الحمد لله رب العالمين،
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه أجمعين.
" يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ "
أيها الطيبون الكرام:
لا تحسبُنَّ السعيَ إلى ذكر الله السيرَ على أقدامِكم إلى الجمعات،
بل هو العمل الصالح من
أذكارٍ وصلوات، وتلاوة للقرآن ودعاءٍ ومناجاة، وصلاةٍ على النبي عالي المقامات،
عليه أزكى السلام وأفضل الصلوات ..
قال الحسن البصري رضي
الله عنه: "وَاللَّهِ مَا هُوَ بِسَعْيٍ عَلَى الْأَقْدَامِ وَلَكِنَّهُ
سَعْيٌ بِالْقُلُوبِ وَالنِّيَّةِ".
وقال القرطبي جمهور
العلماء على أن السعي هو العمل: ويؤيده قوله تعالى : "وَمَنْ أَرَادَ
الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ" ، وقوله : "وَأَنْ
لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى"
فاسعوا إلى ذكر الله
حيثما كنتم .. وأبشروا بإدراككم لشهرِ شعبان، كثيرِ الخيرات، عظيمِ البركات ..
قال أسامة يا رسول
الله: " لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ فقال : "
ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب
العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
وقالت عائشة : "
وما رأيته -أي النبي- في شهر أكثر صياما منه في شعبان".
وذلك لأنه شهر ترفع فيه
الأعمال وتعرض على رب العباد ، وهو مع ذلك يغفل الناس عنه ؛ لمجيئه بين رجب وهو
شهر حرام، ورمضان وهو شهر الصيام والقيام، فاشتغل الناس بهما عن شعبان حتى صار
مغفولا عنه ..
ومن أهم ما يستفاد من
الحديث المتقدم:
1- استحباب القيام
بالطاعة في وقت الغفلة ؛ لأن العمل فيه يكون أسرو أخفى ..
2- أن القيام بالطاعات
في وقت غفلة الناس عنها يكون اعظم أجرا ؛ لكونها أشق على النفوس، وأفضل الأعمال
أشقها على النفوس .. وفي الحديث :"إن لك من الأجر على قدر نصبك و
نفقتك". والنصب هو التعب و المشقة ..
ولهذه المعاني المتقدمة
وغيرها كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك ،
ويغتنم وقت غفلة الناس وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر!!
و على هذا الدرب درج
الصالحون فكانوا يجدّون في شهر شعبان، ويتهيئون فيه لرمضان. حتى أن منهم من كان
يغلق حانوته ويتفرغ لقراءة القران.
وقال أبو بكر البلخي:
"شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد
الزرع، فمن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فماذا سيحصد في رمضان!؟ّهـ
فيا أيها المؤمنون
المرابطون في بيوتكم: اغتموا فضائل شعبان واجعلوه محطة للاستعداد الروحي لرمضان،
وأكثروا فيه الصدقات، فإنها من أعظم الوسائل لتفريج الكربات، لاسيما عند اشتداد
الأزمات، "وصنائع المعروف تقي مصارع السوء" كما قال المصطفى عليه
الصلاة والسلام.
وأبشروا فإن الله
أكرمكم الله في هذا الشهر بليلة هي موسم لاستجابة الدعاء ومغفرة الذنوب، وهي :
ليلة النصف من شعبان ..
قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع
خلقه إلا لمشرك أو مشاحن".
وهذا الحديث يشير الى
قضية أخرى من الاهمية بمكان وهي : أنه لا فائدة من صيام شعبان إذا ما كانت القلوب
مظلمة بالشركيات والشحناء والبغضاء ووالأحقاد ..
ولهذا فان المطلوب منا
أن نتخذ من هذا الشهر فرصة للتصالح والتسامح، حتى تعرض أعمالنا على الله ونحن
طاهروا القلوب، فنحظى بمغفرة ذنوبنا في ليلة النصف من شعبان، ويستجيب الله فيها
لدعواتنا ، "وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ
وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ
لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ".
جعلني الله وإياكم ممن
يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه
أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق