......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الاثنين، 4 سبتمبر 2017

علاقة النظافة بالإيمان وأثرها على البيئة والإنسان

الخطبة الأولى
الحمد لله حق حمده ، والحمد لله الذي بحمده يبلغ ذو القصد تمام قصده ، نحمده تعالى على تفضله وإنعامه ، ولطفه وإحسانه ، ونسأله المزيد من أفضاله ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في حكمه ، ونشهد أن محمدا عبد الله و رسوله وصفيه من خلقه  ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد / أيها المسلمون الكرام :

إن الإسلام دين قائم على الطهر والنظافة ، ظاهرا وباطنا ، فالنظافة والطهارة في الإسلام ليست مجرد سلوك مرغوب فيه ، أو متعارف عليه اجتماعياً ؛ بل هي قضية إيمانية تتصل بالعقيدة، يُثاب فاعلها ويأثم تاركها في العديد من أنواعها ومظاهرها، وقد عدها النبي صلى الله عليه وسلم فرعا من فروع الإيمان ، فقال عليه الصلاة والسلام : "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ"[رواه البخاري].

وقد امتدح الله تعالى المتطهرين والمتنزهين عن الأقذار ، وبين بأنه يحبهم فقال سبحانه وتعالى: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" [البقرة:222]، كما أثنى سبحانه وتعالى على أهل مسجد قُباء بقوله: "فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب الْمُطَّهرِّين " [التوبة: 108]. وإذا كان الله تعالى يحب المتطهرين ، فإنه – بالمفهوم المخالف – يمقت المتنجسين والمستقذرين.

وإذا تأملنا التشريعات الإسلامية ، وجدناها هادفة إلى صناعة مجتمع نقي نظيف حسيا ومعنويا ، منزه عن الأقذار باطنا وظاهرا ، ففي مجال طهارة الباطن حذرت الشريعة من براثين الكبر والعجب والخيلاء ، والحقد والحسد والرياء، وبينت أن البراءةَ من هذه الخطايا ، وتطهيرِ القلوبِ من تلك العلل ، يفضي إلى الوصولِ إلى مرتبةٍ عظيمة ، يكون المرء فيها من أفاضل الناس وأشرافهم ، فقد سئل  عليه الصلاة والسلام عن أي الناسِ أفضل ؟ فقال : " كلُ مخموم القلبِ صدوق اللسان ، قالوا يا رسول الله قد عرفنا صدوق اللسان، فما مخموم القلب؟ قال هو التقيُ النقي الذي لا أثم فيه ولا بغي ولا حسد"[ رواه ابن ماجة].

وفي مجال طهارة الظاهر نجد أن صحة العديد من العبادات متوقفة على الطهارة ، فإذا قام  المسلم للصلاة وجب عليه أن يتطهر ؛ كي يتسنى له الوقوف أمام ربه ومناجاته على أكمل الأحوال ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا " [المائدة: 6]. وكذلك الشأن لمن أراد أن يطوف حول الكعبة المكرمة حاجا أو معتمرا أو متطوعا ، أو أراد أن يلمس المصحف المجيد الذي قال فيه جل جلاله :" لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ"[الواقعة79]..

وليس هذا فحسب ، بل شرع الإسلام الطهارة وأمر بالنظافة في كل مجالات الحياة :
فشرع السواك عند الوضوء ، وشرع غسل اليدين قبل الأكل وبعده ، وبعد الاستيقاظ من النوم وقبل غمسها في الماء.
وأمر بخصال الفطرة المتمثلة في : الختان ، والاستحداد [حلق العانة] ، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط ، وقص الشارب ؛ لأنها مواضع تتجمع فيه الأوساخ ، التي تتولد عنها الجراثيم والميكروبات المهلكة.
وقال عليه الصلاة والسلام : "نظِّفوا أفنيتكم" [رواه الترمذي] ، ونظافة الأفنية تشمل نظافة المسكن والساحات والشوارع المحيطة به.
ونهى عن التبوُّل في الماء الراكد ، وفي الطريق وفي الأماكن التي يجلس فيها الناس للتظلل أ والتشمس، وقد سماها النبي عليه الصلاة والسلام بالملاعن ؛ أي أن الناس يلعنون من لوثها بالقذارة ، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "اتَّقوا الملاعن الثلاث، البُراز على قارعة الطريق، وموارد المياه، ومواقع الظل" [رواه ابن ماجه وأبو داود].
وبهذا تعلمون - أيها الإخوة الكرام -  أنه لا يوجد دين على وجه الأرض أهتم بالنظافة كدين الإسلام ، الذي جعلها عنوانا للإيمان ، وشرطا لصحة العبادة ، ورتب عليها الثواب والعقاب ...
ثم أنه لم يجعها مقتصرة على المستوى الشخصي فقط ، بل جعل متعدية لتشمل المحيط والمدينة كلها ... 

وتأتي الدراسات العلمية الحديثة لتؤكد أهمية النظافة :
في الحفاظ على صحة الإنسان  وسلامته من الأمراض والعلل والأوبئة ، حتى صاروا يكتبون على الأدوية: "النظافة شرط أساسي للحفاظ على الصحة".
بل إن للنظافة تأثير كبير في الحفاظ على سلامة أفكار الإنسان وتوازنه النفسي ، حتى قيل :"أن العقل السليم في الجسم السليم".  وذلك أن من يعيش في بيئة نظيفة يشعر بالسعادة والنشاط والحيوية ، أكثر من ذلك الذي يعيش في بيئة غير نظيفة؛ إذ لا تجده إلا خاملا متوترا كئيبا ... 
 كما أن النظافة تعكس مستوى تطور البلد وتدل على مدى  وعي وتحضر ساكنيه ، فأول ما يلاحظه أي زائر لمدينة ما ، أن ينظر إلى نظافتها وجمالها ...

فما أعظم ديننا الإسلامي !! القائم على الطهر والنظافة ، لكن أين تلك النظافة في واقعنا ؟ أوليس من العار أن يكون الفرنسي أو الألماني أو الأسباني .. أنظف من المسلم في هندامه ومسكنه وبيئته ومدينته ؟!
فلو نظرنا اليوم إلى نظافتهم في البيئة والمحيط ؛ لوجدناها تكاد تسحر العقول بحسنها وروعة جمالها ، حتى صارت مضرب مثل ، وحتى أصبحنا نحلم أن نعيش في أكنافها .. في حين غاصت شوارعنا بالقاذورات المتعفنة !!  فما الذي يمنعنا من صناعة بيئة نظيفة كبيئتهم ؟  أو لسنا بشرا مثلهم ؟؟ أوليست النظافة جزء من ديننا؟؟
فمن هو المستفيد من توجهات النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام :" إن الله جميل يحب الجمال  "[أخرجه مسلم] ،" فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود "[ أخرجه الترمذي] ،"وإماطة الأذى عن الطريق صدقة" [أخرجه البخاري في الأدب المفرد].

 أيعقل - أيها الإخوة الكرام -أن يكون المسلم مصدر تلويث للبيئة ، ومصدر إزعاج للناس في طرقاتهم وشوارعهم !! يلوث الجدران بالكتابة التي تدل على الدناءة وسقوط المروءة ، ويرمي بالقذرات في الطرقات ، ثم يدعها حتى تتعفن ؛ فتلوث الماء والهواء .. كما فعل بعضنا – هداهم الله – في عيد الأضحى ، عندما حولوا الطاعة إلى معصية ؛ حيث اتخذوا من شعيرة الأضحية ذريعة إلى إفساد البلاد والعباد ، بما أودعوا في الأرض من جلود وفرث ودماء ، بلغت روائحها المنتنة عنان السماء ، ألم يبلغهم حديث النبي المصطفى : " مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ "[رواه الطبراني]. ثم يأتون إلى الصلاة زرفات ووحدانا ، أو ما علموا قول الله تعالى:"إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ "[العنكبوت45]. وأي منكر أكبر فظاعة من إلحاق الضر بالثرى والورى ؟

لا جرم أننا بهذه السلوكات  قد أسهمنا إلى حد كبير في الإساءة إلى ديننا ، وإلى نبينا صلى الله عليه وسلم   ، وأننا عن ذلك أمام الله لمسئولون ، وأن المسؤولية تقع على عاتق الجميع ، من مواطنين ومسؤولين ، وكلما ازداد حجم مسؤولية المرء ازدادت المساءلة عنها ، وقد خشي عمر أن يُسأل وهو في المدينة عن بغلة عثرت في العراق ؛ لأنه لم يسو لها الطريق ، فكيف لا نخشى نحن أن يسألنا الله عن الفساد الذي لو ذهبنا نعدد مواطنه لأعينا إحصاؤها ؟
 فاتقوا الله أيها المؤمنون ، "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا "[البقرة281]. واعلموا أن النظافة أمارة على صدق إيمانكم ، ومطية لجلب محبة ومرضاة بارئكم ، ووسيلة لحفظ صحة أجسامكم وسلامة عقولكم ... فتنزهوا عن الأقذار في ظاهركم وباطنكم ، ونظفوا مساكنكم وشوارعكم تكونون شامة في أوطانكم:"وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" [الاعراف85]. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وآله وصحبه الشرفاء ، وبعد:

عباد الله أوصيكم ونفسي المخطئة المذنبة بتقوى الله ، فاتقوا الله حق تقواه ، وراقبوه مراقبة عبد يعلم يقينا أن الله مطلع عليه ويراه ، وتزودوا من هذه الدار الفانية للآخرة الباقية عملا صالحا يرضاه ، واعلموا أنكم من هذه الدنيا راحلون وإلى الله راجعون ، وبين يديه واقفون ، وعن أعمالكم محاسبون ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ، ولا يظلم الله أحدا من العالمين ، وإن تكن حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما.

وإن الله قد أمركم بأمر عظيم ،  بدأه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه ، وثلث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه ، فقال عز من قائل ، ولم يزل قائلا عليما ، وآمرا حكيما :(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

فاللهم وصل وسلم وبارك على البشير النذير ، والسراج المنير ، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار ، خصوصا على أجلهم قدرا وأرفعهم ذكرا ، ذوي المقام العلي والقدر الجلي ، ساداتنا وأئمتنا الفضلاء ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى الستة الباقين من العشرة المبشرين بالجنة ، وعلى الحسنين الأحسنين أبي محمد الحسن وأبي عبدالله الحسين ، وعلى أمهما الزهراء وخديجة الكبرى وعائشة الرضى ، وبقية أزواج النبي المصطفى ، وعلى الصحابة أجمعين  ، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وانصر الإسلام والمسلمين ، واجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين ، واخذل الكفرة والمشركين ، وأصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين ، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين ، وامدد بنصرك وتأييدك وحسنك توفيقك ملوك ورؤساء المسلمين ، ولم شعثنا واجمع شملنا ووحد كلتنا ، وانصرنا على من خالفنا ، واحفظ بلادنا وأصلح أزواجنا وذرياتنا ، واشف مرضانا وعاف مبتلانا ، وارحم موتانا ، واغفر اللهم لوالدينا ولمن علمنا ولمن أحسن إلينا ، ولسائر المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات ،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

هناك تعليقان (2):

  1. بارك الله فيك شيخنا الفاضل على هذه الخطبة العامرةبالنقد للأشخاص الذين لا علاقة لهم بالنظافة
    تصور كيف أن الأب أو الأم تعطي لابنها الصغير كيس القمامة فيرميه في قارعة الطريق أو الأم بنفسها ترميه من النافذة دون مبالاة لاي احد
    المهم بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

    ردحذف