......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأحد، 1 مايو 2022

الأحكام المتعلقة بزكاة الفطر في المذهب المالكي

 أولا : تعريف زكاة الفطر

هي صدقه تجب بالفطر من رمضان ، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها، ويقال لها فطرة : نسبة إلى الفطرة وهي الخلقة، ولذلك تسمى بزكاة الأبدان.
ثانيا: حكمها
زكاة الفطر واجبة، قال سيدنا ابن أبي زيد القيرواني: "وَزَكَاةُ الْفِطْرِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ". ودليل وجوبها : ما أخرجه الشيخان عن ابن عمر قال:
"فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ".[صحيح البخاري1503].
وقد شرعت في شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة.
ثالثا: على من تجب؟
تجب زكاة الفطر على كل فرد من المسلمين، صغيرا كان أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، حرا أو عبدا، صائما أو غير صائم لسفر أو مرض مؤقت أو مزمن.
فيخرجها المسلم عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته، كزوجته، وأبنائه، ووالديه، وخدمه الذين يتولى أمورهم ويقوم بالانفاق عليهم. قال سيدنا ابن أبي زيد القيرواني: "وَيُخْرِجُ الرَّجُلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ".
و لا يطالب بإخراجها إلا إذا كان مالكا لمقدار صاع من طعام، بحيث يكون فاضلا عن قوته وقوت عياله يوما وليلة، لقول سيدي خليل: "فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ".
ويجب عليه أن يقترض لأداء زكاة الفطر إذا كان يرجو القضاء؛ لأنه قادر حكما، لقول سيدي خليل: "وَإِنْ بِتَسَلُّفٍ".
وإن كان لا يرجو القضاء فلا يجب الاقتراض لأجلها.
رابعا: الحكمة من مشروعيتها
الرفق بالفقراء والمساكين وإدخال السرور عليهم وإغنائهم عن السؤال في يوم العيد الذي هو يوم فرح وسرور؛ قال صلى الله عليه وسلم :
"أغنوهم عَن الطّلب فِي هَذَا الْيَوْم". [رواه الدارقطني في سننه 2/ 153 ورواه البيهقي وغيرهما].
وهي أيضا تطهير للصائم من اللغو والرفث؛ لما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما – أنه قال:
"فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر طهره للصائم من اللهو والرفث وطعمة للمساكين"[رواه أبو داود 1371].
وقال وكيع بن الجراح: " زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَةِ السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ تَجْبُرُ نَقْصَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نَقْصَ الصَّلَاةِ ". [تحفة المحتاج في شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي3 / 305].
خامسا: وقت وجوبها
تجب زكاة الفطر بغروب شمس اليوم الأخير من رمضان على المشهور، وقيل: بفجر يوم العيد، قال سيدي خليل: "وَهَلْ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ بِفَجْرِهِ؟خِلَافٌ".
ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأن ما قرب الشيء أُعطي حكمه، ولما روي عن ابن عمر :"أنه كان يعطيها قبل الفطر بيوم أو يومين".[صحيح 1511].
وإخراجها قبل العيد هو أفضل؛ ليتمكن الفقراء من شراء مستلزمات العيد، فهذه مصلحة راجحة يتعين التزامها.
ومن أخر زكاة الفطر عن يوم العيد مع القدرة على إخراجها فهو آثم، ويلزمه قضاؤها ولا تسقط، وتكون حينئذ صدقة كسائر الصدقات؛ لقوله صلى الله عيه وسلم:
"فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".[رواه أبو داود 1371].
سادسا: جمعها في صندوق الزكاة
قد رأي ولاة الأمور في هذا البلد أن تجمع الفطرة في صناديق الزكاة ابتداء من 15 رمضان، على أن يتم توزيعها على مستحقيها يوم 28 رمضان، وفائدة هذه العملية أنها تضمن التوزيع العادل على سائر الفقراء، بخلاف ا ذا ما ترك أمرها للأفراد، فقد يحرم منها الكثير ممن لا يُعلم حالهم.
ووضع الفطرة في الصندوق ابتداء من 15 رمضان، لا يعتبر إخراجا لها، وإنما هو حفظ وتعيين لها، فكأنه يضعها في صندوقه هو أو خزانته، على أن تخرج بالنيابة عنه في يوم 28 رمضان، ومن ثم في لا إشكال في جواز ذلك، وعلاوة على هذا فقد أفتى بعض أهل العلم بجواز إخراجها ابتداء من 15 رمضان، ومنهم أجاز ذلك في أول يوم من رمضان، وإذن: فالأمر واسع إن شاء الله، وحيث ما وجدت المصلحة -المعتبرة الراجحة- فثم شرع الله.
سابعا: مقدارها
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر على المسلمين صاعا من تمر أو صاعا من شعير، روى مالك في الموطأ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
"كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ. وَذلِكَ بِصَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم". [الموطأ 990/ 296].
وقد فسر بعض أهل العلم الطعام في هذا الحديث بأنه القمح، وفسره آخرون بأن المقصود بالطعام ما يقتاته أهل البلاد أيا كان، سواء كان برا أو ذرة أو أرزا أو غير ذلك، وهو ما سار عليه سيدي خليل فقال: "مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ".
وهو الصحيح؛ لأن الزكاة مواساة من الأغنياء للفقراء، ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده،
والقوت الغالب في بلادنا (الجزائر) هو دقيق القمح (السميد)، فيخرج المسلم صاعا من السميد، وهو أربعة أمداد، والمد يساوي ملء اليدين المعتدلتين، ويقدر بالوزن العصري بنصف كل تقريبا. وقيمته المالية هذا العام30دج × 4 = 120دج
ثامنا: حكم إخراج القيمة المالية
اختلف الفقهاء قديما في هذه المسألة:
- فذهب الشافعي وابن حنبل إلى عدم إجزاء القيمة مطلقا، وهو المشهور من مذهب مالك.[يُنظر:الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 525. والمجموع للنووي 5/ 385. والمعونة للقاضي عبد الوهاب1/ 410].
- وقال الباجي وابن رشد والعدوي - من المالكية - بالإجزاء مع الكراهة. [يُنظر: منح الجليل لعليش 2/97. والبيان والتحصيل لابن رشد 2/ 512].
- وقال ابو حنيفة، واشهب وابن القاسم من المالكية، وسفيان الثوري والبخاري بإجزاء القيمة من غير كراهة. [يُنظر: فتح الباري 3/ 311].
- وقال ابن تيمية، وابن حبيب واللخمي من المالكية بجواز إخراج االقيمة للمصلحة. [يُنظر:مجموع الفتاوى لابن تيمية 25 / 82. ومواهب الجليل للحطاب 2/ 356.].
والقول بإجزاء القيمة هو الملائم لمقاصد الشارع من زكاة الفطر؛ لأن المعتبر في زكاة الفطر هو إدخال السرور على الفقير بتلبية احتياجاته وإغنائه عن سؤال الناس في يوم العيد؛ امتثالاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم :
"أغنوهم عَن الطّلب فِي هَذَا الْيَوْم". [رواه الدارقطني في سننه 2/ 153 ورواه البيهقي وغيرهما].
وفي رواية: "أغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ".
وفي رواية: "أغنوهم عَن السُّؤَال".
وفي رواية: "أغنوهم عن الطَّواف".
وهذا المقصود يحصل بالقيمة قطعا، وقد يحصل بالطعام وقد لا يحصل، فقد يكون الفقير في غنى عن الطعام، وقد يتعذر عليه بيع الطعام لو أراد بيعه، بينما تمكنه القيمة من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس وسائر الحاجات؛ ولذلك كانت القيمة هي الأقرب إلى دفع الحاجة وحصول الاغناء المطلوب والمقصود شرعا.
ورجحان هذا القول لا غبار عليه ولا مدفع له، لكون الناس في زمن توفر فيه الطعام وعز فيه الدينار.
ولو كان القائلون بعدم جواز إخراج القيمة في عصرنا هذا لأفتوا بالجواز؛ لأن أقوال الفقهاء مبنية على ما كان في زمانهم، والفتوى تتغير بالزمان والمكان، ولا يسع الفقهاء مخالفة ما يرعى مقاصد الشرع الحنيف..
ولذلك لما قيل لأبن أبي زيد القرواني أتتخذ كلبا وقد كره مالك ذلك ؟ فقال : "لو أدرك مالك زماننا لاتخذ أسداً ضارياً "[شرح زورق على الرسالة 2 / 414] .
وكذلك لو كان مالك في زمانا هذا ورأى أن إخراج الفطرة طعاما قد يفوت مقصود الشرع من مشروعيتها لقال: [الأولى إخراجها نقدا].
تاسعا: مناقشة المعترضين على ترجيح إخراج القيمة
لا تزال طائفة متعصبة للقول القديم القائل بعدم إخراج القيمة، وقد رد عليهم أهل العلم ردودا وافية، وقد حاورت بعضهم ممن تربطني بهم علاقة الدراسة الجامعية، ووجدت أن أقوى الحجج التي يتمسكون بها ما يلي:
1- أن الشارع بين النوعَ الذي يحصل به الإغناء للفقير مع قدرته على إخراج القيمة، والداعي لإخراج القيمة موجود في عصره والمانع من إخراجها منتفٍ، ومع ذلك أخرَجَها طعامًا ولم يثبت أنه أخرجها ولو مرة دراهم، مع علمه التام بما يصلح الفقراء والمساكين.
والجواب :
كون الشارع نص على جنس معين، فإنه لم ينف ما عداه، فلم يقل لا تخرجوا الفطرة إلا من عين هذه الأجناس، وإنما نص على تلك الأجناس؛ لأن المقايضات والبياعات كانت تتم بها، فكان الفقير في المدينة يمكنه أن يشتري ما يحتاج إليه بالقمح والشعير، وهذا غير متصور في عصرنا، بل قد يجعل مبتغيه سخرية بين الورى، ولا فقه في الدين لمن لم يكن فاقها لواقع زمانه.
ثم أن الشارع نفسه قد أذن في دفع القيمة، ومن ذلك:
- ما جاء في صحيح البخاري عن أنس أن أبا بكر كتب له فريضة الزكاة التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم:
"وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ".[صحيح البخاري1448].
وإذا ثبت جواز أخذ القيمة في زكاة الأعيان فجوازها في زكاة الرقاب من باب أولى.
لكن قد يقال : إنما جاز إخراج القيمة لفقدان النوع الواجب إخراجه، وهو بنت مخاض، والجواب: أن الطعام الذي لا يلبي احتياجات الفقير، ولا يحصل له به إغناء عن السؤال، يكون في حكم المفقود.
- ما رواه البخاري أيضا أن معاذا قال لأهل اليمن:
"ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ".[صحيح البخاري/ بَابُ العرضِ فِي الزَّكَاةِ].
فمعاذ هنا قد علل أخذ البدل بمصلحة المزكين وفقراء الصحابة معا، ولم يقل له أحد من اعيان زمانه أن الشارع لم يأمر بمثل هذا - كما قال هؤلاء في زكاة الفطر - بل الظاهر أن معاذا علم ذلك من الشارع نفسه.
- ما رواه ابن أبي شيبة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بالبصرة:
"يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ مِنْ أَعْطِيَّاتِهِمْ، عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ". [مصتف ابن أبي شيبة 10368].
يعني في زكاة الفطر.
- ما رواه ابن أبي شيبة أيضا عن زُهَيْرٍ بن معاوية قَالَ:
"سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ: أَدْرَكْتُهُمْ وَهُمْ يُعْطُونَ فِي صَدَقَةِ رَمَضَانَ، الدَّرَاهِمَ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ". [مصنف ابن أبي شيبة 10371].
والآثار في ذلك كثيرة، ويتحصل من مجموعها: أن إخراج القيمة ثابت عن النبي والصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين.
2- قالوا : قد لا يصح ترجيح إخراج القيمة؛ إذا قيل أن المقصد الشرعي هو الإغناءُ في الاقتيات خاصة، لا في سائر أنواع الاحتياجات الأخرى.
والجواب :
أن هذا لا يصح لسببين:
- أحدهما: أنه كالتخصيص بغير مخصص، وهو غير جائز، بل هو بدعة في الدين.
- والثاني: أن العلة هنا منصوص عليها، بقول الشارع: [أغنوهم عن الطلب] أو [عن المسألة] أو [عن السؤال].
والمقرر عند الأصوليين أن الشارع إذا نص على حكم، ونص على علته ـ أي نص على السبب المقصود من مشروعية ذلك الحكم ـ فكل عمل يحصل به ذلك المقصود فهو مراد لله بنص الشرع ، كما قال مجد الدين عبد السلام بن تيمية: "الحكم المتعدى إلى الفرع بعلة منصوص عليها في الأصل مراد بالنص". [المسودة في أصول الفقه ص 385].
وإذن: فلو أخرجنا الفطرة طعاما فقد حصل مقصود الشارع، وهو الإغناء، ولو أخرجناها قيمة فقد حصل مقصوده أيضا، وبالتالي تكون القيمة هي الأخرى مرادة للشارع بنص الشرع، لأنه نص على العلة من مشرعية زكاة الفطر.
لكن قد يقال: كيف يثبت التنصيص على العلة بحديث الإغناء وهو ضعيف؟
والجواب :
أن له مؤيدات شتى؛ ككون زكاة الفطر "طعمة للمساكين" كما ورد في الحديث الصحيح. وككونه مندرجا ضمن أصول الشرع ومقاصده، الهادفة إلى رعاية المصلحة الراجحة، وإذن فمعناه ثابت ثبوتا صحيحا، وقد تلقته العلماء بالقبول، فلا تخلو مصنفاتهم من الاستشهاد به، وكم من حديث ضعيف اعتبُر قاعدة شرعية ؛ لذات السبب.
والخلاصة: أن المسألة قد جرى فيها خلف قديم، والأمر فيها واسع، والمجادل فيها كمن يريد الغاء مذهب فقهي قائم بأصوله وقواعده، وليس أهل العلم من يجادلون فيها، وإنما يجادل فيها أرباب الفهم القاصر، ولو اتسعت مداركهم؛ لقالوا كما قال مالك بن أنس حينما هم الخليفة بجمع الناس على موطئه:
"يا أمير المؤمنين أن أصحاب رسول الله قد تفرقوا في الأمصار، ومع كل منهم علم، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم". ونحن قد اخترنا هذا لأنفسنا.
والله أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق