قال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أن من تيقن الطهارة قبل الدخول في الصلاة وشك هل انتقض وضوؤه أم لا ؟ فإنه يلغي شكه ويمضي على صحة وضوئه ؛ بناء على قاعدة :"اليقين لا يزول بالشك". [1]وعملا بحديث :"شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً"[2].
لكن السادة المالكية – في مشهور مذهبهم - قالوا يجب عليه الوضوء في هذه الحال ، فلاَ يَدْخُل فِي الصَّلاَةِ إِِلاَّ عَلَى طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ [3]، وأعملوا في هذه المسألة دليلا آخر ، وهو استصحاب ما دل الشرع على ثبوته ، وهو أن الصلاة ثابتة بيقين في ذمة المكلف ، والطهارة المشكوك فيها لا عبرة بها ، فهي في حكم العدم ، فيقين شغل الذمة بتكليف إيقاع الصلاة لا ترفعه طهارة مشكوك فيها ، ومن ثم وجب الوضوء على من تيقن الطاهرة وشك في الحدث.
فإن قال قائل أليس في هذا مناقضة للحديث النبوي والقاعدة الفقهية السابق ذكرهما ؟
فالجواب: أن المالكية حملوا الحديث السابق على المستنكح بالشك [وهو من يأتيه الشك كل يوم ولو مرة] ، فقد ورد في الحديث عبارتان تدلان على أنه يراد به المستنكح، وهما :" شكي" و " يخيل إليه " ؛ إذ يُفهم منهما أن الرجل لم يكن في حالة معتادة ، فهذا يمضي على صحة وضوئه ولا يلتفت إلى الشك بخلاف السليم فيجب عليه الوضوء.
وقالوا أن لكل قاعدة استثناء ، وهذه الصورة مستثناة من قاعدة :"اليقين لا يزول بالشك". احتياطا للعبادة من جهة ، وعملا بقاعدة "الذمة لا تبرأ إلا بيقين" من جهة ثانية.
ثم لم يقف المالكية عند هذا الحد فحسب ، بل أعملوا أيضا الجانب المقاصدي في ترجيح فتواهم ، فقال الإمام شهاب الدين القرافي في "الْفَرْق الرَّابِع وَالتِّسْعينَ" من في فروقه:
" وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَقْصِدٌ وَالطَّهَارَاتِ وَسَائِلٌ، وَطَرْحُ الشَّكِّ تَحْقِيقًا لِلْمَقْصِدِ أَوْلَى مِنْ طَرْحِهِ لِتَحْقِيقِ الْوَسَائِلِ"[4].
للاطلاع على حقيقة للاستصحاب في المذهب المالكي وأنواعه وحجيته ودلائل اعتباره اضغط على هذا الرابط:
http://laidbenzetta.blogspot.com/2016/04/blog-post_30.html
----------------------------------------------------------------------------
1- الموسوعة الفقهية الكويتية 17 / 122.
2- رواه البخاري ومسلم.
3- التاج والإكليل لمختصر خليل ، لأبي عبد الله المواق المالكي 1 / 437.
4- أنوار البروق في أنواء الفروق ، للقرافي 2 / 164.
http://laidbenzetta.blogspot.com/2016/04/blog-post_30.html
----------------------------------------------------------------------------
1- الموسوعة الفقهية الكويتية 17 / 122.
2- رواه البخاري ومسلم.
3- التاج والإكليل لمختصر خليل ، لأبي عبد الله المواق المالكي 1 / 437.
4- أنوار البروق في أنواء الفروق ، للقرافي 2 / 164.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق