كان النبي صلى
الله عليه وسلم يرى الرؤيا فيحدث بها أصجابه ، وكان يسأل أصحابه عن رؤاهم،
وقال:"لَنْ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الْمُبَشِّرَاتُ".
فَقَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الرُّؤْيَا
الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ"[1]
وأرشد إلى التحدث بالرؤيا الصالحة، فقال : "فَمَنْ رَأَى
خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهِ، وَلْيَذْكُرْهُ"[2]
وقال - فيما
يتعلق برؤيته - هو :" مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَإِيَّايَ رَأَى،
فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَخَيَّلُ بِي "[3]
وقد نقل الإمام
النفراوي في شرحه للرسالة: "الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا حَقٌّ
وَبُشْرَى مِنْ اللَّهِ وَهِيَ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ". وقال رحمه الله
: "وَأَصْدَقُهَا مَا يَرَاهُ الْإِنْسَانُ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى جَنْبِهِ
الْأَيْمَنِ، وَأَقْوَى مَا تَكُونُ فِي الرَّبِيعِ وَالصَّيْفِ"هـ[4]
ولم يزل العلماء
والصلحاء يرون الرؤى الصالحة ويبشرون بها، وإلا ما بلغتنا عنهم، وما استعظم رؤاهم
أواتهمهم بالادعاء أحدٌ. من ذلك :
1- ما نقله
الحطاب في مواهبه عن أبي بكر بن سعدون قال :"سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ - عَنْ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا
مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فَقَالَ: رَأْيُ مَالِكٍ هُوَ الصَّوَابُ"هـ[5]
2- ونقل العلامة
العدوي في حاشيته على الخرشي عن تميم الْبَادِشِي – وكان من الفقهاء- قال:"
رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ
فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ اُكْتُبْ لِي بَرَاءَةً مِنْ النَّارِ فَقَالَ امْضِ
إلَى الْفَقِيهِ سَنَدٍ يَكْتُبُ لَك بَرَاءَةً ....." [6].
3- ونقل ابن
البراذعي – التهذيب – عن محمد بن أسلم الطوسي قال :"رأيت النبي في المنام،
فقلت: عمن أكتب؟ قال: يحيى بن يحيى" [7].
ولو استرسلنا في
ما نُقِل عن العلماء من رؤاهم للنبي صلى الله عليه وسلم لطال بنا المقام، وقد
رأينا من خلال هذا العرض الموجز أن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق لا ينكره إلا
جاهل أو أعمى بصيرة، كما أن التحدث بها أمر مستحسن كما تقدم في الحديث والنقول عن
العلماء.
والمقرر عند
العلماء أن الرؤيا يستأنس بها ولا يثبت بها حكم شرعي، ولنا مع أشياخنا النجباء في
شأن الرؤيا أحوال عجيبة.
وفي هذه الأيام
كان أحد أشياخنا الفضلاء قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، رؤيا تضمنت بشرى فرج
لأمتنا من محنتها العصيبة ، ونشرها على هذا الفضاء بدافع صفو طويته وحسن نيته ؛
مبشرا وللنفوس مطمئنا ، ولم يرتب أو يبن عليها أيا من الأحكام، غير أن تعليقات مرة
تبعت هذا الأثر الطيب لتطمسه، وقد أتى أصحابها إفكا عظيما ؛ باتهام صاحب الرؤيا
بالادعاء.
وبما أنه لا
مستند لتلك التهم إطلاقا ، فقد أبانت عن وجود نفوس عليلة ، ترى الأمور من زاويتها
هي ، فالكذاب يستبعد وجود اناس صادقين ، وخبيث النفس يستغرب وجود نفوس نقية، على
نحو المثال الشائع : لا يظن السفيه إلا بما فيه.
ولا يستغرب أو
يستعظم رؤيا الحبيب عليه الصلاة والسلام إلا من كانت بصيرته منطمسة والعياذ بالله.
أما الأصفياء الأنقياء فإنهم يلتمسون البركات ممن رأى سيد الكائنات.
ولا جرم أن
اتهام المؤمن في نيته وتكذيبه في أقواله بلا بينة موبقة عظيمة ، داخلة في قوله
تعالى :"وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا
اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا"هـ
وقد غضب النبي
صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، من أسامة لما قتل رجلا في معركة بعد أن نطق
بالشهادتين ؛ مبررا قتله بأنه إنما نطق بهما متعوذا أو خوفا من السلاح ... فقال له
النبي :" أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ
لا؟!"هـ
فهل شق هؤلاء عن
قلب صاحب الرؤيا ليروا إن كان قد رآها أم ادعاها؟ لذلك قرر العلماء قاعدة مهمة في
الشأن وهي : " لنا الظواهر ولله السرائر"هـ
وديدن المؤمن
أنه دائما يحمل الأمور على المحامل الحسنة، وقد أوجب الله تعالى أن يكون ظنُّ
المؤمن بالمؤمن حسنًا أبدًا؛ إذ قال جل جلاله:
"لَوْلا
إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا
وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ" .
فإذا كان الله
قد جعل سوء الظَّن بالمؤمنين إفكًا مبينًا، فإنه قد ألزم أن يُحسن الظّنُّ بهم
أبدا.
وقد يكون اتهام
الناس في نواياهم سببا للحرمان من الخيرات والطاعات ؛ كما قال مكحول : "رأيت
رجلا يبكي في صلاته فاتهمته بالرياء فحُرِمت البكاء سنة كاملة".
فنسأل الله
تعالى أن يبصرنا بحقائق الأمور.
----------------
----------------------
1 الموطأ 3514/
767
2 أخرجه احمد في
مسنده رقم 6215
3 أخرجه احمد في
مسنده رقم 2525
4 الفواكه
الدواني .. 2 / 347
5- مواهب
الجليل" 1 /26.
6- شرح مختصر
خليل للخرشي1 / 49
7- التهذيب في
اختصار المدونة
8- المقدمات
الممهدات لابن رشد 3 / 485
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق