اشتُهر مسلمو اليوم بالبراعة في خوض العارك الكلامية، فمنا إن نحرج من معركة حتى ندخل في أخرى، كدخولنا في معركة شيرين فور فراغنا من معركة الفطرة، والقائمة طويلة، والآتي الله به أعلم، وعلى كلٍّ فلا تخلو هذه الظاهرة من الاشتمال على بعض الدروس التي ينبعي أن تسجيلها والاسفادة منها؛ فإن والحكمة ضالة المؤمن، ومن أهم النتائج المستخلصة من المعركة الأخيرة، أعني معركة شيرين:
1- أن مثل هذه المعارك الكلامية والتصادمات الجدلية، لا تبني وطنا ولا تخدم مجتمعا، ولا تسر صديقا ولا تغيظ عدوا، ولا تجلب مصلحة و لا تدرأ بمفسدة، بل لا تخلف في الكثير من الأحيان إلا آثارا سلبية إن لم يحسن استغلالها، ومن آثارها السلبية:
- الوقوع في أوحال الجدل الممقوت في ديننا وقد قيل: [إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ومنعهم العمل].
- الوقوع في التصادم المفضي إلى الانقسام، وهو ما تقر به أعين أعدائنا، وكأنا كفيناهم بذلك مهمة التحريش بيننا وإشغالنا بأنفسنا؛ ليفرغوا لخدمة مشاريهم الرامية إلى اجتثاثنا من أصولنا، وهيأنا لهم الأحواء ليقفزوا إلى تحقيق أهدافهم البعيدة المدى.
2- أكدت هذه الحادثة ونظائرها مدى الفراغ المرجعي الذي يعاني منه كيان أهل السنة والجماعة، فلو كان لهم مرجعيات علمية تحظى بالمصداقية، وتلتقي في مرجعية عالمية موحدة، ما كنا لنقع فيما وقعنا فيه من الخلط المعلوماتي، ومن الغمز واللمز وتبادل السباب بعبارات من الطراز العالي..
في حين بدا الكيان الشيعي في مجال الفتوى أحسن منا تنظيما وأكثر انضباطا، وأعظم تقديرا لعلمائهم وتمسكا بمرجعياتهم، وتقديسا لدينهم، فهم لا يتجرأ عوامهم -مهما بلغ مستواهم الثقافي- على اقتحام مجال الفتوى، وإنما يتركون الأمر لأولي الأمر.
وهذه قضية من الأهمية بمكان كان ينبغي أن توجد عندنا لا عندهم؛ لأننا إذا تعود صغارنا على معارضة كبارنا، فقد تؤدي تلك العادة إلى تمرد العامة على علمائها في القضايا الكبرى التي يتوقف عليها مصيرنا ولا يقوم كياننا بدونها!؟
3- كشفت هذه الحادثة أن الشخصيات العلمية البارزة ومجالس الفتوى المؤسساتية غير مسائرة لواقع أمتها، فقد آثرت الصمت على الرغم مما ترى من جدل وانقسام، باستثناء فتيا الحسن ولد الددو وفتيا علي القرة المؤصلتين والمتناقضتين، ولم تخلُ أيٌّ من الفتوتين من انتقاد وردود، وكلا الشخصيتين في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكان من المفترض أن لا يقع هذا وأن تصدر فتوى موحدة عن هذه الهيئة، تراعي الواقع والمآل، وتهدف إلى جمع المسلمين على كلمة سواء.
4- علمتنا هذه الحادثة أنه لا بد من فقه الواقع إلى جانب الفقه في الدين، حتى لا يقع المفتي في متاهات أو يهوم في خيالات، فيكون هو في واد والناس في واد، لأنه لا يعرف إلا ما يجب أن يكون دون ما هو كائن، مع أن الواجب شيء و الواقع شيء آخر، ورحم الله الشيخ رشيد رضا حينما قال:
"وَقَدْ كَثُرَتِ الدَّوَاهِي فِي آرَاءِ الْفُقَهَاءِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الَّذِينَ يَجْهَلُونَ أَمْرَ الْعَامَّةِ، وَرَحِمَ اللهُ مَنْ قَالَ: الْفَقِيهُ هُوَ الْمُقْبِلُ عَلَى شَأْنِهِ الْعَارِفُ بِأَهْلِ زَمَانِهِ"[20 / 95].
5- علمتنا هذه الحادثة أن لا يفتي المفتي وهو متحمس لأمر أو مستاء منه؛ فمن نتائج ذلك أن رأينا من يحكم على شيرين بعينها بأنها في الجحيم، مخالفا بذلك لما هو مقرر عند العلماء بأن الحكم يكون على العموم، فيقال: من مات كافرا فهو في النار، ومن مات موحدا فهو في الجنة، ولا يُحكم على شخص معين بأنه في النار أو في الجنة إلا بنص من القرآن أو السنة، ومثال الأول: ما ورد في أبي لهب، ومثال الثاني: ما ورد في العشرة المبشرين بالجنة، وقد نظم بعض أهل العلم في ذلك:
لا تَحْكُمَنْ لأحدٍ بالجنهْ ... ولا بنــارٍ إن أردتَ السـنَّـــهْ
إلا بنصٍّ جاء في الكتابِ ... وسنةٍ جاءت على الصوابِ
أما أولائك الذين حكموا لها بأنها في الجنة فلا يمكن اعتبار قولهم فتوى، وإنما هو دليل على جهلهم واستهتارهم بالشرع المقدس.
6- علمتنا هذه الحادثة أن التسرع وعدم التحري والتثبت قد يؤدي إلى الخلل والزلل في الفتوى، فقد رأينا من يبدي رأيا في الصباح ثم ينقضه في المساء، ومرد ذلك إلى الخوض في المسألة قبل استيفاء حقها من البحث والنظر، والرجوع إلى الحق بعد تبينه فضيلة.
7- علمتنا هذه الحادثة استحسان التحفظ على بعض ما يُعلم من آراء الفقهاء الاجتهادية غير الذائعة؛ إذا غلب على الظن إساءة فهمها، أو إفضائها إلى صدام من غير فائدة مرجوة، أو وضع العلم في غير محله كما قد قيل :"آفة العلم النسيان وإضاعته أن تحدث به غير أهله".
8- علمتنا هذه الحادثة أن العديد من المسائل الفقهية تحتاج إلى دراسة وتحقيق، وأنه من الخطأ تلقف المعلومة دون الالتفات إلى ما قد يعتريها من ملابسات، وأذكر في هذا الصدد أن شيخنا الدكتور بلقاسم حديد قال لنا يوما: والله لو رجعتم إلى المستصفى لوجدتم فيه ما يستحق التصويب، لأن حكمة الله اقتضت أن يكون الكمال المطلق لله وحده، فهو وحده من يحكم ولا يُعقب على حكمه، والكل يُعقب عليه ولو كان الجُمهور. ومن أمثلة ذلك في واقعتنا:
ما تناقلته بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من دعوى الإجماع على عدم انتفاع الكافر بحسناته وعدم التخفيف عنه بسببها، والتي نص عليها القاضي عياض المالكي تــ 544 هـ ونقلها عنه الإمام النووي الشافعي تــ676هـ
ونصها: "وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا تَنْفَعُهُمْ أَعْمَالُهُمْ وَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهَا بِنَعِيمٍ وَلَا تَخْفِيفِ عَذَابٍ"[شرح صحيح مسلم3 / 87].
ولكن بالرجوع إلى المصادر العلمية نجد أن هذه الدعوى غير صحيحة، وقد نقضها النووى نفسه في نفس الكتاب وفي نفس الصفحة، فقال:
"قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ بن جُدْعَانَ وَمَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ فِي بُطْلَانِ خَيْرَاتِ الْكَافِرِ إِذَا مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَرَدَ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهَا مَوْقِعُ التَّخَلُّصِ مِنَ النَّارِ وَإِدْخَالِ الْجَنَّةِ وَلَكِنْ يُخَفَّفُ عنه عَذَابُهُ الَّذِي يَسْتَوْجِبُهُ عَلَى جِنَايَاتٍ ارْتَكَبَهَا سِوَى الْكُفْرِ بِمَا فَعَلَ مِنَ الْخَيْرَاتِ هَذَا كَلَامُ البيهقي"هـ
وشرط الإجماع حصول الاتفاق بين كل المجتهدين، فإن خالف واحد لم ينعقد الإجماع، ولا يقال: أن هذا الخلاف ربما طرأ بعد عياض؛ فإن البيهقي متقدم عليه حيث تـوفي في سنة458هـ بينما توفي عياض سنة 544 هـ كما تقدم.
وأيضا أن الفقيه المالكي الكبير قاضي الأندلس المعروف بابن الفَرَس كان معاصرا للقاضي عياض فقد توفي سنة597 ولم يدع ما ادعاه عياض من هذا الإجماع، بل ذكر أن في المسألة قولين، ونصه:
"وقد اختلف في الكافر يفعل في حال كفره شيئًا من أفعال البر كصلة الرحم ونحو ذلك هل يثاب عليه في الآخرة أم لا؟ على قولين". [أحكام القرآن لابن الفرس3 / 160].
ولا حصر لحكاية هذا الخلاف عند من جاء بعد هؤلاء، كنقل ابن ناجي تـ837هـ عن عز الدين: "وحسنات الكفار يُخفف عنهم بسببها العذاب"[شرح ابن ناجي على متن الرسالة 1 / 44]. وكقول العدوي تــ1189هـ : "لا مانع من كتب حسناته وثمرتها ما يلحقه من تخفيف عذاب غير الكفر"[حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني1/ 110].
وقد نبه الألوسي تــ 1270 على عدم تمام دعوى الإجماع على إحباط عمل الكافر بالكلية ونصه:
"وما يدل على عدم تخفيف العذاب فالعذاب فيه محمول على عذاب الكفر بحسب مراتبه فهو الذي لا يخفف، والعذاب الذي دلت الأخبار على تخفيفه غير ذلك، ومعنى إحباط أعمال الكفار أنها لا تنجيهم من العذاب المخلد كأعمال غيرهم وهو معنى كونها سرابا وهباء، ودعوى الإجماع على إحباطها بالكلية غير تامة"روح المعاني15 / 438.
9-علمتنا هذه الحادثه وما كشفته لنا من بطلان دعوى الإجماع السابقة أنه لابد من مراعاة معاني ومدلولات نصوص الفقهاء، فقد يريدون بها معنى بينما يفهم منها معنى آخر، ومن امثلة ذلك في واقعتنا هذه:
أننا كثيرا ما نجد في نصوص فقهائنا المالكية التنصيص على الإجماع على حرمة الاستغفار للكافر، كقول النفراوي في الفواكه الدواني:
"وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُرْمَةَ الِاسْتِغْفَارِ لِلْكَافِرِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَلَوْ لِلْأَبَوَيْنِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ خِلَافٌ فِي اسْتِغْفَارِهِ لِلْأَبَوَيْنِ حَالَ حَيَاتِهِمَا إذْ قَدْ يُسْلِمَانِ"هـ
ونظير هذا لا حصر له في كتبنا وكتب الشافعية وغيرهم، لكننا بالرجوع المصادر العلمية خاصة عند أئمة الشافعية نجد أن من أهل العلم من نص على جواز الدعاء للكافر، من ذلك:
*ما جاء في حاشيتا قليوبي وعميرة1 / 389
"وَفِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ حُرْمَةُ الدُّعَاءِ لِلْكَافِرِ بِأُخْرَوِيٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ، وَمِنْهُ جَوَازُ الدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَذْكَارِ كَمَا تَقَدَّمَ"هـ
* وفي نفس المصدر1 / 407 :
"الدُّعَاء لِلْكَافِرِ بِالْمَغْفِرَةِ جَائِزٌ، إلَّا إنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْعُمُومَ يَشْمَلُ ذَنْبَ الْكُفْرِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ"هـ
* وفي حاشية نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 2 / 493
"قوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ] فِيهِ أَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى مَغْفِرَةِ الشِّرْكِ، وَرُبَّمَا تَدُلُّ عَلَى مِغْفَرِهِ غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : [وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ]. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ لَهُ بِمَغْفِرَةِ غَيْرِ الشِّرْكِ"هـ
وعلى هذا القول يكون الدعاء للكافر بمغفرة غير الكفر سؤالا لتحقيق المشيئة الألهية المشار إليها في قوله تعالى:"ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
وبهذا يكون أئمة الشافعية لم يتابعوا النووي في ما قرره من حرمة الدعاء للكافر مطلقا، أو أنهم حملوا الإجماع المذكور على حرمة الدعاء للكافر بمغفرة شركه و كفره، لا الدعاء له رجاء التخفيف عنه بمغفرة غير الكفر، وإلا ما جاز لهم نقض الإجماع لو رأوا أنه منعقد، ومثل هذا الفهم يسحب على الاجماع المنصوص عليه عند فقهائنا كقول النفراوي المتقدم ونحوه، ولم أجد عند فقهائنا المالكية من نبه على هذا المفهوم.
والحاصل أنه بتقربر هذا الخلاف تنتفي دعوى الإجماع على حرمة مطلق الدعاء للكافر، لتنحصر في الدعاء له بمغفرة كفره وشركه وهذا ما لا نزاع فيه.
10- علمتنا هذه الحادثة أن أسلم طريقة لعرض المسائل المختلف فيها أن يُحكى كل ما فيها من خلاف، ومن الخطأ عرض أحد الأقوال وإهمال ما يقابلها، وأن أحسن طريقة للوقوف على أرجحها أو الجمع بينها أن نسلك في دراستها المنهج المقارن، وقد قال أهل العلم: أن كثيرا من الخلافيات مردها إلى عدم تحرير محل النزاع فيها.
11- علمتنا هذه الحادثة أن الفقهاء بحق هم أولائك الذين يحكمون العقل بالشرع ويقرأون الشرع بالعقل، وأن الفقه ليس بكثرة حفظ الأقوال وروايتها، وإنما هو الفهم الدقيق لنصوص الشريعة ونصوص شراحها، وهو نور يقذفه الله في القلوب، وهو من جملة الحكمة التي يختص الله بها من يشاء :"يوت الحكمة من يشاء ومن يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا".
12 أن علمتنا هذه الحادثة أنه من الخطأ تلقف المعلومة من الكتب دون الرجوع إلى أهل العلوم المعايشين للفقهاء في كتبهم، والخبراء بمداركهم وومدلولات اصطلاحاتهم، وقد قيل: "كان العلم في صدور الرجال، ثم انتقل إلى بطون الكتب، وصارت مفاتحه بيد الرجال".
13- علمتنا هذه الحادثة أن لا نندفع إلى تخطئة العلماء إذا ما حدثونا بخلاف ما نعلم، وبغير ما نألف ونشتهي، فقد يكون لحديثهم مستند معتبر، أو نظرة مقاصدية لا نعلمها، ومن أمثلة ذلك: ما فعله العلامة القرضاوي حينما دعا للبابا سنة 2005 قائلا: "ندعو الله أن يرحمه ويثيبه؛ بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلّف من عمل صالح أو أثر طيب"هـ
فقد كنا من المشنعين عليه يومئذ لجهلنا، حتى جاءت هذه الحادثة لتكشفت لنا ما كان مستترا من الخلاف المذكور في المسألة، وأن ترحم القرضاوي على البابا كان جاريا على أحد طرفي هذا الخلاف، أو على أصل اعتبار المآل الذي أشار إليه القرطبي بقوله: "وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِي خُيِّرَ فِيهِ فَهُوَ اسْتِغْفَارٌ لِسَانِيٌّ لَا يَنْفَعُ وَغَايَتُهُ تَطْيِيبُ قُلُوبِ بَعْضِ الْأَحْيَاءِ مِنْ قَرَابَاتِ الْمُسْتَغْفَرِ لَهُ"هـ
14- علمتنا هذه الحادثة أن لا نقدم على الاستشهاد بالآثار قبل التأكد من صحتها؛ لئلا نصطدم بما هو مقرر في منهاج الاستدلال الشرعي، كجواز الاستدلال بالآثار الضعيفة في فضائل الأعمال دون العقائد وإثبات الأحكام، ومن ذلك: ما رأيناه في قصة حاتم الطائي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم لابنته: "حَقًّا لَوْ كَانَ أَبُوكِ مُسْلِمًا لَتَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ".
فقد رأينا من يستشهد بها وكأنها نص في المسألة، بينما هي قصة أقل أحوالها أنها ضعيفة، ففي سندها عبد الرحمن بن جندب وهو مجهول، وضرار بن صرد وأبو حمزة الثمالي وهما ضعيفان، وقد نبه على ذلك غير واحد من الحفاظ كالحافظ ابن حجر، حيث قال في الإصابة 7 / 701 :"وفي سنده من لا يعرف"هـ . وقال في موافقة الخبر1 / 198: "هذا حديث غريب". ثم أشار إلى ضعف أبي حمزة الثمالي وضرار بن صرد. وقال الحافظ ابن كثير في البداية5 / 68: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْمَتْنِ غَرِيبُ الْإِسْنَادِ جِدًّا عَزِيزُ الْمَخْرَجِ".
وقد نوقشت هذه القصة في أرشيف ملتقى أهل الحديث [1] ج5 ص 48 وبين المناقشون بطلانها وأعلوها سندا ومتنا بالدلائل المفصلة.
15- علمتنا هذه الحادثة أن التعصب والجمود وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة وتضليل المخالف لا ينحصر في طائفة معينة كما كنا نظن، بل هو داء متفشي في عموم الطوائف الإسلامية، ولا يسلم منه إلا من اتسعت مداركه، وتجرد من حظوظه النفسية، وأخلص نيته لله وحده، فهذا وحده من يُرحى منه احترام المخالف وإجلاله، ومحبته وإنصافه، والثناء عليه بما هو أهله.
16- علمتنا هذه الحادثة أن في هذا الفضاء مهرجين يريدون فرض فهمهم على الآخرين، لا بالاستمالة والإقناع، وإنما بالاستعلاء على غيرهم وتعييرهم والانتقاص من قدرهم، ومثل هذا الأسلوب لا يُقبل في مجال العلم الشرعي؛ لأنه يسقط هيبته ويذهب بقداسته.
17- علمتنا هذه الحادثة أن الدين اصبح مستباح الجانب عند قومنا، فلم نر أحدا يتجرأ على إبداء رأيه في الطب والفيزياء ونحوهما، بينما رأينا كثيرين يقتحمون مجال الإفتاء فيي دين الله وهم لا يفرقون في كتاباتهم بين الظاء والضاد ولا بين السين والصاد ولا بين صل وصلي...
18- علمتنا هذه الحادثة أن لا ندع نظائرها تمر دون أن نستفيد منها حكمة تنفعنا، وننقلها إلى زملائنا وإخواننا ليستفيدوا منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق