الخطبة الأولى
الحمد لله الذي من العدم أنشأنا، وللهدى يسرنا، وبالعقول قد كرمنا، ثم بالعلم شرفنا، وبالآداب زيننا..
وأشهد أن لا إله إلا اللهُ المنزهُ في ذاته وصفاته وأفعاله عن مشابهة الكائنات، رفع أهلَ العلم درجات، ووضع أهل الجهل دركات، وجعل العلم سبيلا إلى معرفته بالدلائل القطعيات..
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده
ورسوله سيدُ العارفين، المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، و
صحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
»يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ«
تهنئة الناجحين وتسلية
الراسبين
أما بعدُ: فيا أيها
المؤمنون الكرام: لقد مرت بنا خلال الأسبوع المنصرم مناسبة نتائج امتحان شهادة الباكلوريا،
وهي
مناسبة
من الأهمية بمكان، تستحق أن
نوليَها مزيدا من الاهتمام، وأن نستثمر مجرياتها في ترشيد شبابنا في مستقبل الأيام؛ فإن
الشباب هم آمال المستقبل وحُماة الأديان، وسر تقدم وازدهار الأوطان...
وبهذه المناسبة أهنئ جميع الناجحين والناجحات، سائلا المولى جل ثناؤه أن
يوفقهم في ما هم مقبلون علىه من الدراسات، وأن ينفع بهم أمتهم في مختلف المجالات، والحمد
لله الذي بحمده تتم الصالحات..
وأقول لأبنائي الراسبين وبناتي الراسبات: ابتسموا ورددوا وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم: »فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان«
متذكرين قوله صلى الله عليه وسلم: »واعلَم أنَّ ما أصابَكَ لم يكُن ليُخطِئَك، وأن ما أخطأكَ لم يكُن ليُصيبَكَ«
فجميع الأمور تجري بقدر الله، ولا أحد يمكنه أن يغير قدر الله، ولن يلغ أحد
حقيقة الإيمان حتى يرضى بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، من الله تعالى.
فقولوا بألسنة الصادقين وقلوب أهل اليقين: »الحمد لله على كل حال«؛
معتقدين أن الله تعالى ما منع عنكم النجاح هذا العام، إلا لحكمة تعود لمصلحتكم في الحياة والمماة، فالله يعلم وأنتم لا تعلمون، واقرأوا إن شئتم بتأمل
وإمعان:
»وَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ «
فمتى رزقك الله فهم حكمة المنع، عاد المنع هو عين
العطاء، فربما منعك الله أمرا ليصرف عنك شره، أو ليعطيك ما هو أفضل منه، فسلمْ له
فيما يريد، يكفك ما تريد ويعطك خيرا مما تريد..
ويعجبني قولُ الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: »لا تبك على فائت« فإن التحسر على ما فات، لا يغير الماضي ولا ينفع في ما هو آت، ولذلك فإن المؤمن لا يعود إلى الماضي؛ ليجدد حزنا أو ينكأ جرحا، أو يدور حول نكبة مضت.. وإنما يعود إليه ابتغاء الاعتبار ولاتعاظ ، والاستفادة من الأخطاء، ثم يرمي بأحداثه في سلة المنسيات، ويشق طريقه لبناء مستقبله، بهذا المنطق ينبغي أن ينظر شبابنا إلى الإخفاق في الامتحان.
فضل النجاح وواجباته
واعلموا أيها المؤمنون الكرام: أن النجاح
نعمة جليلة، تستوجب أن نستقبلها بشكر المنعم جل وعلا، القائل في محكم تنزيله: »واشكروا لي ولا تكفرون « فالمؤمن لا ينسب لنفسه فضلا، من مهارة أو
ذكاء، أو قوة قريحة.. أو غير ذلك؛ لأنه
يعلم أنه لولا توفيق الله له، لما استطاع أن يدرس، ولما استطاع أن يحقق مثقال ذرة
من نجاح، ومصداق ذلك قوله تعالى: »وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ«
وقال جل جلاله وتقدست أسماؤه: » وَمَا بِكُمْ مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ « فقوله: » مِن
نِعْمَةٍ« جاءت نكرة؛ لتعم كل نعمة مهما كان نوعها، ومهما كان حجمها، ومن ذلك نعمة: النجاح، فهي من الله وحده.
وما أجملها من كلمات تلك التي عبر بها الطالب فضلاوي بوحفص، المتحصل على
معدل 17،42 بولاية سعيدة، حينما خاطب الصحافة والجمهور قائلا: »الفضل كله يرجع إلى الله«
فبالتواضع لله والإقرار بفضله، وبالتوكل على الله والاضطرار إليه، يبلغ
المرء أسمى المراتب، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
وإذا استقبل الطالب نعمة النجاح بالشكر، فقد حفظها بذلك من الزوال، واستحق الزيادة
من المنعم؛ القائل في محكم تنزيله: »وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ «
ألا وإن من مظاهر الشكر أن نستقبل نعمة النجاح بطاعة الله، ومن الأخطاء الفادحة ما يفعله بعض الناس، حين يستقبلون نعمة النجاح بما يغضب المنعم جل جلاله، كالغناء، والإفراط في الفرح، والفخر والتطاول على الغير...
وكل نعمة تُستقبل بمعصية الله فهي معرضة للزوال، وفد تستحيل إلى نقمة، وذلك معنى قوله تعالى:» وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذَابِي لَشَدِيدٌ « ولقد أحسن من قال شعرا:
إِذا كُنتَ في نِعمَةٍ فَارعَها
فَإِنَّ
المَعاصي تُزيلُ النِعَمْ
وَحافِظ عَلَيها بِتَقوى الإِلَهِ
فَإِنَّ
الإِلَهَ سَريعُ النِّقَمْ
ثمار النجاح ودلالاته
واعلموا أيها المؤمنون الكرام: أن ثمار النجاح في شهادة الباكلوريا لا تنحصر في أن يكون للناجحين والناجحات وظائف يسترزقون بها، أو أن يكون لكل منهم منصب مرموق، ومسكن
وسيارة... وغيرُ ذالك.
بل إن ثمار النجاح تتعدى ذلك إلى إعداد النخب القوية بعلومها ومعارفها، الصالحة
في ذاتها المصلحة لغيرها، النافعة لوطنها وأمتها، التي ستحمل غدا راية الإسلام،
وتذود عن مقدسات الأمة، وتحمي ثوابتها ومقوماتها، وترعى مؤسساتِها وسائرَ شؤونها، وتكون
خير خلف لخير سلف..
فإن جيلنا نحن سيذهب بعد فترة من الزمن، وهذه النخب الناجحة اليوم، هي التي
ستحل محلنا في رعاية مصالح الأمة، فينبغي
أن يكون فيهم الأطباء والممرضون، والمهندسون والتقنيون، والأئمة والأساتذة والمعلمون،
والطيارون والغواصون والعسكريون، والساسة والقادة والوزاء...
وكل هؤلاء تتطلب فيهم القوة والأمانة والكفاءة، خصوصا ونحن في عصر لا مكان
فيه للضعفاء والفاشلين، فنحتاج فيه إلى أن يكون لدينا علماء متخصصون في مختلف
المجالات، فالتخصص في مختلف العلوم التي تحتاجها الأمة، كالطب والفيزياء ونحوهما، معدود
من فروض الكفايات، التي إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الجميع، وإذا تركناها
جميعا أثمنا جميعا..
وكل من تخصص في علم ونوى أن ينفع به نفسه وأمته، فهو داخل في عموم قوله صلى
الله عليه وسلم: »من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له
به طريقا إلى الجنة«.
فينبغي أن ندرك هذه الحقائق في إعدادنا للأجيال، وفي استقبالنا لنجاحاتها
في مختلف الميادين، وعلى طلابنا أن يكونوا في مستوى تطلعات أمتهم، فلا ينبغي أن
يعيشوا لأنفسهم وذويهم فقط، بل عليهم أن يعيشوا لأمتهم ووطنهم، يحدوهم في ذلك قول
الشاعر:
علمتني الحياة أني إن عشتُ
لنفسي أعِشْ حقيراً هزيلا
علمتني الحياةُ أنيَ مهما
أتعلَّمْ فلا أزالُ جَهولا
وعليهم أن يضعوا نصب أعينهم أنهم - بمسيرتهم العلمية والعملية - مكملون
لمسيرة الشهداء الأبرار، في بناء وطنهم وحمايته والنهوض به؛ ليلتحق بركب الدول
المتطورة، مجسدين بذلك وصية الشهيد البطل ديدوش مراد رحمه الله، الذي قال: »إذا متنا فدافعوا عن أرواحنا، نحن خلقنا من أجل أن نموت، ولكن ستخلفنا أجيال لاستكمال المسيرة«
عوامل النجاح وموجباته
واعلموا أيها المؤمنون الكرام: أن للنجاح
عواملَ وموجباتٍ شتى، حسبنا منها في هذا المقام ثلاثة:
1- تقوى الله عز
وجل: فهي مفتاح النجاح في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: » وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ
اللَّهُ « فتقوى الله سبب قوي لتحصيل العلم
المعرفة، قال الإمام القرطبي رحمه الله:
"قوله
تعالى: »واتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ« وعد من الله تعالى بأنَّ من اتقاه
علَّمَه، أي يجعل في قلبه نوراً يفهم به ما يُلقى إليه" اهـ
فلنستعن بتقوى الله على تحصيل المعارف وحفظها
وفهمها، فإنه لا معلم إلا الله، و لا مثبت إلا الله، ولا مسدد إلا
الله، ومن أيده الله فلا خاذل له، ومن خذله الله فلا مؤيد له، ومن تعرف إلى الله
في الرخاء عرفه في الشدة.
ومن أعظم الآفات التي تذهب أنوار العلم
والمعرفة الوقوع في المعاصي ، كما قال الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
واخبـرني أن العـلم نور
و نور الله لا يُعـطى لعاصي
2- الاجتهاد والاهتمام:
فالنجاح لا يتحقق بالكسل وراحة الجسد، بل ببذل
الجهد في المذاكرة والمدارسة، والنشاط وعلو الهمة، والاهتمام والرغبة في تحصيل
المعارف، وإجلال الأستاذ وملازمته، والانتباه أثناء شرحه للدروس.. وعدم الانشغال
عن العلم باللهو واللعب، والهواتف النقالة، والتسويف والتراخي، وما أشبه ذلك من
الآفات والملهيات.. قال ابن الوردي في
لاميته:
اطلُبِ العِلمَ ولا تكسَلْ فما
أبعَدَ الخيرَ عن أهلِ الكَسَلْ
واهجُرِ النومَ وَحصّلهُ فمنْ
يَعرفِ المطلُوبَ يَحقِرْ ما بَذلْ
لا تَقُل قَد ذَهَبت أربابُهُ
كُلُّ من سارَ على الدربِ وَصلْ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله - مبينا الأسباب
المعينة على تحصيل العلم-:
أَخي لَن تَنالَ العِلمَ إِلّا
بِسِتَّةٍ
سَأُنبيكَ عَن تَفصيلِها بِبَيانِ
ذكاءٌ وَحِرصٌ وَاِجتِهادٌ
وَبُلغَةٌ
وَصُحبَةُ أُستاذٍ وَطولُ زَمانِ
3- الرعاية
الأسرية: فالبيت يعتبر هو الدائرة الأولى من دوائر إعانة الأولاد على النجاح، وذلك من
خلال ترغيبهم في العلوم، وتحبيبها إليهم، وتوفير الأجواء المناسبة لتحصيلها حسب
الاستطاعة، وعدم تعنيفهم وتخويفهم، أو شغلهم بما يعيقهم عن المدارسة والمذاكرة..
ولقد زخر تاريخنا الإسلامي بالكثير من
النماذج، التي كان لها الشرف الأسمى، والحظ الأوفى، في صناعة النوابغ الأفذاذ، ومن تلك
النماذج: العالية بنت شريك، أم الإمام مالك، التي كان لها أثر عظيم فيما بلغه من
مكانة علمية رائدة، تقاصرت دونها همم الرجال، وقد قال عنها مالك رحمه الله:
»كانت أمي تلبسني الثياب، وتعممني وأنا صبي، وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وتقول: يابني، إئت مجلس ربيعة، فتعلمْ من سمته وأدبه قبل أن تتعلم من حديثه وفقهه«.
رمزية نجاح بوحفص ومحمد الأمين
والملاحظ في نابغتي الجزائر: محمد الأمين مقران، المتحصل على معدل62 ، 19 وبوحفص فضلاوي المتحصل على معدل42 ، 17 أنهما قد توافرت لهما كل هذه العوامل الثلاثة المتقدمة، من تقوى وصلاح، واجتهاد ومثابرة، ورعاية أسرية.
فكلكم قد رأيتم كيف كان الطالب فضلاوي بوحفص
يدرس في الخيمة على ضوء الشمعة، متحديا بذلك كل الصعوبات، وقد قال عن نفسه: »لم أفكر يوما في أن تكون الظروف عائقا لي عن
النجاح«. فقطع بذلك عذر كل متعلل بالظروف
أو المحيط..
وقد رأيتم أيضا كيف كان والده يوصله كل يوم
على الدراجة إلى الثانوية، التي تبعد عن محل إقامتهم بــ22كلم فأعطى بذلك نموذجا
رائعا لما ينبغي أن يكون عليه الأولياء تجاه أولادهم، في مساعدتهم على التحصيل
العلمي، وقهر الظروف التي تحول بينهم وبين ذلك.
والملاحظ في شخصية كلا الطالبين المتفوقين،
أنهما كانا على قدر كبير من الاستقامة وسلامة الفطرة واعتدال الأفكار، لقد بدى ذلك
جليا من خلال تواضعهما، ومن خلال حلاقتهما ولباسهما، فلا إعجاب بنفس، ولا إفراط في
فرح، ولا استطالة على الغير، ولا قزع، ولا سراويل هابطة أو ممزقة على الركبتين...
فحققا بذلك كل معاني الرجولة في شخصهما،
واستحقا به هذا النجاح الباهر عن جدارة، وإن
فيهما لأسوةً حسنة لجميع أبناء الجزائر، ليتمسكوا بأصالتهم التي عرف بها أجدادهم،
والتي هي سر قوتهم ونجاحهم، ويدعوا عنهم التقليد الأعمى للكافرين والمارقين، في شتى
مظاهر سلوكهم ومناحي حياتهم..
وإن تعجب فعجب شأن أولايك الذين لم يكترثوا لما
حققه النابغة: مقران محمد الأمين، من نجاح باهر، ثم راحوا يسخرون في مواقع التواصل
من هندامه الأصيل، المعبر عن التحلي بلآداب الرفيعة، والتشبث بقيم الرجولة في أسمى
صورها، ذاهلين عن قول الشاعر الحكيم:
لَيسَ
الجَمالُ بِأَثوابٍ تُزَيِّنُنا
إِنَّ الجَمالَ جَمالُ العَقلِ
وَالأَدَبِ
وقال آخر:
إِذا المَرءُ
لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُلُّ رِداءٍ
يَرتَديهِ جَميلُ
ولا جرم أن سلوكهم هذا لمن أكبر الإثم
والفسوق؛ فهو داخل في قوله تعالى: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ«.
كما أنه يدل على مدى الانحطاط الفكري لدى هؤلاء الساخرين
من مظاهر الرجولة والأصالة، التي بدا بها محمد الأمين، وقد ذكرني صنيعهم هذا بيت من
الشعر قلته في أمثالهم من قبل:
أَتَعْذُلَنْ
شَامِخًا كَالْبَدْرِ فِي الْأُفُقِ
وَأَنْتَ مُنْغَمِسٌ فِي الْوَضْرِ
وَالْوَحَلِ
فكيف يسخر فاشل منسلخ عن القيم والأصالة، في لباسه
وهيئته وهندامه، من نابغة متمسك بأصالته ومظاهر رجولته، التي تدل على سمو نفسه،
وسلامة فطرته، واتزان أفكاره، وصدق المتنبي
حينما قال:
وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ
فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ
غفر لنا ولإخواننا هؤلاء، وهدانا جميعا سواء
السبيل، وأقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى
وبعد: أيها المؤمنون الكرام: في الأخير لا
يفوتنا أن ننوه بمظاهر التضامن مع المتفوقين، ودعمهم ماديا ومعنويا، سواء من طرف
الدولة أو من طرف المحسنين، فهي مظاهر – والله - تثلج الصدور، وتدخل البهجة على
النفوس، وتستحق الإشادة والشكر والتقدير؛ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: »من لم يشكر الناس لم يشكر الله .«
وقوله صلى الله عليه وسلم: »من اصطنع إليكم معروفاً
فجازوه، فإن عجزتم عن مجازاته فادعوا له، حتى تعلموا أنكم قد شكرتم، فإن الله شاكر
يحب الشاكرين«.
فنسأل الله تعالى أن يجزي خيرا كل من تضامن مع
أبنائنا المتفوقين، ودعمهم ماديا ومعنويا ولو بكلمة، ولا شك أن هذا العمل يعتبر
من أفضل القربات إلى الله تعالى؛ لما تضمنه من تشجيع على الاجتهاد في تحصيل العلوم
والمعارف، ولا تزال الأمة بخير ما عظمت العلم، وعرفت لأهله قدرهم وحفظت لهم
مكانتهم.
كما أن فيه دلالة أخرى وهي أن العلم يرفع
أهله إلى أعالي الدرجات، ويفتح لهم أبواب السعادة والخيرات، فلولا العلم ما كنا
لنسمع بهؤلاء المتفوقين، وما كان لأحد أن يكرّمهم؛ وصدق الله مولانا العظيم إذ
يقول: » يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ.« وهي رفعة عامة
في الدنيا والآخرة.
وأملنا أن تتوسع مظاهر ما شهدناه من دعم وتشجيع؛
لتشمل المتفوقين في حفظ القرآن وتجويده، وتحصيل العلوم االشرعية المتفرعة عنه،
فإن الأمة كما تحتاج إلى نوابغَ في العلوم الدنيوية، فهي إلى نوابغَ في علوم
الشريعة أحوج؛ لتوقف صلاح الدنيا على صلاح الدين، ولذلك جاءت مصلحة الدين مقدمة
على سائر المصالح، وقال صلى الله عليه وسلم: »خيركم من تعلم القرآن وعلمه.« وقال أيضا: أشراف أمتي حملة القرآن.«
فما نال أهل القرآن الخيرية والشرف على
الإطلاق، إلا لعظم منفعتهم للأمة، لأن المعهود في الشريعة المعظمة، أن المصالح
إنما يتعاظم فضلها بقدر ما يترتب عليها من آثار في الواقع والوجود.
وفي الختام:
لقد روي عن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم
أنه قال:
»أن في الجمعة لا ساعة لا يُرد فيها الدعاء.« وقد قيل: أنها حين
صعود الإمام على المنبر، فاللهم إني داعي فأمِّنُّوا لعلنا نصاف هذه الساعة:
اللهم زين ظواهرنا بالمجاهدة، وزين بواطننا بالمشاهدة،
وأصلح أعمالنا وأقوالنا وسائر شؤوننا، وبلغ مقاصدنا وآمالنا، وفرج همومنا واقض
ديوننا، ويسر معيشتنا وأرزاقنا، واشف مرضانا وعاف مبتلانا، واغفر ذنوبنا واستر
عيوبنا، واختم بالصالحات أعمالنا...
اللهم انظر إلينا بعين رضاك، ولا تصرف وجهك
عنا بسوء فعالنا، ولا تحول بيننا وبين أوليائك ومحبيك، ولا تجعلنا مع أعدائك
ومعانديك..
اللهم اجعل بلادنا بلاد العلم والدين، وراحة
المحتاج والمسكين، واجعل لها بين الأمم صولة وحرمة ومَنَعَةً ودولة، واجعل من السر المصون
عزها، ومن السترالجميل حرزها، ومن كادنا فكده، ومن خدعنا فاجعه، ومن وشى بنا فلا
تسعده..
اللهم أيد بنصرك وتوفيقك
المجاهدين بأرض فلسطين، واجعل لهم الغلبة على اليهود الآثمين، وأتباعهم
الفاجرين، اللهم داو جرحاهم واشف مرضاهم، وفُكَّ حصارهم، واربط على قلوبهم،
وسدد رميهم، واحم ثغورهم..
يا قوي يا متين، يا قريب
يا مجيب، يا كهف الضعفاء، ويا سند من لا سند له، ومن منقذ الغرقى، ويا منجي
الهلكى، ويا مجيب دعوة المضطر إذا دعاه أدرك أهلنا في غزة بلطفك وعنايتك، وأغثهم
بنصرك وتأييدك، بجاه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وبجاه الأنبياء والأولياء
والصالحين، واجعل اللهم كيد اليهود والمنافقين في نحورهم يَصْلَى به وريدُهم..
اللهم أمّنا في أوطاننا واحفظ
جيوشنا، وأيّد بتوفيقك ولاةَ أمورِنا، واحفظهم من بطانة السوء التي تزين المنكر
وتقبح لهم المعروف، ووفقهم إلى ما فيه خير العباد والبلاد..
وصل اللهم وسلم وبارك على
سيدنا ونبينا ومولانا محمد، وعلى آله الطاهرين، وصحبه الميامين، ومن والاه إلى يوم
الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
فقوا إليها يرحمكم الله.
ما شاء الله تبارك الله
ردحذفبارك الله فيك شيخنا الفاضل ونفع بك الامة آمين
ردحذفبارك الله فيك شيخنا الفاضل
ردحذفنفعنا الله بكم وبعلمكم سيدي الكريم
ردحذف