......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 7 مايو 2020

نداء الجمعة[7] داء قسوة القلوب وعلاجه


 الحمد لله حق حمده، والحمد لله الذي بحمده يبلغ ذو القصد تمام قصده، ثم الصلاة والسلام على سيدنا محمد عبدِه ورسولِه، وصفيه من خلقِه، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه أجمعين. وبعد :
فهذا هو النداء السابع من بعد تعذر اجتماعنا في محاريب العبودية، بسبب هذا الوباء الذي نسأله تعالى أن يعجل برفعه عن أمتنا الإسلامية.
أيها الكرام:
إن شهر رمضان قد جعل الله صيامه وقيامه سببًا لمغفرة الذّنوب، ورفعِ الشّدائد و دفع الكروب، حيث قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:"من صَام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدّم من ذنبه" و قال : "من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدّم من ذنبه".
وفضائلُ هذا الشهر أكثر من أن تحصى في هذا المقام، فهو موسم للتجارة الرابحة مع الله تعالى؛ ففيه يضاعَف ثواب الطاعات، وتكفّر السيّئات، وتُرفَع الدرجات، ولله فيه نفحات، من تعرّض لها فقد أفلح ونجا ، ومن أعرض عنها فقد خاب وخسر، وقد عد المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأشقياء المُبْعَدِين: "من أدرك رمضان ولم يُغفر له فيه".
ولكي لا نحرم من فضائل هذا الشهر الكريم، ينبغي أن نجتهد في إصلاح قلوبنا، فإن القَلْب هو ملك الأَعْضَاءِ ، فإذا استقام القلب استقامت الجوارح وصلحت الأعمال ، وإذا زاغ القلب انحرفت الجوارح وفسدت الأعمال، يقول أهل العلم والعرفان: "إن للقُلُوبِ حَيَاةٌ كَحَيَاةِ الَأجسَادِ بَلْ هي أعْظَمُ ، ولَهَا أَمْرَاضٌ كَأَمْرَاضِ الَأجسَادِ بَلْ أخطر، وَعَلَى قَدْرِ حَيَاةِ القَلْبِ تَكُونُ حَيَاةُ الجَسَدِ وَالرُّوحِ وصحتهما، وَبِقَدْرِ فَسَادِ القَلْوب يكون َفَسَادُ الرُّوحِ وَالأَعْمَالِ معا"هـ
ألا وإن من أَعظم أَمْرَاضِ القُلُوبِ وَأَشدها خطرا : "مرَضُ القَسْوَةِ" ، فصاحب القلب القاسي محروم من القبول، موعود بالويل ، وهو : الهلاك ، قال تعالى : " أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ"
قال مالك بن دينار: "مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بعُقُوبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ قَسْوَةِ قَلْبٍ، ومَا غَضِبَ اللهُ عَلَى قَوْمٍ إِلاَّ نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِهِم".
ومشكلتنا اليوم – أيها الإخوة - أننا نعاني من هذا المرض الخطير ، وواقعنا خير شاهد على ذلك:
1- أو لسنا نقرأ القرآن ويُقرأ علينا القرآن، فلا نخشع و لا نتأثر ! فما هو حظنا من قوله تعالى : " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ".
قال قتادة رضي الله عنه: "هَذَا نَعْتُ أَوْلِيَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، بأَنَّهُم تَقْشَعِرُّ جُلُودُهُم ، وَتَبْكِي أَعْيُنُهُم ، وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم إِلَى ذِكْرِ اللهِ"هـ
ولقد كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يبكي عند تلاوته للقرآن ، وقرأ عليه ابن مسعود مرة ففاضت عيناه، وكذلك كان أصحابه، فأي الفريقين أحق بالبكاء هم أم نحن؟
2- أولسنا ندفن موتانا كل يوم ، ومع ذلك لا نتعظ و لا نتأثر ، بل نخوض في القيل والقال، ونمرح حول القبور وكأننا لسنا معنيين بهذا المصير ! وقد ثبت عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم انه بكى عند قبر سعد بن معاذ حتى ابتلت لحيته.
3- أو لسنا نرى البلاء من حولنا يكاد يبيد الرجال والنساء، والشيوخ والصبيان، وفريق من قومنا في الشر يسارعون، للطعام يحتكرون، وللأكاذيب والأشاعات يروجون، وللأبرياء العيوبَ يلتمسون، وللبغضاء والأحقاد ينشرون، فحق عليهم قول البارئ جلاله: "أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولاهم يذكرون".
وقد كان الحبيب المصطفى عليه والسلام حينما يرى غيما في السماء أو تهب الريح يتغير لونه، ويقوم فيتردد في الحجرة ويدخل ويخرج ؛ خشية أن يكون ذلك نفحة من عذاب الله جل وعلا.
أيها الكرام:
إذا لم تلن قلوبنا عند سماع القرآن ، وعند دفن موتانا ، وعند نزول البلاء ، فمتى ستلين هذه القلوب التي صارت كالحجارة أو أشد قسوة؟ أقول لكم بصراحة - والكلام موجه لنفسي قبل أن يوجه إليكم - : أنه لن ينفعنا أي عمل في رمضان، أو في غير رمضان، ما دامت قلوبنا على هذا الحال؛ ولأجل ذلك خصصت نداء اليوم، لمعالجة هذا الداء الخطير، الذي لن يصف لنا علاجه أطباء العالم ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وإنما يصفه لنا الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو وحده هو طبيب القلوب ودوائها، فلنصغ إلى وصفاته الطبية لهذا الداء العضال:
1- الرحمة والإحسان
قال صلى الله عليه وسلم: "إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِم الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ". فانظروا كم عندكم من الأرامل والأيتام والمساكين ، فهل تفقدتم أحوالهم ومسحتم على رؤوسهم، وهل حدثتم أنفسكم بأن تجعلوا من برنامجكم في هذا الشهر الفضيل أن تخصصوا جزءا من أموالكم لمساعدة هؤلاء ؟ إن رمضان هو شهر الرحمة ، وكيف يرحمكم الرحمن وأنتم لم ترحموا عباده ؟! وأنتم تعلمون أن الجزاء من جنس العمل.
2- الإكثار من تلاوة القرآن مع التدبر
قال الله تعالى : "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ". فِكتاب اللهِ هو خَيرُ مَا تَرِقُّ بِهِ الأَفْئِدَةُ وتَخْشَعُ لَهُ القُلُوبُ، ولا فائدة في قراءة لا تتجاوز الحناجر، ولا خير في تلاوة تنصرف فيها القلوب للتزين للمستمعين، قال أهل العلم في قوله تعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته" حق التلاوة أمران: قراءته بالأحكام، وقراءته مع التدبر والتأمل في معانيه، بأن يتلوه التالي مشتشعرا كأن الله تعالى يكلمه، يأمره أو ينهاه، أو يقص عليه من أنباء ما قد سبق، ومن أنباء الرحلة إلى الدار الآخرة، فإذا مر بآية فيها رحمة رجاها، وإذا مر بآية فيها عذاب هابها واستعاذ بالله منها....
3- الإكثار من ذكر الله ومن ذكر هادم اللذات
قال الله تعالى :"الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". وقال طبيب القلوب الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام"إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد قيل وما جلاؤها يا رسول الله ؟ قال : تلاوة القرآن وذكر الموت "
4- عدم الإكثار من الكلام
قال صلى الله عليه وسلم:" لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيرِ ذِكْرِ اللهِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيرِ ذِكْرِ اللهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي"
5-  قيام الليل
قال الحسن البصري رضي الله عنه : " التمسوا حلاوة الإيمان عند ثلاث : تلاوة القرآن وذكر الموت وقيام الليل ، فإن لم تجدوها فاعلموا أن الباب مغلق" وهذا شبيه بقول ابن عطاء : "ربما فتح لك باب العمل وسد عليك باب القبول"
6- الإكثار من الدعاء
فإن القلوب بيد الرحمن يقلبها كيف ما يشاء ؛ وَلِهذَا كَانَ مِنْ دُعَائه صلى الله عليه وسلم: " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ".
فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وأعذنا من غوائل أنفسنا، وادفع عنا البلاء والوباء، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه الميامين، والحمد لله رب العالمين.



هناك 6 تعليقات:

  1. بارك الله فيك ونفع بك

    ردحذف
  2. بارك الله فيك ونفع بك

    ردحذف
  3. نفع الله بكم وباركالله فيكم

    ردحذف
  4. جزاك الله خيراً

    ردحذف
  5. بارك الله فيك شيخنا وجزاك الله كل خير

    ردحذف
  6. جزاك الله خيرا ونفع بك المسلمين والمسلمات

    ردحذف