......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الجمعة، 10 أبريل 2020

نداء الجمعة [1] مصيبة كورونا من خلال القرآن العظيم


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
وبعد أيها المؤمنون: قال الله تعالى : :"مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ". وقال تعالى: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا". وقال تعالى:" مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا". 
وإن كورونا لهي إحدى هذه المصائب ، نزلت بإذن الله ، ولحكمة أرادها سبحانه وتعالى؛ فالله تعالى يتنزه في أفعاله عن العبث، وقد بين الله لنا في أكثر من آية سبب نزول البلاء والمصائب، من ذلك قوله جل جلاله: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُم". وعن سيدنا علي رضي الله عنه قال :" ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة"
وإذن: فمصيبة كورونا سبب نزولها الأصلي هو ذنوب العباد، وما أحدثوه في هذه الأرض من ظلم وفجور، وتمرد على الله تعالى، والله تعالى لن يدع ملكه ليعبث فيه الظالمون والمجرمون والمفسدون كما يشاؤون"وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ".
فهو سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، ثم ينذر ثم هو أعلم بما يفعل ، فعندما ينحرف الناس عن منهج الله ويبارزونه بالعصيان، ينزل الله عليهم المصائب ؛ لعلهم يرجعون إلى ربهم ويتضرعون إليه ، قال تعالى :"وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ". ومصيبة كورونا هي من جملة هذا العذاب الأدنى.
وقال تعالى :" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ"
فالبأساء هي شدة السنين والمؤونة، والضراء هي الأوجاع والأمراض ككورونة، وقد بين الله الحكمة من المؤاخذة بها ، وهي لعل العباد يتضرون إلى ربهم ؛ ليكشف عنهم العذاب، والتضرع هو الدعاء المصحوب بالبكاء والاستكانة والانكسار وصدق التوجه إلى الله تعالى.
وقوله تعالى :"فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ تَضَرَّعُوا " أي هلا تضرعوا ، فهو حث وحض على التضرع ، وتوبخ وتأنيب على تركه.
فنعوذ بالله أن نكون ممن قال فيهم :" وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " فهؤلاء بسبب قسوة قلوبهم لم يتضرعوا لله رغم نزول البلاء والوباء، كما هو شأن أولائك الذين راحوا يحتكرون على الناس طعامهم، أثنا نزول وباء كورونا.
ونعوذ بالله أن نكون ممن قال لله فيهم :" وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ "
فهؤلاء الذين لا يتضرعون لله، ويتمادون في عصيانهم رغم نزول البلاء، مهددون بعذاب أكبر وأخطر، وهو ما تشير إليه الآيتان السابقتان: "حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ" . "حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ"
ولقد كان الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتغير لونُه عندما تشتد الرياح أو يرى غيما في السماء، فيقوم ويدخل ويخرج، وتظهر عليه علامات الخوف ..
بينما نحن نرى الأرض تتزلزل من تحتنا، والوباء يطارد سكان الأرض أجمعين، فلا نخاف ولا نتعظ ولا نجأر إلى ربنا، بل منا من يهرع إلى الاحتكار، ومنا من يلجأ إلى الغش كبيع الأطعمة الفاسدة، ومنا ومنا..
ولا شك أن الذهول عن تقلبات الزمان وعدم الاتعاظ بمصائبه وحوادثه المختلفة .. هو سلكوك بهيمي ، وقد عده القرآن من سمات المنافقين الذين انطمست بصيرتهم وماتت قلوبهم قال تعالى:
"أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون". وفى الحديث الشريف: "إن المنافق إذا مرض ثم أعفى كان كالبعير، عقله أهله ثم أرسلوه، فلم يدر لم عقلوه؟ ولم يدر لم أرسلوه"ه

أيها الكرام : إن كورونا التي عمت الكرة الأرضية ترجع أسبابها الأصلية إلى ما عم المعمورة من ظلوم وجور ، ولا يخفى عليكم ما فعله المجرمون بالمؤمنين المستضعفين ، في بورما وفي الصين والهند ، وما فعلوه بالشعب السوري الذي دمروه وشردوه من دياره .. وما إلى ذلك من مصائب الساعة الراهنة ، فإن تلك الجرائم لن تمر دون عقاب.
والبلاء إذا نزل عم الجميع ، كما قال تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة". بل تصيب من ظلم ومن لم يظلم ، وقالت زينب بنت جحش :"... يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث "هـ والخبث هو ما ترونه اليوم أمام أعينكم من فسوق وعصيان ، وتجاهر الناس به دون خجل ولا وجل ، كخروج النساء كاسيات عاريات  .. وكالمواقع الإباحية التي اجتاحت العالم أكثر من اجتياح كورونا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا"رواه ابن ماجة  
 وهذا قليل من كثير ... ؛ وإذن : فما ظلمنا الله ولكننا كنا نحن الظالمين ، ثم اعلموا أيها الإخوة أن البلاء حينما يعم فهو للكافرين والظالمين والمجرمين محق وعقاب، وللمسلمين الغافلين والمقصرين تنبيه وتذكير، وللمؤمنين الطائعين رفع لدجاتهم في عليين ، وسيجزي الله كل فاعل ما فعل.
ولذلك فعسى أن يكون من وراء هذا البلاء خير للمسلمين، وقد قال الله تعالى : "فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا". وقال تعالى: " وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ "

ضـــلَّ مَـــن يحسب كورونا أتت صدفــــــة أو عـدوانا
بل هـــــي عدل الجبار عسى أن يكـون سيئُها إحسانا
ألم تصفد شياطين الإنس ولم تدعْ في الشوارع عريانا
ألم تغــــط وجــــوها  طـــالمــــا تجلت للفســـــوق عيانا
ألم توقــــــظ  قلـــوبا طـــــــالمـــا عافت السنة والقرآنا
ألم تُخـْـــــــزِ الطغــــــــــاةَ والجبـــــارةَ عُــــرْبا ورومــانا
 ألم تحطـــــم كبرياءهــــــــــــم وجبروتهم جمْعًا ووِحْدَانا 
ألم تسلبْهـــم السعـــادةَ والهنــاء  والأمــــان والاطمـئـنانا

أيها الكرام: لقد كشفت كورونا قصور العلوم البشرية، وبينت للعالم عجزه وضعفه وافتقاره إلى الله تعالى ، يقول جل جلاله:" كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى "تشير هذه الآية إلى أن لإنسان حينما يشعر أنه صار مستغنيا عن غيره في سائر شؤونه، وأنه لم يعد مفتقرا إلى أحد، فإن هذا الشعور سيؤدي به إلى الطغيان.
وطغيانُ العالم اليوم وظلمُه وجبروتُه لا يخرج عن هذه العلة، حتى غزته هذه الدابة الكورونية المجهرية، فكشفت له بأنه كان مخطئا حينما رأى أنه [اسْتَغْنَى]، وأنه مهما بلغ في القوة فسيظل ضعيفا، ومهما تقدم في العلوم فستظل علومه عاجزة وقاصرة، ومهما بلغ في الغنى فسيظل مفتقرا إلى ربه الذي لا حول ولا قوة إلا به ..
ومن لطائف هذه الآية أنها لم تقل : [ ... ليطغى ان استغنى] وإنما قالت : [ أن رآه] ؛ أي هو يرى نفسه أنه استغنى، والحقيقة أنه لن يستغني أبدا، بل سيظل مفتقرا إلى خالقه ومولاه.
وما رأيناه من مظاهر لدى بعض الأمم الكافرة في ظل الهجمة الكورونية يوحي باستشعارهم لهذه الحقيقة.
فتجلت للعالمين حقيقة قول الباري جل جلاله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ"هـ
وفي الختام : اعلموا أيه الكرام : أن وباء كورونا لا محالة ذاهب، وإذا ذهب ولم يحرك ضمائرَنا ولم يغير طبائعَنا، فهذا يعني أننا وصلنا إلى مرحلة خطيرة، من الغفلة ومن قساوة القلوب، أصبحنا فيها نحن الوباء على وجه هذه الأرض؛ ذلك لأن كورونا لم تأت لقتل الناس وتسجنَهم في بيوتهم، بل جاءت لتُوقظنا من غفلتِنا وتُلْجِئَنا إلى ربِّنا، فنندفعَ إلى تغيير سلوكاتنا في مختلف مجالات حياتنا ..ونعوذ بالله أن نكون ممن قال الله فيهم:
"وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ"
فاجأروا إلى الله على عجل أيها المؤمنون، وتضرعوا إليه وردوا المظالم إلى إهلها ، وارحموا الضعفاء يرحمكم الرحمن، فإن "من لا يَرحم لا يُرحم"، لأن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تُدان.
اللهم صل على سيدنا محمد واكشف عنا البلاء، اللهم صل على سيدنا محمد وادفع عنا هذا الوباء، اللهم صل على سيدنا محمد وفرج همومنا واكشف غمومنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، اللهم صل على سيدنا محمد واغفر لوالدينا، اللهم صل على سيدنا محمد وخذ أعداءنا أخذا أليما شديدا، اللهم صل على سيدنا محمد وسلط كورونا على من اضطهدوا المؤمنين ،  اللهم صل على سيدنا محمد وأدخلنا في حصنك المنيع، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

هناك تعليق واحد: