إكرام إمام التراويح بالمال سنة حميدة جرى بها العمل في المجتمع الجزائري منذ قرون حتى صارت من نظائر: [المعروف عرفا كالمشروط شرطا].
وهي نوع من تعظيم الله تعالى المشار إليه في قوله صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ والجَافي عَنْهُ، وإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ".
وقديما كان الجزائريون أكثر إجلالا لحامل القرآن، وأكثر إكراما لإمام التراويح بصفة خاصة، فكانون يكرمونه بالمال ليلتي النصف والسابع والعشرين من رمضان، ثم يشترون له كسوة فاخرة للعيد، وينشدون عند إكرامه في بعض المناطق قصائد متنوعة في فضل حامل القرآن، منها بتصرف:
أفضـــــل مـــــا يتلى وما يقالُ ** وخيـــر ما ينفق فيـــــــه المالُ
قـــــــراءة القرءان عند الناسِ ** كــــــذا روي أئمـــــــة القياسِ
يا من يريــــد القرب من مولاهُ ** فليقـــــرأ القــــــرآن لا ينساهُ
ليس يٌـرى على الأرض كمثله ** سبعيـــــــن ألفا يشفع من أهله
وفي روايــــــة أتت عـن خلفٍ ** يشفع في سبعيـــــن ألف ألفٍ
وقالوا أيضــا حامـــل القرءانِ ** يشفع في القرب وفي الجيرانِ
ومن مظاهر إجلال الجزائريين لأهل القرآن، أن آباءنا وأجدادنا الأميين، كانوا يقولون لنا:
أن طالب القرآن فيه شعرة من شعرات النبي صلى الله عليه وسلم، وكنا نستغرب ذلك منهم، إلا أننا بعدما اتسعت مداركنا أدركنا أنهم كانوا يفسرون لنا بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أَوتى القرآن فكأَنما أُدْرجتِ النبوّة بين جنبيه إِلاَّ أَنّه لم يوحَ إِليه".
وإذن: فالشعرة التي يقولون موجودة حقا في حامل القرآن، إلا أنها شعرة معنوية وليست حسية.
وبفضل تمسك الجزائريين بالقرآن العظيم وإجلالهم لحملته استطاعت الجزائر أن تقاوم مقومات الفناء، وأن تحافظ على أصالتها العربية والإسلامية، رغم كل المحاولات الاستعمارية لتغريبها وتذويب شخصيتها وطمس معالم هويتها الوطنية؛ ولولا تمسك الجزائريين بالقرآن العظيم والتفافهم حول أهله لكانت الجزائر أندلسا ثانية.
فكنا على ذلك حتى ظهرت في أوساطنا بعض الكائنات الغريبة، التي اتخذت أهل القرآن غرضا، وأمعنت في الاستهانة بهم والانتقاص من قدرهم، وإسقاط مكانتهم وهيبتهم في أعين الناس بشتى الوسائل، وقد لوحظ ذلك على مستويات مختلفة، حتى في بعض الصحف والجرائد للأسف الشديد، وهو سلوك غريب عن مجتمعنا، وأمر بالغ الخطورة؛ لأن الشريعة المعظمة كما اعتبرت إكرام أهل القرآن إجلالا لله تعالى كما تقدم في الحديث، فقد اعتبرت أيضا الاستهانة بهم استهانة بالله وآياته، حيث قال الله تعالى:
"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ"هـ
قال علماء التفسير أن هذه الآية نزلت في نفر من المنافقين في غزوة تبوك، قالوا في مجلس لهم: "ما رأينا مِثل قرَّائنا هؤلاء أرغبَ بطونًا - أي يأكلون كثيرا - ولا أجبنَ عند اللقاء".
قال سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنه: أنا رأيته [أي القائل ذلك] متعلقًا بحقب ناقة رسول الله وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله يقول له: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾.
فكان الاستهزاء بحملة القرآن استهزاءً بالله وآياته..
لذلك ينبغي للمجتمع الجزائري الأصيل أن يتفطن للآثار السلبية لهذه السلوكات المقيتة، وأن يدرك أبعادها ومآلاتها التي تعود عليه بالضرر في عاجله وعاقبة أمره، وأن يظل محافظا على تقاليده الحميده تجاه أهل القرآن العظيم، حتى يحفظ الله له دينه ودنياه، فمن أكرم أهل القرآن أكرمه الله، ومن أهانهم أهانه الله، ومن آذاهم فقد آذى الله ورسوله.
أعجبني
تعليق
مشاركة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق