

قد يتعلل بعض الناس بغلاء المعيشة ونحو ذلك من النقائص للعدول عن الانتخاب؛ باعتباره لم يعد فيه فائدة في نظرهم، وهذا خطأ في التصور؛ فإن غلاء المعيشة ونحوه لا يصح أن يكون مبررا لترك واجباتنا نحو وطننا، أو ذريعة للتسبب في إضعاف دولتنا، ورحم الله من قال: «تموت الحرة ولا تأكل بشرفها» والحديث قياس. فينبغي أن تكون لدينا أنفة وشهامة؛ فلا نرضى لوطننا أن يكون ضعيفا مهزوما أمام الأعداء، حتى لا ينطبق علينا المثل المشهور: «من أجل كرشو يخلي عرشو»

وعلينا أن نكون عقلاء ولننظر: هل الامتناع عن الانتخاب يحل هذه المشكلة أو يزيدها تعقيدها؟ 

ثم إننا ولله الحمد سائرون شيئا فشيئا نحو الانفراج، بل نحو النمو والازدهار، وتحقيق مزيد من النجاحات والانجازات، ورحم الله سيدنا الثعالبي إذ يقول:إ

إن الجزائر في أحوالها عجـب 

           لا يدوم بها للناس مكروه

ما حلّ عُسر بها أو ضاق مُتسع   

      إلا ويُسر من الرحمن يتلـوه  

فلنتفاءل ولتتظافر جهودنا قمة وقاعدة لبناء جزائر منتصرة اقتصاديا وحضاريا وسياسيا وعسكريا.. وما ذلك على الله بعزيز أو بعيد، إذا ما وجدت النية الخالصة، والإرادة الصادقة، وتوحددت الجهود للارتقاء بهذا الوطن، وفاء بعهد الشهداء الأبرار.

4- ألا وإن من أهم عوامل بناء الوطن والمحافظة عليه:  أن نعمل جميعا حكاما ومحكومين على ترسيخ وتعميم مرجعيتنا الدينية المعهودة، المؤلفة من العقيدة الأشعرية، والفقه المالكي، والتصوف الجنيدي..

فهذه المرجعية كما تتمثل سندنا المتصلَ بنبينا عليه الصلاة والسلام، فهي سياج حامٍ لوحدتنا الوطنية من التفكك، ورابطة جامعة لشعبنا على كلمة سواء..

وتعدد المرجعيات في البلد الواحد، ذريعة إلى الطائفية، وحيثما حلت الطائفية اشتعلت الصراعات الدينية، والصراعات الدينية تؤدي إلى التمزق والانقسام..

والله تعالى يقول لنا: «فاعتبروا يا أولي الأبصار»؛ 

فانظروا إلى الدول التي تعددت فيها المرجعيات الدينية، كسوريا والعراق واليمن وغيرها... كيف كانت عرضة للخراب والانهيار، وكيف سهل على الأعداء أن يدمروها من داخلها..

لذا ينبغي أن نظل حريصين في الجزائر على وحدة مرجعيتنا الدينية، باعتبارها سياجا حاميا لوحدتنا الوطنية.. ومرجعا وملاذا لجميع أبناء الوطن الواحد

مهما تعددت مشاربهم الثقافية، وتنوعت أصولهم العرقية، وتباينت وجهات نظرهم السياسية...                   

5- واعلموا أيها المؤمنون أن كل ما تقدم من عوامل بناء الوطن والمحافظة عليه مرهون بأن نتقي أسباب الهلاك وموارده، وأن نعمل على إماتتها في مجتمعنا، ومنها:

- كثرة الفسوق والفجور والعصيان، وتجاهر الناس به دون خجل ولا وجل، فذلك هو الخَبَثُ الذي إذا عم هلك بسببه الصالحون والطالحون على حد سواء؛ فقد قالت عائشة رضي الله عنها: «يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث» رواه البخاري

- ومن أبرز أسباب الهلاك التي أصبحت تهددنا: آفة المخدرات التي غزت بلادنا، حتى غدت من جملة الحرب المعلنة علينا، من قِبل لوبيات خارجية وأخرى داخية، يريدون من خلالها أن يسلخوا شبابنا عن قيمهم الإنسانية، ويدمروا بها قدراتهم وقواهم العقلية والنفسية والبدنية..

وإذا تركت هذه الآفة دون معالجة جدية منظمة صارمة.. فلسوف تنخر قوانا مع مرور الزمن، كما ينخر السوس جذوع الشجر،  ولسوف تؤدي بنا إلى بروز جيل حيواني لا يعرف عرفا ولا نكرا، قد يذبح أحدهم أمه أو أباه من أجل الحصول على أقراص مهلوسة..

وقد دلت أصول الشريعة وقواعدها، على وجوب الاحتياط لمثل هذه المفاسد قبل وقوعِها وقبل استفحال أمرها، ومن تلك الأصول: القاعدة الفقهية المتفق عليها: «الضرر يدفع بقدر الإمكان» ودفع الضرر بقدر الإمكان معناه الحيلولة دون وقوعه، وذلك باتخاذ كل الإجراءات والاحتياطات الكفيلة بالوقاية منه، وهذا ما ينبغي أن نفعله بجدية ودراسة منتظمة في مواجهة هذه الآفة المدمرة للأطان، وغيرها من الافات التي تجعلنا محل غضب وسخط عند ربنا جل ثناؤه؛  فاتقوا الله يا عباد الله، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو هو الغفور الرحيم

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى

 وبعد: أيها المؤمنون: اعلموا أن من أهم العوامل لبقاء وطننا شامخا مستعصيا على الأعداء: دعم الجيش الشعبي الوطني، ورفع معنوياته، والدعاء له.. فلولا تضحياته لما بتنا في دورنا آمنين، فجيشنا اليوم -ولله الحمد- يقوم بأداء واجبه على أحسن ما يرام، في حماية أمن الأمة واستقرارها..

ويتصدى بقوة لكل المحاولات    البائسة، التي تستهدف أمننا وسيادتنا في كل مرة..

ويكفيه مكرمة وتشريفا أن ينال فضل 

الرباط في السبيل الله،  الذي قال فيها

النبي صلى الله عليه وسلم:  «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها» رواه البخاري ومسلم 

فعلينا أن نكون له سندا، وأن نتعاون جميعا، حكاما ومحكومين، على تجسيد جميع العوامل المتقدمة في واقع حياتنا، ففيها نجاتنا وسعادتنا، وبها نفوت الفرصة على أعدائنا، ونحافظ على وطننا، الذي فديناه بمليون ونصف من شهدائنا.

الدعاء..


هناك 5 تعليقات:

  1. بوركتم سيدي و جزاكم الله خيراً

    ردحذف
  2. ما شاء الله

    ردحذف
  3. جزاك الله خيرا

    ردحذف
  4. كالعادة شيخنا الفاضل دائما يساير الاحداث ،بارك الله فيك وزادك فتحا وعلما ونورا،.

    ردحذف
  5. جزاك الله خيرا

    ردحذف