......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الجمعة، 26 أبريل 2019

أهمية الحوار والحاجة إليه

الحمد لله رب العالمين ، نحمده تعالى ونستعينه ، ونستغفره لذنوبنا ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"

أيها الإخوة المؤمنون

إن الإسلام الحنيف لم يدع جانبا من جوانب الحياة إلا وبين مضاره ومنافعه ، ورسم له من الأحكام والآداب ما يضبطه وينظم مساره، ومن ذلك : المحاورة بين الناس ، التي لا سبيل للتعايش بين الناس بدونها، فبالمحاورة يتبادلون المنافع فيما بينهم، في أي مجال أو شأن من شؤون حياتهم، وبها يتوصلون إلى إنهاء ما يحدث بينهم من خلافات فردية أو إجتماعية، سياسية أو اقتصادية ، وبها يميزون الخطأ من الصواب والباطل من الحق.. وبالحوار تفك النزاعات الأسرية وتستقيم الحياة بين الزوجين، كما في قوله تعالى :" وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ". والوعظ هو عبارة عن محاورة بين الزوجين من أجل التذكير بالحقوق والوقوف على دواعي الاختلاف ... فكل ذلك لا يتم إلا بالحوار بين الناس، وبهذا تتجلى لكم قيمته وأهميته وأنه لا غنى للناس عنه.

 وقد اشتمل القرآن الكريم على الكثير من الآيات التي تبين لنا أهمية الحوار في حياة الناس، وترشدنا إلى حسن الاستماع إلى الآخرين ، فبالرجوع إلى القرآن نجد أن الله جل جلاله قد حاورة ملائكته في قضية خلق الإنسان ، " وإذ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" .

بل حاور سبحانه وتعالى حتى إبليس اللعين حينما امتنع عن السجود لآدم ، "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ  قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ  قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ  وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ  قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ  إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ  قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ  إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ  قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ  إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ".

فرغم عصيان إبليس وتمرده عن أمر الله ، حاوره الله تعالى وسأله عن سبب عصيانه ، وهذا درس عظيم للمسلمين ، يتعلمون منه حسن الاستماع إلى الآخرين ولو كانوا على باطل ، ولأننا حينما نصغي إليهم نكشف عما لديهم من أعذار وحجج ، ومن ثم نتوصل إلى دحض شبهاتهم وتقويم أفكارهم وتصوراتهم ، فإما أن يستجيبوا للحق بعد ما يتبين لهم ، وإما أن تقام عليهم الحجة أمام الله وأمام التاريخ والأجيال ؛ "لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ".   

وما أرسل الله من نبي إلا وحاور قومه وناظرهم بالحجة والبيان ، كما في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع الطاغية النمرود: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".

كما أمر سبحانه وتعالى موسى وهارون عليهما السلام أن يحاورا فرعون : "إذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ".

وأمر سبحانه وتعالى حبيبنا ونبينا محمدا عليه الصلاة والسلام بمحاورة المشركين :" وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".  وكذلك الشأن بالنسبة لأهل الكتاب، قال جل ثناؤه:" وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".

هذا وإن النصوص القرآنية المشتملة على المحاورة أكثر من أن تحصى في مثل هذا المقام، والذي يستفاد مما استعرضنا منها ومما لم نستعرض:

1- أن الحوار ينبغي أن يكون بالحجة والبيان ، وألا يدعي فيه طرف – حاكما كان أو محكوما عالما أو جهولا – ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة أو أنه مبعوث العناية الإلهية ، وقد علمنا القرآن العظيم أن نقول لمن نحاور :"وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ". وبالمحاورة  الصادقة سيتميز بلا ريب من كان على هدى ممن هو في ضلال مبين.

2- كما ينبغي أن يكون الحوار بنية صادقة لا مجال فيها للحظوظ النفسية، حتى يؤتي ثماره ويحقق أهدافه ، ويتحقق به التوفيق بين الطرفين المتنازعين ، مصداقا لقوله تعالى:" إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا".

3- أن يساق الحوار للطرف المحاوَر بأسلوب هادئ وبألفاظ حسنة ... كما قال تعالى : "وقولوا للناس حُسْنا".  والقول الحسن هو ما كان حسنا في معناه بأن يكون مشتملا على الخير. وحسنا في هيئته : بأن نسوقه للآخرين بلطف ولين ، وبألفاظ لا غلظة فيها ولا شدة. كما تقدم في قوله تعالى في شأن فرعون:" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ".

4- أن للحوارِ أهدافا شتى : منها : توضيح الحق وتبيين الصوابِ ، ومنها أيضا إنهاء الخلافات بين الناس، وحل المشكلات والأزمات التي تلم بالأمة ،  كذلك الحوار الذي جرى بين الصحابة الكرام رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة ، حيث أدركوا خطورة بقاء الأمة دون حاكم يسوس شؤونها ويرعى مصالحها ، فسارعوا - وهم افقه الناس - إلى الحوار من أجل تنصيب حاكم للأمة قبل دفن نبيهم صلى الله عليه وسلم. 

وفي هذا درس عظيم لأمتنا وجزائرنا اليوم بأن تبادر إلى الحوار من أجل الوصول إلى حلول مرضية، لتتجاوز أزمتها الحالية بسلام ، ولتفويت الفرصة على المتربصين بها في الداخل والخارج، وعلى أولائك المناورين لأجل إجهاض مطالبها المشورعة.

ولهذا ينبغي – أيها السادة الكرام - أن لا نستنكف عن الحوار ، أو نتجاهل الدعوة إليه ، فإنه لا بديل لنا عنه اليوم، ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم إسوة حسنة ، وقد قال عن المشركين يوم صلح الديبية :" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ". وكذلك نحن ينبغي ألا ندع خطة ترعى مصلحة أمتنا، وتجنبها المزالق إلا سلكناها ، كالمحاورة التي ينبغي أن يُنتقى لها الأكفاء العقلاء الحكماء الأمناء، ورحم الله  أبا الأسود الدؤلي إذ يقول :

لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم ** وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا

وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه ، وألهمنا الله مراشد أمورنا، وحفظ الله الجزائر وشعبها وجيشها الباسل،  ورحم الله شهداءنا الأبرار، ووفقنا الله لاستكمال مسيرتهم الربانية ، والدفاع عن أرواحهم الطاهرة ، ورحم الله والدينا ومشايخنا ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، وصحبه الميامين، والحمد لله رب العالمين.







هناك تعليقان (2):

  1. بارك الله فيك ياشيخ على هذه الدروس والخطب وكثر الله من أمثالك
    ولكن ياشيخ طولت علينا الغيبة عساه أن يكون خيرا

    ردحذف
  2. جزاك الله كل خير شيخنا الفاضل

    ردحذف