كلما اقترب عيد الأضحى المبارك
كثر التساؤول عن حكم بيع الأضحية بالميزان ، والمسألة لا تتعلق بخصوص
الأضحية ، بل ببيع الحيوان بالميزان عموما ، وقد اختلف السادة الفقهاء فيها
إلى مذهبين:
المذهب الأول :
يجوز بيع الحيوان وزنا وجزافا ؛ لعموم قوله تعالى : " وأحل الله البيع" ومنه بيع الحيوان بالوزن ، إذ لا يوجد نص يخرجه عن دائرة البيع الذي أحله الله ، وقال أرباب هذا الاتجاه : إذ جاز بيع الحيوان جزافا وبمجرد المعاينة والتحري فجوازه بالوزن من باب أولى ؛ لأن الوزن أرفع للجهالة والغرر من الجزاف والتحري. ورأى أرباب الإتجاه أن فيه تيسير على المكلفين ورفع للحرج عنهم ، مما يجعل الإفتاء به أقرب إلى روح الشريعة المعظمة.
وممن ذهب إلى هذا : الحافظ بالبرزلي المالكي [1] ، ومن المعاصرين الدكتور صادق الغرياني [2]، وابن باز [3]، وبه أفتت اللجنة الدائمة بالمملكة العريبة السعودية [4]. وغيرهم.
المذهب الثاني:
لا يجوز بيع الحيوان بالوزن ؛ لعموم حديث مسلم " أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغَرَر"، وبيع الحيوان بالوزن يفضي إلى الجهالة والغرر ، فيكون مخصوصا من عموم الآية : "وأحل الله البيع".
وهو مذهب المالكية : جاء في مختصر خليل :"وشاة قبل سلخها" أي؛ يجوز بيع شاة بعد ذبحها وقبل سلخها جزافا لا وزنا ، فتكون قبل الذبح أولى بذلك ، [5]. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: "وَيَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ مَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الْوَزْنِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا فَلَا يَجُوزُ"[مواهب الجليل 4 / 280]. وممن ذهب ابن إلى هذا من المعاصرين ابن عثمين [6]وغيره.
المناقشة :
بعد هذا العرض الموجز لاتجاهات الفريقين ، والمستندات التي اعتمدوا عليها في الإفتاء ، يبدو أن القول بعدم الجواز أولى للأسباب الآتية :
- أن الأصل في الحيوانات أن تباع جزافا ، فيقدر ثمنها بناء على النظر إلى الحيوان ولمسه وتقويمه .
- أن العرف السائد بين الناس هو بيع الحيوان جزافا ، لا سيما البقر والإبل والغنم ، فهذا هو المتعامل به بين الناس في الأسواق وغيرها ، والعرف معمول به ما لم يخالف منصوصا .
- أن بيع الحيوان جزافا لا يترتب عليه غرر فاحش ، بينما بيعه وزنا يؤدي إلى الغرر الفاحش وهو منهي عنه ، فكما قال ابن عثيمين : " ... قد يكون بطنها مملوءا بالماء ، فيزيد وزنها ، فيحسب عليه كيلو الماء مثل كيلو اللحم، وهذه جهالة لا شك ، وربما يتعمد البائع الغش في هذه الحال ، فإذا أراد أن يبيعها ملأ بطنها ماءً ...." [6].
وهذا الذي ذكره ابن عثيمين رأي وجيه جدا ، يكاد يكون مقطوعا به في هذا الزمن الذي فسدت فيه الذمم ، وهو غير خاف على من له أدنى خبرة بما يجري في الأسواق عندنا ، مما يجعل الإفتاء بعدم الجواز أقرب إلى روح الشريعة ، التي من قواعدها : [سد الذرائع] ؛ أي منع الطرق والوسائل المؤدية إلى الفساد قطعا أو ظنا.
ولو كان الغرر يسيرا لكان مغفورا كما قال الفقهاء ، ولكنه ليس بيسير بل هو كثير من فرث ودم وماء قد يصل إلى 10 كيلو أو يزيد ، ولو كان الغرر لانفكاك عنه لكان مغفورا درءا للمشقة ، ولكنه يمكن تفاديه ببيع الجزاف المتعارف عليه ، ثم أن هذا الغرر مفض إلى مفسدة الغش المتوقعة ، والمفسدة المتوقعة كالمفسدة الواقعة أثرا ونتيجة باتفاق أرباب الأصول.
فالقول بعدم الجواز فيه منع للبائع من الوقوع في كبيرة الغش ، وفيه درء للضرر عن المشتري من جهة ثانية.
هذا الذي ظهر لنا من خلال تصور المسألة ، والمقابلة بين دلائل الفريقين ، والله أعلم بالصواب .
المذهب الأول :
يجوز بيع الحيوان وزنا وجزافا ؛ لعموم قوله تعالى : " وأحل الله البيع" ومنه بيع الحيوان بالوزن ، إذ لا يوجد نص يخرجه عن دائرة البيع الذي أحله الله ، وقال أرباب هذا الاتجاه : إذ جاز بيع الحيوان جزافا وبمجرد المعاينة والتحري فجوازه بالوزن من باب أولى ؛ لأن الوزن أرفع للجهالة والغرر من الجزاف والتحري. ورأى أرباب الإتجاه أن فيه تيسير على المكلفين ورفع للحرج عنهم ، مما يجعل الإفتاء به أقرب إلى روح الشريعة المعظمة.
وممن ذهب إلى هذا : الحافظ بالبرزلي المالكي [1] ، ومن المعاصرين الدكتور صادق الغرياني [2]، وابن باز [3]، وبه أفتت اللجنة الدائمة بالمملكة العريبة السعودية [4]. وغيرهم.
المذهب الثاني:
لا يجوز بيع الحيوان بالوزن ؛ لعموم حديث مسلم " أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغَرَر"، وبيع الحيوان بالوزن يفضي إلى الجهالة والغرر ، فيكون مخصوصا من عموم الآية : "وأحل الله البيع".
وهو مذهب المالكية : جاء في مختصر خليل :"وشاة قبل سلخها" أي؛ يجوز بيع شاة بعد ذبحها وقبل سلخها جزافا لا وزنا ، فتكون قبل الذبح أولى بذلك ، [5]. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: "وَيَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ مَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الْوَزْنِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا فَلَا يَجُوزُ"[مواهب الجليل 4 / 280]. وممن ذهب ابن إلى هذا من المعاصرين ابن عثمين [6]وغيره.
المناقشة :
بعد هذا العرض الموجز لاتجاهات الفريقين ، والمستندات التي اعتمدوا عليها في الإفتاء ، يبدو أن القول بعدم الجواز أولى للأسباب الآتية :
- أن الأصل في الحيوانات أن تباع جزافا ، فيقدر ثمنها بناء على النظر إلى الحيوان ولمسه وتقويمه .
- أن العرف السائد بين الناس هو بيع الحيوان جزافا ، لا سيما البقر والإبل والغنم ، فهذا هو المتعامل به بين الناس في الأسواق وغيرها ، والعرف معمول به ما لم يخالف منصوصا .
- أن بيع الحيوان جزافا لا يترتب عليه غرر فاحش ، بينما بيعه وزنا يؤدي إلى الغرر الفاحش وهو منهي عنه ، فكما قال ابن عثيمين : " ... قد يكون بطنها مملوءا بالماء ، فيزيد وزنها ، فيحسب عليه كيلو الماء مثل كيلو اللحم، وهذه جهالة لا شك ، وربما يتعمد البائع الغش في هذه الحال ، فإذا أراد أن يبيعها ملأ بطنها ماءً ...." [6].
وهذا الذي ذكره ابن عثيمين رأي وجيه جدا ، يكاد يكون مقطوعا به في هذا الزمن الذي فسدت فيه الذمم ، وهو غير خاف على من له أدنى خبرة بما يجري في الأسواق عندنا ، مما يجعل الإفتاء بعدم الجواز أقرب إلى روح الشريعة ، التي من قواعدها : [سد الذرائع] ؛ أي منع الطرق والوسائل المؤدية إلى الفساد قطعا أو ظنا.
ولو كان الغرر يسيرا لكان مغفورا كما قال الفقهاء ، ولكنه ليس بيسير بل هو كثير من فرث ودم وماء قد يصل إلى 10 كيلو أو يزيد ، ولو كان الغرر لانفكاك عنه لكان مغفورا درءا للمشقة ، ولكنه يمكن تفاديه ببيع الجزاف المتعارف عليه ، ثم أن هذا الغرر مفض إلى مفسدة الغش المتوقعة ، والمفسدة المتوقعة كالمفسدة الواقعة أثرا ونتيجة باتفاق أرباب الأصول.
فالقول بعدم الجواز فيه منع للبائع من الوقوع في كبيرة الغش ، وفيه درء للضرر عن المشتري من جهة ثانية.
وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ أحمد حماني رحمه الله أجاز بيع الحيوان وزنا ، بشرط انتفاء الجهالة والغرر والغش والخداع .. وذلك بأن تتدخل الحكومة
وتستند الى معرفة رأي الخبراء في وزن الشاة حية ومقدار ما يخرج منها من
فضلات ومن حشايا و أطراف ومن لحم نقي ، ثم
يقدر ثمن الشاة ...[8]
ولو تحقق هذا الاقتراح الذي ذكره الشيخ حماني لكان البيع
وزنا أفضل من بيع الجزاف ؛ لأنه أكثر حسما لمادة الغش ونفي الغرر ، ولا تعارض
بين فتواه هذه وبين فتوى المانعين التي اخترتها في هذا المنشور بل هي معضدة
لها؛ لأن القاعدة الأصولية تنص على أن :" الحكم يدور مع علته عدما ووجودا
". فإذا وجد الغرر منع البيع وإذا نتفى الغر جاز البيع.
هذا الذي ظهر لنا من خلال تصور المسألة ، والمقابلة بين دلائل الفريقين ، والله أعلم بالصواب .
اعترضات والرد عليها
أشكر أمين
المجلس العلمي وكل الإخوة الذين أثروا هذه المسألة بالمناقشة والتوجيه ، وقد اعترض
بعضهم على اختياري لرأي المانعين لبيع النعم وزنا ، بسبعة اعتراضات ، فيما يلي
بيانها والجواب عليها:
1-
يجوز بيع النعم بالميزان قياسا على بيع الدجاج
الجواب: بيع
الدجاج وزنا جرى به العرف بخلاف الأنعام ، والغرر فيه يسير مقارنة بالأنعام ، فليس
غرر يفضي إلى فوات 200 غرام ، كغرر يفضي إلى فوات 10 كيلو مثلا ، والغرر اليسير
مغفورا والغرر الفاحش ممنوع أجماعا .
2-
الغرر في التخلي عن الميزان
الجواب: لا يصح هذا الاعتراض ، لأن في الجزاف يقصد المشتري الذات ، أما في الميزان فيقصد اللحم ، وهناك جزء غير معلوم الوزن لا قيمة له، وهو محتوى المعدة والأحشاء التي تلقى ، فيكون هذا الملقى - حين يباع وزنا- مقابلا بحصة من ثمن المبيع، وهذا غير جائز؛ لجهالة هذه الحصة.
3-
الغش قد يكون في الجزاف ولا تدفعه المعاينة
الجواب: حتى وإن سلمنا بذلك فهو ظاهر قد يدرك بالمعاينة والملامسة ، بخلاف الوزن فهو خفي لا يمكن رأيته بالعين ولا تحديده بالملامسة ، لا يصح ودرء غش بغش أكبر منه ؛ لخفائه وجهالته ، وحتى لو سلمنا بأن الغش لا تدفعه المعاينة فإنها تخفف من حدته ، تطبيقا لقاعدة: "الضرر يدفع بقدر الإمكان" ، ومعناها ما تعذر دفعه بالكلية وجب دفع لقدر الممكن منه وإنما يدفع ذلك بالعدول عن الوزن إلى الجزاف.
4-
الأصل في المعاملات الإباحة
الجواب: صحيح ؛
ولكن أحاديث النهي عن الغرر تعتبر دليلا صارفا عن الإباحة
5-
العرف ليس ملزما وقد يتغير
الجواب: أن العرف
قد يكون ملزما إذ غلب واطرد وتحتم العمل بمقتضاه كبيع الدجاج وزنا ، وقد اتفق الفقهاء
على قاعدة: " العادة محكمة" ، وإذا تغير العرف تغير الأحكام المبنية عليه إلى
ما تقتضيه الأعراف المتجددة ، والشعب الجزائري لا يزال متعارفا على بيع النعم
جزافا ، ولو كان الوزن متعارفا عليه لما سأل الناس عنه ؛ لأن الناس لا يسألون عن
معاملة شائعة متعارف عليها بينهم منذ قرون
، وإنما يسألون عن النوازل المتجددة ، فبيع النعم وزنا يعتبر نازلة مخالفة لعرف
الناس ، فاحتيجت إلى تصورها وتكييفها ثم بيان حكمها.
6-
الغرر يوجد أيضا في أجرة الحمام مقابل كمية من الماء غير
معلومة.
الجواب: أجمع
الفقهاء أن ذلك إنما جاز للحاجة الموقعة
في الحرج ، ولا حاجة ملجئة إلى الوزن ، مع
إمكان المعاينة.
7-
الوزن يكون مصحوبا بالمعاينة
الجواب: لا عبرة
للمعاينة مع الوزن ؛ لأنها يستحيل أن تحدد
كمية الحصة التي ستلقى من الحيوان الموزون ، فيبقى الغرر قائما.
والله أعلم
----------------------------------------------------------------------------------
1شرح المختصر للخرشي:ج5 ص 23، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبيرج 3 ص16
2- فتاوى المعاملات الشائعة للغرياني: ص: 15.
3- انظر موقع ابن باز على هذا الرابط http://www.binbaz.org.sa/
4- رقم الفتوى (13/290)
5-شرح المختصر للخرشي:ج5 ص 23،وحاشية الدسوقي على الشرح الكبيرج 3ص16
6- اللقاء الشهري 7 / 17
7- نفسه
8- انظر : فتاوي الشيخ أحمد حماني استشارات شرعية ومباحث فقهية ص4 / 132
1شرح المختصر للخرشي:ج5 ص 23، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبيرج 3 ص16
2- فتاوى المعاملات الشائعة للغرياني: ص: 15.
3- انظر موقع ابن باز على هذا الرابط http://www.binbaz.org.sa/
4- رقم الفتوى (13/290)
5-شرح المختصر للخرشي:ج5 ص 23،وحاشية الدسوقي على الشرح الكبيرج 3ص16
6- اللقاء الشهري 7 / 17
7- نفسه
8- انظر : فتاوي الشيخ أحمد حماني استشارات شرعية ومباحث فقهية ص4 / 132
كنت قد قرأت فتوى لابن عثيمين بعدم جواز بيع الدجاج بالوزن أيضا لما فيه من الغرر؟فأرجوا التوضيح
ردحذف