......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأحد، 24 أكتوبر 2021

بحث في الفقه المقارن بعنوان: حكم إمامة المرأة (دراسة فقهية مقارنة)

لفضلية أستاذنا الدكتور محمد بوركاب

جمع وترتيب: المذنب العيد بن زطة

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين، وبعد:

أصل هذا البحث محاضرة ألقاها علينا فضيلة أستاذنا الدكتور محمد بوركاب بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة خلال السنة الدراسية 2006 / 2007م أقدمه للقارئ الكريم ؛ خدمة للعلم ونشرا لآثار شيخنا حفظه الله تعالى.

قال شيخنا محمد بوركاب حفظه الله:

تحرير محل النزاع

اتفق الفقهاء على عدم صحة إمامة المرأة للرجال في الصلوات المفروضة، واختلفوا في إمامتها للرجال في النافلة كالتراويح إذا لم يوجد قارئ غيرها، كما اختلفوا في إمامتها للنساء في الفرض والنافلة.

المطلب الأول : بيان مذاهب الفقهاء

اختلف الفقهاء في إمامة المرأة للرجال في التطوع وللنساء مطلقا  إلى خمسة مذاهب، وبيانها كالآتي:

المذهب الأول:  تجوز إمامتها للرجال والنساء في التراويح إذا لم يوجد قارئ غيرها، ويكون وقوفها خلف الرجال.

وهو مذهب داود الظاهري وأبي ثور والطبري، وإليه ذهب ابن حنبل في راوية عنه شهرها ابن تيمية.

قال المازري المالكي: " وحكى بعض أصحابنا عن الطبري وداود وأبي ثور جواز إمامتها رجالًا ونساء، ورأيت في نقل غيرهم عن أبي ثور والمزني والطبري أنهم أجازوا أن تؤم الرجال في التراويح إذا لم يكن قارئ غيرها وتقف خلف الرجال"[1].

وقال ابن تيمية الحنبلي: " وَلِهَذَا جَوَّزَ أَحْمَد عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ الرِّجَالَ لِحَاجَةِ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ قَارِئَةً وَهُمْ غَيْرُ قَارِئِينَ فَتُصَلِّي بِهِمْ التَّرَاوِيحَ كَمَا أَذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ وَرَقَةَ أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا وَتَتَأَخَّرُ خَلْفَهُمْ"[2].

المذهب الثاني: تجوز إمامتها للنساء دون الرجال في الفرض والنفل.

 وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وهو مروي عن عائشة وأم سلمة وعن عطاء والأوزاعي وأبي إسحاق[3]. ورواه ابن أيمن[4] وأشهب [5] عن الإمام مالك.

قال الشافعي: "وَتَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا، وَآمُرُهَا أَنْ تَقُومَ فِي وَسَطِ الصَّفِّ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا نِسَاءٌ كَثِيرٌ أَمَرْت أَنْ يَقُومَ الصَّفُّ الثَّانِي خَلْفَ صَفِّهَا ... وَتَخْفِضَ صَوْتَهَا بِالتَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ الَّذِي يُجْهَرُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ قَامَتْ الْمَرْأَةُ أَمَامَ النِّسَاءِ فَصَلَاتُهَا وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهَا مُجْزِئَةٌ عَنْهُنَّ"[6].

واحتمل ابن قدامة الحنبلي الصحة وعدمها إن قامت المرأة أمام النساء، قال: "فَإِنْ صَلَّتْ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ احْتَمَلَ أَنْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مَوْقِفٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَلِهَذَا كَانَ مَوْقِفًا لِلرَّجُلِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ مَوْقِفَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَالَفَ الرَّجُلُ مَوْقِفَهُ"[7].

المذهب الثالث: كراهة إمامتها للنساء في الفرض والنفل معا.

وهو مذهب فريق من الحنفية، قال الطحاوي الشافعي ثم الحنفي :" فِي الْمَرْأَة تؤم النِّسَاء: كرهه أَصْحَابُنَا وَمَالك"[8].

المذهب الرابع: جواز إمامتها للنساء في التطوع دون الفرض.

وهو مذهب الشعبي والنخعي وقتادة[9].

المذهب الخامس: عدم جواز إمامتها مطلقا للنساء والرجال  في التطوع والفرض.

وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، جاء في الذخيرة للقرافي المالكي: " قَالَ فِي الْكِتَابِ: لَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ: الْمَشْهُورُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ للرِّجَال وَالنِّسَاء"[10].

المطلب الثاني : بيان أدلة كل مذهب

أولا : أدلة من قال بجواز إمامتها للرجال والنساء في التراويح إذا لم يوجد قارئ غيرها.  

قال شيخنا محمد بوركاب : "لم اعثر لهم على دليل فيما ذهبوا إليه، والذي يفهم من كلام المازري أنهم استندوا إلى عموم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ) [11]. فشمل ذلك الرجل والمرأة؛ لأن الضمير المتصل [هم] – يعني في أقرؤهم – يعود على القوم وهي عامة في الرجال والنساء".

قال شيخنا بوركاب: ويمكن أن يستدل لهم أيضا بحديث أم ورقة بنت نوفل أنها: "استأذَنَتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تتَّخِذَ في دارها مُؤَذناً، فأذِنَ لها"[12]. قال الصنعاني : "وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ أَهْلَ دَارِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ فَإِنَّهُ كَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ وَكَانَ شَيْخًا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ تَؤُمُّهُ وَغُلَامَهَا وَجَارِيَتَهَا ، وَذَهَبَ إلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَالطَّبَرِيُّ"[13].

قال شيخنا بوركاب :وإنما أجازوا إمامتها في التارويح دون غيرها للحاجة، وأما الفريضة فيكفي فيها ما تيسر من القرآن، وهو متوفر عند كل مسلم ذكر أو أنثى.

ثانيا أدلة من قال بجواز إمامتها للنساء دون الرجال في الفرض والنفل.

1- حديث أم ورقة السابق، وحملوا أهل دارها على النساء دون الرجال، بدليل رواية الداقطني: "نساء دار أهلها"[14].

2- ما رواه الشافعي بسنده إلى حجيرة "أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَمَّتْهُنَّ فَقَامَتْ وَسَطًا"[15].

3- ما رواه الشافعي أيضا عن عطاء عن عائشة أنها :" أَنَّهَا صَلَّتْ بِنِسْوَةٍ الْعَصْرَ فَقَامَتْ فِي وَسَطِهِنَّ"[16].

4- قال الشافعي: "وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَأْمُرُ جَارِيَةً لَهُ تَقُومُ بِأَهْلِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ"[17].

5- قال الشافعي: " أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ صَفْوَانَ قَالَ: إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ بِالنِّسَاءِ تَقُومُ فِي وَسَطِهِنَّ"[18].

ثالثا: أدلة من قال بمنع إمامتها مطلقا، للنساء والرجال  في التطوع والفرض.

1- ما رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"[19].

ومحل الشاهد : قوله : (وَشَرُّهَا آخِرُهَا) والذي يكون في الأخير لا يكون  مأموما لا إماما .

2- حديث مسلم المتقدم : (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ) والضمير المتصل في قوله: (أَقْرَؤُهُمْ) يعود على القوم، وهي كلمة تطلق على الرجال، قال المازري :" واحتج أصحابنا في قصرها على الرجال بقوله تعالى: (لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) [20] .

فقابل القوم بالقوم والنساء بالنساء، فلو كان النساء يسمين بالقوم لما صحت هذه المقابلة.

وما أدري ولست أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء

فأظهر التشكك بين كونهم قومًا أو نساء، وهذا لا يصح إلا مع قصر لفظ القوم على الرجال، ولو سلم انطلاق القوم على الرجال والنساء لأمكن أن ينازع في دخولهن في الحديث لقوله أقرؤهم؛ لأن هذا الضمير ضمير المذكرين"[21].

3- القياس على الإمامة الكبرى، أي رئاسة الدولة ، قال القاضي عبد الوهاب المالكي: " لأن كل من لم يصح أن يكون حاكمًا لنقصه لم يكن إمامًا"[22].

المطلب الثالث : مناقشة الأدلة

أولا : مناقشة من أجاز إمامتها للرجال في التراويح

1- يُردُّ على حديث :" يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ ". أن الضمير للمذكرين، ومما يدل على أنه إليهم وإن احتمل غيرهم ، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا".

فإن قيل: لكنا قلنا : تؤمهم وتقف خلفهم.

فالجواب: أن المقصد من النهي يبقى قائما ، وهو الافتتان، فكما يفتتن الرجال بحركاتها إذا تقدمتهم، فإنهم يفتتنون أيضا بصوتها إذا وقفت خلفهم.

ومما يدل على ذلك أيضا:

-      ما رواه ابن ماجه مرفوعا :" أَلَا لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا "[23]. وهو ضعيف.

-      ولأنها لا تؤذن للرجال فلم يجز أن تؤمهم.

2- يُردُّ على ما فهموه من حديث أم ورقة :"تؤم أهل دارها". أنه ينصرف إلى النساء دون الرجال، بدليل رواية الدار قطني :" نساء دار أهلها".

ثانيا : مناقشة من أجاز إمامتها للنساء

1- يُردُّ على حديث أم ورقة أنه شاذ لا يعول عليه كما نص على ذلك أهل العلم[24].

وأجيب: بأنه ليس شاذا لأنه لا توجد مخالفته لما رواه الثقات، والأحاديث التي ظاهرها يخالف هذا الحديث، كحديث:"خير صفوف الرجال ..". تحمل على إمامة المرأة للرجال والنساء، وهذا خارج عن محل النزاع، وعلى فرض التسليم بالشذوذ فإنه يرتفع بفعل أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما.

3- يُردُّ على حديث عائشة أنها كانت تؤم النساء على وجه التعليم أو كان ثم نُسخ[25]. بمعنى أنها كانت تصلي بهن ولما بلغها النص عدلت عن فعلها، وكذلك يقال في حديث أم سلمة.

وأجيب: بأنها أمتهن في الفريضة ولو انحصر فعلها في التعليم لبطلت صلاتهن. أما ادعاء النسخ فيحتاج إلى دليل، وحيث لا دليل فيبقى فعلها على ظاهره.

3- يُردُّ على حديث علي بن الحسين أنه قول تابعي، وقول التابعي ليس حجة شرعية.

ثالثا : مناقشة من منع إمامتها مطلقا

1- يرد على حديث :"خير صفوف الرجال... ". أنه يحمل على اجتماع الرجال والنساء في صلاة الجماعة، ومسألتنا في إمامة المرأة للنساء، حيث يجتمع النساء فقط في صلاة الجماعة.

2- يُردُّ على حديث :"يؤم القوم أقرؤهم". تشمل الرجال والنساء، ودليل أنها استعملت في الكتاب والسنة في الرجال والنساء.

فأما الكتاب: فقد أضاف القوم إلى الأنبياء (قوم لوط) (قوم صالح) (قوم هود) ... والمراد بالإجماع الرجال والنساء.

وأما السنة: كقوله صلى الله عليه وسلم :"لولا أن قوم حديثو عهد بجاهلية". والمراد بالإجماع الرجال والنساء.

كما يرد على حملهم ضمير:(أقرؤهم) على الذكور أنه خرج مخرج التغليب، ومثله كثير في نصوص الكتب والسنة.

3-يرد على قياسهم الصلاة على الإمامة الكبرى بأنه قياس مع الفارق، لأن الاقتداء والاتباع في الإمامة الكبرى يكون أمور الدين والدنيا، والإمامة في الصلاة الاقتداء فيها محصور في أمور تعبدية مخصوصة يقدر على أدائها كل من الرجل والمرأة.

ويرد على قول القاضي عبد الوهاب : "أن كل من لم يصح أن يكون حاكمًا لنقصه لم يكن إمامًا". أنه غير مسلم به لأن ثمة أشخاصا كثيرين لا تعقد إمامتهم الكبرى لنقص كالعبد وغير القرشي ومع ذلك تصح إمامتهم الصغرى في الصلاة.

المطلب الرابع : القول الراجح في المسألة

قال شيخنا بوركاب: من خلال مناقشة أدلة كل فريق تبين لي قوة أدلة الشافعية والحنابلة الذين أجازوا إمامة المرأة للنساء؛ استنادا لحديث أم ورقة المرفوع، وفعل أمهات المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما، وإمكانية الجمع بينها وبين النصوص التي استدل بها المالكية والحنفية على عدم صحة إمامتها.

وبناء على ذلك فإني أرجح صحة إمامة المرأة بالنساء في الفريضة وغيرها.

وأما إمامتها للرجال فأدلته لم تسلم من الاعتراضات القوية، ولذا منعه جماهير العلماء، وهو ما تميل إليه النفس لسد باب الفتنة. والله أعلم.


[1] شرح التلقين، للمازري المالكي  1 / 670

[2] مجموع الفتاوى لابن تيمية الحنبلي   23 / 248

[3] الأم للشافعي 1 / 191.  والمغني لابن قدامة الحنبلي 2 / 35.     

[4] شرح التلقين، للمازري المالكي  1 / 670

[5]  الذخيرة للقرافي 2 / 242

[6]  الأم للشافعي 2 / 242

[7]  المغني  2 / 149

[8]  مختصر اختلاف العلماء1 / 305

[9]  المغني لابن قدامة 2 / 149

[10]  الذخيرة للقرافي 2 / 141

[11]  رواه مسلم في صحيحه رقم 290 - (673)

[12]  رواه أبوداود في سننه كتاب الصلاة، باب إمامة النساء ح رقم 591

[13]  سبل السلام للصنعاني 1 / 382

[14]  انظر: شرح التلقين، للمازري المالكي  1 / 671

[15]  الأم للشافعي 1 / 191

[16]  الأم للشافعي 1 / 191

[17]  الأم للشافعي 1 / 191

[18]  الأم للشافعي 1 / 191

[19] رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب : تسوية الصفوف .. ح رقم 132 - (440)

[20] سورة الحجرات، الآية: 11.

 [21]شرح التلقين، للمازري المالكي  1 / 670- 671  

 [22]المعونة على مذهب عالم المدينة 1 / 251  

 [23]رواه ابن ماجه في سننه في كتاب الصلاة ، باب : في الإمامة.

 [24]انظر : سبل السلام للصنعاني 2 / 61

 [25]انظر : شرح التلقين، للمازري المالكي  1 / 670- 671  

    

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق