......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 17 أكتوبر 2019

دلالات يوم الهجرة بين الأمس واليوم


خطبة عن يوم الهجرة 17 اكتوبر 1961 بعنوان : [دلالات يوم الهجرة بين الأمس واليوم]
-----------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا.

أيها الإخوة الأكارم :

إننا لا نستطيع أن نفقه العديد من الحقائق ، ولا نستطيع بناء حاضرنا وتشييد مستقبلنا ، ما لم نفقه الواقع ، ومن فقه الواقع أن نفقه الواقع التاريخي ، فنستعرض أحداثه ووقائعه لنستلهم منها العبر ودلالات ، ولأجل ذلك عندما نقرأ القرآن العظيم نجد من محاوره الكبرى ، محور التاريخ، والذي يعبر عنه العلماء بالقصص القرآني. قال تعالى مخاطبا نبيه :"فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ". وقال تعالى :" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ". وقال تعالى :" لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ". وقال تعالى :"وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ".

والمستخلص من هذه النصوص ونظائرها : أن الإسلام يدعو أتباعه  إلى استقراء الوقائع التاريخية ، وأخذ العبر والدروس والعظات منها ، على نحو ما قال الشاعر مفدي زكريا:

إن من يُهمل الدروس، وينسى ضرباتِ الزمان، لن يستفيدا

ألا وإن من الأيام التاريخية التي لا ينبغي إهمالها ، أو نسيان ضرباتها: يوم السابع عشر من شهر أكتوبر من عام ألف وتسعمائة وواحد وستين. وهو ما اصطلح عليه بيوم الهجرة،  فهو يوم من أيام الله الخالدة، والمخلدة لكفاح الشعب الجزائري وتضحياته ، والشاهدة على همجية ووحشية وجرائم الاستدمار الفرنسي، حيث خرج في هذا اليوم آلاف من الجزائريين المقيمين في فرنسا، خرجوا  في مظاهرات سلمية استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني المقاومة للاستعمار آنذاك، وكان خروجهم من أجل المطالبة باستقلال وطنهم ، ورفضا لقانون حظر التجوال الذي فرضته السلطات الفرنسية على المهاجرين الجزائريين من الساعة الثامنة مساء وحتى الخامسة والنصف صباحا، وهو ما اعتبره  المهاجرون الجزائريون حظرا عنصريا وتعسفيا.

وكان رد السلطات الفرنسية ردا وحشيا ، حيث هاجمت الشرطة الفرنسية المتظاهرين الجزائريين وقتلت العديد منهم في الشوارع ، وألقت بالمئات منهم في نهر السين حتى طفت جثثهم على سطحه،  واعتقلت 12 ألفا وعذبتهم تعذيبا مهولا أدى إلى وفاة العديد منهم، ورحلت الآلاف إلى الجزائر، تلك هي قصة هذا الحادث المؤلم باختصار. والذي وصفه المؤرخون الأوربيون بأنه "أعنف قمع لمظاهرة في أوروبا الغربية في التاريخ".

وبعد استعراضنا لأحداث هذا اليوم الخالد في تاريخ شعبنا، فإننا نستخلص جملة من العبر والدلالات ن نذكر منها:

الدلالة الأولى : الدلالة العقدية : بتسميته يوم الهجرة ، فهي تسمية متصلة بالهجرة النبوية التي ضحى فيها المهاجرون الأولون بكل شيء من أجل إعلاء كلمة الله، وهجرة الجزائريين آنذاك فإنها وإن كانت إلى بلد أجنبي، إلا أنها هجرة اشتملت على تضحيات جسام  بالمال والنفس من أجل الدفاع عن العقيدة وعن الوطن، بل كانت تلك الهجرة بمنزلة الغزو لفرنسا في عقر دارها.

الدلالة الثانية: دلالة الانضباطية التامة في تنفيذ الأوامر دون تردد أو ارتجالية، فما إن بلغ المهاجرين  نداءُ جبهة التحرير حتى خرجوا إلى الشوارع رجالا ونساء وأطفالا غير وجلين ولا ملتفتين للعواقب.

الدلالة الثالثة: دلالة التضحية.  فعلى الرغم من قسوة الظروف والغربة عن الوطن والعيش في بلاد العدو لم يتقاعس المهاجرون الجزائريون عن نصرة قضيتهم بأغلى ما يملكون.

الدلالة الرابعة : وحشية المستعر الفرنسي ومدى حقده على المسلمين ، ولا غرابة فإن فرنسا تمثل العمق الصليبي الحاقد على الإسلام ومعتنقيه، "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ". ورحم الله الشهيد العربي التبسي إذ يوصي الجزائريين فيقول : "من عاش فليعش بعداوة فرنسا ومن مات فليحمل معه هذه العداوة إلى القبر".

الدلالة الخامسة : والشعور بوحدة المصير المشترك ومحبة الوطن رغم التغرب عنه.

وما أحوجنا اليوم – وجزائرنا تمر بأخطر مرحلة في تاريخها – إلى أن ننزل هذه الدلالات على واقعنا ، ونقتدي بأسلافنا:
في التمسك بعقيدتنا التي لولاها لما حققنا يوما انتصارا .. وفي حبنا لوطننا وتضحيتنا من أجل بنائه ونموه وحفظ أمنه ووحدته واستقراره مهما كانت الظروف قاسية .. وقد كان شعار أجدادنا :[ تضحياتنا للوطن خير من الحياة ]. وفي الانضباطية التامة والاستجابة السريعة في تنفيذ كل مبادرة من شأنها أن تحفظ على الجزائر أمنها ووحدتها واستقرارها، وتفوت الفرصة على أعدائها المتربصين بها في الداخل وفي الخارج، ولا ننسى بأن فرنسا لم تنته مطامعها في الجزائري وفي المغرب وفي إفريقيا كلها ، ولذلك فهي تسعى إلى التحريش بيننا بكل الأساليب الشيطانية الماكرة، فينبغي ألا نفرط في وحدتنا أبدا ، وينبغي أن نكون حذرين ومتفطنين لمكائد أعدائنا على نحو ما قال الإمام الشافعي رحمه الله عندما سئل : كيف تعرف أهل الحق في زمن الفتن؟! قال: "اتبع سهام العدو فهي ترشدك إليهم". فحيث تتجه سهام فرنسا اليوم فذلك الحق فالزموه ، وما تؤيده فرنسا فذلك الباطل فاجتنبوه، وما ترحب به فرنسا فذلك الشر فاحذروه.

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين





هناك 4 تعليقات: