......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الثلاثاء، 8 أغسطس 2017

حكم بيع الحيوان بالميزان

كلما اقترب عيد الأضحى المبارك كثر التساؤول عن حكم بيع الأضحية بالميزان ، والمسألة لا تتعلق بخصوص الأضحية ، بل ببيع الحيوان بالميزان عموما ، وقد اختلف السادة الفقهاء فيها إلى مذهبين:

المذهب الأول :
يجوز بيع الحيوان وزنا وجزافا ؛ لعموم قوله تعالى : " وأحل الله البيع" ومنه بيع الحيوان بالوزن ، إذ لا يوجد نص يخرجه عن دائرة البيع الذي أحله الله ، وقال أرباب هذا الاتجاه : إذ جاز بيع الحيوان جزافا وبمجرد المعاينة والتحري فجوازه بالوزن من باب أولى ؛ لأن الوزن أرفع للجهالة والغرر من الجزاف والتحري. ورأى أرباب الإتجاه أن فيه تيسير على المكلفين ورفع للحرج عنهم ، مما يجعل الإفتاء به أقرب إلى روح الشريعة المعظمة. 

وممن ذهب إلى هذا : الحافظ بالبرزلي المالكي [1] ، ومن المعاصرين الدكتور صادق الغرياني [2]، وابن باز [3]، وبه أفتت اللجنة الدائمة بالمملكة العريبة السعودية [4]. وغيرهم.

المذهب الثاني:
لا يجوز بيع الحيوان بالوزن ؛ لعموم حديث مسلم " أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغَرَر"، وبيع الحيوان بالوزن يفضي إلى الجهالة والغرر ، فيكون مخصوصا من عموم الآية : "وأحل الله البيع". 

وهو مذهب المالكية : جاء في مختصر خليل :"وشاة قبل سلخها" أي؛ يجوز بيع شاة بعد ذبحها وقبل سلخها جزافا لا وزنا ، فتكون قبل الذبح أولى بذلك ، [5]. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: "وَيَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ مَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الْوَزْنِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا فَلَا يَجُوزُ"[مواهب الجليل 4 / 280]. وممن ذهب ابن إلى هذا من المعاصرين ابن عثمين [6]وغيره.

المناقشة :
بعد هذا العرض الموجز لاتجاهات الفريقين ، والمستندات التي اعتمدوا عليها في الإفتاء ، يبدو أن القول بعدم الجواز أولى للأسباب الآتية :

- أن الأصل في الحيوانات أن تباع جزافا ، فيقدر ثمنها بناء على النظر إلى الحيوان ولمسه وتقويمه .

- أن العرف السائد بين الناس هو بيع الحيوان جزافا ، لا سيما البقر والإبل والغنم ، فهذا هو المتعامل به بين الناس في الأسواق وغيرها ، والعرف معمول به ما لم يخالف منصوصا .

- أن بيع الحيوان جزافا لا يترتب عليه غرر فاحش ، بينما بيعه وزنا يؤدي إلى الغرر الفاحش وهو منهي عنه ، فكما قال ابن عثيمين : " ... قد يكون بطنها مملوءا بالماء ، فيزيد وزنها ، فيحسب عليه كيلو الماء مثل كيلو اللحم، وهذه جهالة لا شك ، وربما يتعمد البائع الغش في هذه الحال ، فإذا أراد أن يبيعها ملأ بطنها ماءً ...." [6]. 

وهذا الذي ذكره ابن عثيمين رأي وجيه جدا ، يكاد يكون مقطوعا به في هذا الزمن الذي فسدت فيه الذمم ، وهو غير خاف على من له أدنى خبرة بما يجري في الأسواق عندنا ، مما يجعل الإفتاء بعدم الجواز أقرب إلى روح الشريعة ، التي من قواعدها : [سد الذرائع] ؛ أي منع الطرق والوسائل المؤدية إلى الفساد قطعا أو ظنا.

ولو كان الغرر يسيرا لكان مغفورا كما قال الفقهاء ، ولكنه ليس بيسير بل هو كثير من فرث ودم وماء قد يصل إلى 10 كيلو أو يزيد ، ولو كان الغرر لانفكاك عنه لكان مغفورا درءا للمشقة ، ولكنه يمكن تفاديه ببيع الجزاف المتعارف عليه ، ثم أن هذا الغرر مفض إلى مفسدة الغش المتوقعة ، والمفسدة المتوقعة كالمفسدة الواقعة أثرا ونتيجة باتفاق أرباب الأصول.

فالقول بعدم الجواز فيه منع للبائع من الوقوع في كبيرة الغش ، وفيه درء للضرر عن المشتري من جهة ثانية.

وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ أحمد حماني رحمه الله أجاز بيع الحيوان وزنا ، بشرط انتفاء الجهالة والغرر والغش والخداع .. وذلك بأن تتدخل الحكومة وتستند الى معرفة رأي الخبراء في وزن الشاة حية ومقدار ما يخرج منها من فضلات ومن حشايا و أطراف ومن لحم نقي ، ثم يقدر ثمن الشاة ...[8]

 ولو تحقق هذا الاقتراح الذي ذكره الشيخ حماني لكان البيع وزنا أفضل من بيع الجزاف ؛ لأنه أكثر حسما لمادة الغش ونفي الغرر ، ولا تعارض بين فتواه هذه وبين فتوى المانعين التي اخترتها في هذا المنشور بل هي معضدة لها؛ لأن القاعدة الأصولية تنص على أن :" الحكم يدور مع علته عدما ووجودا ". فإذا وجد الغرر منع البيع وإذا نتفى الغر جاز البيع.

هذا الذي ظهر لنا من خلال تصور المسألة ، والمقابلة بين دلائل الفريقين ، والله أعلم بالصواب .


اعترضات والرد  عليها
أشكر أمين المجلس العلمي وكل الإخوة الذين أثروا هذه المسألة بالمناقشة والتوجيه ، وقد اعترض بعضهم على اختياري لرأي المانعين لبيع النعم وزنا ، بسبعة اعتراضات ، فيما يلي بيانها والجواب عليها:

1-    يجوز بيع النعم بالميزان قياسا على بيع الدجاج

الجواب: بيع الدجاج وزنا جرى به العرف بخلاف الأنعام ، والغرر فيه يسير مقارنة بالأنعام ، فليس غرر يفضي إلى فوات  200 غرام ، كغرر  يفضي إلى فوات 10 كيلو مثلا ، والغرر اليسير مغفورا والغرر الفاحش ممنوع أجماعا . 

2-    الغرر في التخلي عن الميزان
الجواب: لا يصح هذا الاعتراض ، لأن في الجزاف يقصد المشتري الذات ، أما في الميزان فيقصد اللحم ، وهناك جزء غير معلوم الوزن لا قيمة له، وهو محتوى المعدة والأحشاء التي تلقى ، فيكون هذا الملقى - حين يباع وزنا- مقابلا بحصة من ثمن المبيع، وهذا غير جائز؛ لجهالة هذه الحصة.
3-    الغش قد يكون في الجزاف ولا تدفعه المعاينة
الجواب: حتى وإن سلمنا بذلك فهو ظاهر قد يدرك  بالمعاينة  والملامسة ، بخلاف الوزن فهو خفي لا يمكن رأيته بالعين ولا تحديده بالملامسة ، لا يصح ودرء غش  بغش أكبر منه ؛ لخفائه  وجهالته ، وحتى لو سلمنا بأن الغش لا تدفعه المعاينة فإنها تخفف من حدته ، تطبيقا لقاعدة: "الضرر يدفع بقدر الإمكان" ، ومعناها ما تعذر دفعه بالكلية وجب دفع لقدر الممكن منه وإنما يدفع ذلك بالعدول عن الوزن إلى الجزاف.
4-    الأصل في المعاملات الإباحة

الجواب: صحيح ؛ ولكن أحاديث النهي عن الغرر تعتبر دليلا  صارفا عن الإباحة

5-    العرف ليس ملزما وقد يتغير 

الجواب: أن العرف قد يكون ملزما إذ غلب واطرد وتحتم العمل بمقتضاه كبيع الدجاج وزنا ، وقد اتفق الفقهاء على قاعدة: " العادة محكمة" ،  وإذا تغير العرف تغير الأحكام المبنية عليه إلى ما تقتضيه الأعراف المتجددة ، والشعب الجزائري لا يزال متعارفا على بيع النعم جزافا ، ولو كان الوزن متعارفا عليه لما سأل الناس عنه ؛ لأن الناس لا يسألون عن معاملة شائعة متعارف عليها بينهم منذ  قرون ، وإنما يسألون عن النوازل المتجددة ، فبيع النعم وزنا يعتبر نازلة مخالفة لعرف الناس ، فاحتيجت إلى تصورها وتكييفها ثم بيان حكمها.

6-    الغرر يوجد أيضا في أجرة الحمام مقابل كمية من الماء غير معلومة. 

الجواب: أجمع الفقهاء أن ذلك إنما جاز  للحاجة الموقعة في الحرج ،  ولا حاجة ملجئة إلى الوزن ، مع إمكان المعاينة.

7-    الوزن يكون مصحوبا بالمعاينة

الجواب: لا عبرة للمعاينة مع الوزن ؛ لأنها يستحيل أن  تحدد كمية الحصة التي ستلقى من الحيوان الموزون ، فيبقى الغرر قائما.

والله أعلم

 ----------------------------------------------------------------------------------
1شرح المختصر للخرشي:ج5 ص 23، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبيرج 3 ص16
2- فتاوى المعاملات الشائعة للغرياني: ص: 15.
3- انظر موقع ابن باز على هذا الرابط http://www.binbaz.org.sa/
4- رقم الفتوى (13/290)
5-شرح المختصر للخرشي:ج5 ص 23،وحاشية الدسوقي على الشرح الكبيرج 3ص16
6- اللقاء الشهري 7 / 17
7- نفسه

 8- انظر : فتاوي الشيخ أحمد حماني استشارات شرعية ومباحث فقهية ص4  / 132

هناك تعليق واحد:

  1. كنت قد قرأت فتوى لابن عثيمين بعدم جواز بيع الدجاج بالوزن أيضا لما فيه من الغرر؟فأرجوا التوضيح

    ردحذف