......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 18 يوليو 2019

الفرحة بالانتصار الرياضي ضوابط ودلالات


الحمد لله رب العالمين ، نحمده تعالى ونستعينه ، ونستغفره لذنوبنا ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"

أيها الإخوة المؤمنون: قال الله تعالى :" مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ". فإن الإسلام الحنيف لم يدع جانبا من جوانب الحياة إلا وبين مضاره ومنافعه ، ورسم له من الأحكام والآداب ما يضبطه وينظم مساره، ومن ذلك : الرياضات البدنية، فقد جاء في الحديث الشريف : "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل". وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة رضي الله عنها فسبقته مرة وسبقها مرة فقال لها :"هذه بتلك". وإذن: فسنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام القولية والفعلية تدل على مشروعية الرياضة ، خصوصا تلك التي تكون وسلية إلى تقوية الأبدان ، ففي الحديث أيضا :"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".
وقد استحدثت في عصرنا العديد من الرياضات كالجيدو والكاراتي وكرة القدم و نحوها، وكلها دائرة في فلك المباحات ما انضبطت بالضوابط والآداب الشرعية ، ولسنا بصدد التأصيل لرياضة كرة القدم منعا أو إذنا ، وإنما نريد أن ننبه إلى ضوابط الابتهاج بالفوز والانتصار، حيث رأينا في الأسبوع المنصرم حوادث مؤلمة قد أودت بأرواح إخواننا في مدينة جيجل ، كما رأينا أيضا البعض قد لفظ أنفاسه بسكتة قلبية بسبب الفرحة المفرطة ..... فاستوجبت المقام وقفة معالجة لهذه النازلة إن صح التعبير .

أولا : ننبه في البداية إلى أن كرة القدم ما هي – في أصلها – الا لعبة رياضية ، فلا ينبغي أن نتعلق بها أو نعطيها من الأهمية أكثر مما تستحق ، إلى درجة أن يموت العبد من أجلها أو بسببها، لأنها في هذه الحال تكون كأنها اتخذت معبودا من دون الله تعالى ، ولن تكون حينئذ بمعزل عن قوله تعالى :" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ". فكل محبوب يتعاظم حبه حتى يزاحم حب الله تعالى فهو ند اتخذ من دون الله، وينبغي أن يسأل العاقل نفسه هل الميتة من أجل لعبة رياضية هي موتة لله تعالى؟ ومعلوم أن المسلم حياته ومماته لا ينبغي أن تكون إلا لله ؛ لقوله تعالى :" قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ".

ثانيا : أن الابتهاج بمثل هذه الانتصارات له دلالات وأبعاد ينبغي أن يحسن المسلم قراءتها والاستفادة منها ، نذكر من ذلك دلالتين :

الدلالة الأولى : أن حرية الإرادة منطلق الابداع والابتكار، فلما كانت حرية الارادة في النخبة الوطنية الرياضية ظاهرة وغير مقيدة ، وغير خاضعة لضغوط وإملاءات من أي طرف ما ... استطاعت أن تشكل نسيجا واحدا متماسكا حقق نتائج حسنة وخلف آثارا إيجابية ، هذا في جانب معين فكيف لو عمم مبدأ حرية الإرادة في سائر المجالات الأخرى ، في إدارة مؤسسات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية ....؟ فهذا ما تصنعه الإرادة حينما ترفع القيود عن حريتها ، ويروي لنا التاريخ أن عنترة بن شداد العبسي لما كانت حرية إرادته معطلة كان مجرد عبد يرعى أنعام بني عبس، ولما كرت ذبيان على عبس وكادت أن تهلكها قال له أبوه شداد: " كر يا عنترة ". قال : " أنا عبد والعبد لا يحسن الكر ، وإنما يحسن الحِلابة والصَّرَةَ". فقال له أبوه :" كر وأنت حر ".فقام عنترة وقاتل الغزاة من منطلق الإرادة الحرة ، وحقق لبني قومه تلك الانتصارات التي خلدها التاريخ ، وهو القائل :
بالأمس كنت أرعى جمالهم *** واليوم أحمي حماهم إذا نكبوا
وكذلك تصنع الإرادة الحرة في مختلف المجالات التي من جملتها رياضة نخبنا الوطنية.

والدلالة الثانية :أن فرحة الناس ليست بذات الكرة أو بكأس يحرزونه ، وإنما هي فرحة تعلقت ببصيص الأمل في التغيير الإيجابي الذي تشهده جزائرنا ، والذي فتح أبواب الأمل والطموح ، وأعاد لشعبنا اعتزازه بالانتماء لهذه البلد الأبي ، وبعث في النفوس الروح الوطنية من جديد ، تلك الروح الوطنية التي يمكنها أن تقهر الصعاب ، وأن تحقق المكاسب والإنجازات العظام في كل مجال.
فهذا هو المغزى الذي ينبغي أن تتعلق به أفراحنا حتى تكون أفراحا إيجابية مشمولة بقوله تعالى:" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ". لا أفراحا سلبية كتلك التي قال الله تعالى في شأن أصحابها :" لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ". " وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ".

ثالثا: أن الفرح والابتهاج بأي انتصار وفي أي مجال ينبغي أن يكون منضبطا بضوابط شرعية وآداب مرعية، في حدود الحكمة والتعقل والاعتدال، ومن ذلك:

1- ألا يكون الفرح مثارا للفوضى العارمة ، والتهور الجارف الذي يؤدي إلى حدوث ما لا تحمد عقباه من هلاك الأنفس وإتلاف الممتلكات، عملا بقول الله تعالى:"  ولَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ". وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر ولا ضرار". وكل تصرف  يؤدي إلى الضرر والفساد فهو محظور شرعا.
2- ينبغي ألان تكون الفرحة  بما يغضب الله تعالى من المعاصي كالاحتفال والابتهاج بشرب الخمور وارتكاب المنكرات، فإن هذا الفوز أو الانتصار يعتبر نعمة ، وما من  نعمة تقابل بمعصية إلا واستحالت إلى نقمة ، وكان أصحابها كمن قال الله تعالى في شأنهم :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ".
3- كما ننبه في الختام إلى أنه لا ينبغي أن تشغلنا أي لعبة مهما كان شأنها عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ".
جعلني الله وإياكم من عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، ووفق الله فريقنا الوطني إلى الفوز والنجاح، وحفظ الله الجزائر وشعبها الأبي، وجيشها الباسل ، ورحم الله شهداءنا الأبرار ، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

هناك تعليق واحد: