......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الاثنين، 1 أبريل 2019

الجزائر أمانة الشهداء في أعناقنا


الخطبة الاولى

الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد : فلا جرم أن جزائرنا تمرهذه الأيام بمرحلة عسيرة، ولا يجوز أن نقف بمعزل عما يجرى في وطننا ولشعبنا، وقد تلاقى إجماع العلماء على أن :"البيان لا يجوز أن يتأخر عن وقت الحاجة".
ولم نتناول هذا الموضوع في الجمعة الفارطة بسبب انشغالنا بعملية جمع التبرعات لمسجدنا هذا، وتفرق العديد من رواده عبر تراب الولاية لذات الغرض.
والمقام يقتضي – أيها الإخوة - أن أدرأ عنكم الريب والتأويل، وأن أقطع أمامكم كل هاجسة من سوء الظنون، بأن خطابنا هذا لم ياتِ نتيجةَ إملاءٍ من سلطة في هذه الأرض، بل هو ما تمليه علينا حقائق الوحي السماوي.

فما من نبي إلا وقد نصح لقومه وبشر وأنذر، فجاء على لسان شعيب:" يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ". وجاء على لسان صالح " يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ". - ونعوذ بالله أن نحذُوَا حذوَ أولاء الذين لا يحبون الناصحين
وكذلك كان دأب جميع الأنبياء والمرسلين ، من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم القائل:" الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ".
وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام :"الحج عرفة". فمن حج ولم يقف بعرفة فلا حج له، وكذلك من تدين ولم ينصح فلا دين له.

وليس من النصح أن نقول لمواطنينا كونوا كالأموات، لا تطالبون بحق، ولا تعبرون عن رأي ، ولا تشاركون في صنع قرار .. فالتظاهر السلمي جائز شرعا، وهو حق مكفول دستورا، ولو قلنا بحظره لجعلنا ديننا سخرية بين العباد.

ولكن هناك أمور لا بد من لفت الانتباه إليها ، وهي على ثلاثة أقسام ، قسم مشترك بين المواطنين والمسؤولين. وقسم يخص المسؤولين. وقسم ثالث يخص المواطنين.

فأما القسم المشترك فيتألف من عناصر ثلاثة:

أولها : أن نحافظ جميعا على وحدتنا الوطنية ، فهي الأساس في المحافظة على قدرات أمتنا وبنائها ، وهي السبيل إلى تمكيننا من الوقوف في وجه أي خطر محتمل؛ ولذلك فنحن مطالبون – حكاما ومحكومين - بإقامتها والحفاظ عليها، أكثر من أي وقت مضى، وهذا أمر لا خيارلنا فيه، فالوحدة الوطنية فريضة شرعية، قال تعالى :" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا". وقال الله تعالى : "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواواختلفوا" ، وقال تعالى :"وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ". وقال تعالى : " فاعتبروا يا أولي الأبصار". أي خذوا العبرة من الأمم التي تفرقت وتشتتت وانظروا كيف أصبح شأنها وحالها.
ولذلك فالواجب على كل فرد من أفراد شعبنا ومسؤولينا أن يكون لإخوانه كالبنيان في التماسك والالتحام، حتى نكون كما قال نبينا صلى الله عليه على وآله وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ..".
وثانيا: أن تتظافر جهودنا جميعا – حكاما ومحكومين – في بناء وطننا ، وأن تكون لدينا إرداة صادقة وقوية في إخراجه من ربقة التخلف ، والحاقه بركب الأمم المزدهرة ، وما ذلك بعزيز ولا بعيد، إذا ما وجدت الإرادة الصادقة ، وإذا ما فتحنا المجال أمام طاقاتنا العلمية، وأحيينا روح الاخلاص في العمل والتفاني فيه ، بتقديم أقصى ما يمكن تقديمه ، في مختلف المجالات... خصوصا ونحن – ولله الحمد - نملك أرضا شاسعة تكفي لإعالة العالم ، إذا ما وجدت الرجال العاملون بصدق وامانة وإخلاص. وإنه لمن الشقاوة أن نملك جنة كأرض الجزائر ثم نعيش محرومين من أدنى وسائل العيش !! ولا ينبغي أن نظل متأسفين على ما فات، وإنما ينبغي أن نستعد لبناء وطننا فيما هو آت، غير فاقدين للأمل ولا ملتفتين للمثبطات والمعوقات.
وثالثا: أن تظافر جهودنا – حكاما ومحكومين - في المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار، التي لا حياة لنا بدونها ، ولذك جاء الأمن مقدما على الرزق في دعاء الخليل إبراهيم عليه السلام ، قال تعالى :"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ". فانظروا أيها المؤمنون كيف قدَّم الأمن على الرزق ؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يبحث عن الرزق ، ولا يتأتى له الشعور بلذته ، إذا كان فاقدا للأمن في حياته ، وتزيد السنة النبوية تبيانا وتأكيدا لهذه الحقيقة ، فيقول عليه الصلاة والسلام :" من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها". فلو ملكت الدنيا بأجمعها ، ما كان لك لتنعم بها أو تشعر بلذتها ، لو لم تكن آمنا في حياتك وبلدك ، معافى في بدنك وأهلك وأولادك ... وهل نستطيع أن نحقق نموا ، أو تقدما أو زدهارا .. إذا لم نكن آمنين في أوطاننا !؟

أما القسم الذي هو من صلاحية المسؤولين:
فإن من أهم ما ينبغي أن يعملوا على تحقيقه في هذه المرحلة الصعبة ، أن ينتهجوا في معالجة الأحداث وحل المشكلات منهجية حكيمة تقي وطننا من الوقوع في المهالك والمنزلقات ، ومن ذلك:

أن يجعلوا مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار، فالجزائر أو لا وقبل كل شيء كما قال العلامة بن باديس ، والكل يعلم أن :"المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ". وأن يتحلوا بالحلم فلا يتهوروا.. وأن يتحلوا بروح المسؤولية فيبادروا بمحاورة مواطنيهم، من أجل الوصول إلى رسم استراتيجية واضحة للخروج من هذه الأزمة، وألا يطيلوا عمر الحراك والتظاهر؛ درءا لأي فساد محتمل، وسدا لذرائع الشرور والفتن، وتفويتا للفرصة على المتربصين والانتهازيين والمغرضين ، في الداخل والخارج، وهذا واجب قد بات مؤكدا في حقهم؛ تطبيقا للقاعدة الفقهية: " تصرف الحاكم على الرعية منوط بالمصلحة". 

وأن يقدروا عظم المسؤولية التي ابتلاهم الله بها ، ويتذكروا قول الباري جل جلاله :"وقفوهم إنهم مسؤولون". وقد كان الخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنهم يسهرون ليلهم في تفقد أحوال رعيتهم، ومواساة حزينهم وإغاثة ملهوفهم ... حتى أن سيدنا عمر رضي الله عنه لم يكن له وقت لينام فيه ، فكان ينعس وهو جالس ، فقيل له يا أمير المؤمنين ألا تنام ؟ فقال : "كيف أنام ؟ إن نمت بالنهار ضيعت حقوق الناس ، وإن نمت بالليل ضيعت حظي من الله". وكان بطنه يُحدث أصواتا من كثرة ما أكل من الخبز والزيت ، وكان يقول لبطنه : (قرقري أو لا تقرقري !! لن تذوقي اللحم حتى يشبع أطفال المسلمين.

فهذا ما ننصح به اليوم من ملكهم الله زمام أمورنا، ويعلم الله، وأنتم شاهدوا أيها المؤمنون أننا لم نبخل عليهم بالدعاء منذ ان اعتلينا المنابر منذ 20 عاما، فنرجوا أن يقفوا اليوم موقفا تاريخيا مشرفا يحفظ الجزائروشعبها ويفوت الفرصة على أعدائها في الداخل والخارج.

وأما القسم الذي يخص المواطنين:

فهو أن يحافظوا على ذلك الأسلوب الحضاري الذي سلكوه للتعبير عن مطالبهم وآرائهم، الذي لا ضرر فيه ولا ضرار، والذي برهن على درجة عالية من النصج والوعي ، والحرص على حفظ المصالح العليا لهذا الوطن العزيزالذي سقيناه بدماء شهدائنا ...
لكننا ننبه إلى التزام اليقظة والحذر من المندسين، من ذوي الأغراض الخسيسة، الذين لم يخلُ منهم مجتمع، في أي زمان وفي أي مكان ، والواقع شاهد على ذلك قديما وحديثا، فكم من تظاهرة نزيهة قد لوثوها، ثم في مستنقعات الأوحال أسقطوها ... ولصالح الأعداء قد جعلوها .. كما حدث للعديد من أشقائنا وما ذلك بخافٍ عنكم أيها المؤمنون.. فينبغي التفطن لهذا المآل، وإدخاله في الحسبان، وسد الذرائع المؤدية إليه... فالحذرَ الحذرَ من الإخلال بالأمن أو التعدي على الممتكات الخاصة أو العامة .. والحذرَ الحذرَ من النداءات التحريضية المجهولة ... فكونوا جميعا درعا واقيا لهذا الوطن العزيز... من أي فساد أو فتنة محتملة.

أستغفروا الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه تجدوه غفورار حيما

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى ثم الصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله وصحبه المستكملين الشرفا، وبعد:
أيها المؤمنون نوصيكم بتقوى الله عزجل ،ألا وإنه لا تقوى لمن لم يحافظ على الجزائر ووحدتها وأمنها واستقرارها .. فإن الجزائر أمانة الشهداء في أعناقنا ، فاحفظوا الأمانة وصونوا الوديعة ، ولا تعطوا الفرصة لأي مرجف أن يعبث بأمنكم واستقراركم، وكونوا يدا واحدة على من سواكم، يحدوكم في ذلك قوله تعالى :" وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ".
ونسأل الله تعالى أن يمن علينا في هذه البقعة الطاهرة – الجزائر – بالأمن والاستقرار ، والعافية المعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ومن أرادنا بسوء فنسأل الله أن يجعل تدبيره في نحره وأن يشغله بنفسه .
ونسأل الله تعالى للقائمين بشؤون هذه الأمة، ألفة تجمع الشمل، ووحدة تبعث القوة، ورحمة تضمد الجراح، وتعاونا يثمر المنفعة، وإخلاصا يهون العسير، وتوفيقا ينير السبيل ، وتسديدا يقوم الرأي ويثبت الأقدام، وحكمة مستمدة من تعاليم الإسلام وروحانية الشرق وأمجاد العرب، وعزيمة تقطع دابر الاستعمار من النفوس، بعد أن قطعت دابره من الأرض.
ونعوذ بالله ونبرأ إليه من كل داع يدعو إلى الفرقة والخلاف، وكل ساع يسعى إلى التفريق والتمزيق ، وكل ناعق ينعق بالفتنة والفساد.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين


هناك تعليق واحد: