......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الجمعة، 18 أغسطس 2017

ذكرى يوم المجاهد " قصتها وأهدافها ونتائجها ودلالاتها "



الحمد لله الذي أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، الحمد لله الذي من علينا بالحرية والانتصار ، بعد قرن وربع من القهر و الاستعمار ، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصفى المختار ، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار ، وصحابته الأخيار ، صلاة وسلاما دائمين متلازمين ما بقي الليل والنهار .

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"[التوبة119].

أيها الإخوة  الكرام: نحمد الله الذي من علينا في هذه البقعة الطاهرة بالسيادة والانتصار ، بعد القهر والاستعمار ، " واذكروا إذ انتم قليل  مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون"[الانفال26]. فاللهم لك الحمد ولك الشكر على تأييدك ونصرك ، ونسألك اللهم المزيد من فضلك.

أيها الطيبون الأكارم : إن تاريخنا الزاهر لمليء بالتضحيات والبطولات النادرة ، وإن في أحداثه لعبرة  ومزدجرا ، وإن في أنبائه لعظة وذكرى  ، ومن أيام تاريخنا المجيد ، الحافلة بكل ذكر حميد ، والتي تستحق من العانية والدراسة المزيد ؛ لنستلهم من عبرها  ودروسها ما يفيدنا في حاضرنا ومستقبلنا .. من ذلك " ما اصطلح عليه في عرفنا الوطني بيوم المجاهد "، الذي تخلد ذكراه  حدثا هاما وبارزا في عمر الثورة الجزائرية المباركة وهو هجوم الشمال القسنطيني ، الذي انطلق يوم   20 أوت 1955 م الموافق لأول محرم 1375 هـ ، بقيادة الشهيد البطل زغيود يوسف رحمه الله تعالى.

فكان هذا اليوم المبارك  أحد أيام الله  الخالدة ، التي ينبغي التذكير بها، عملا بعموم قوله تعالى:"وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" [ابراهيم5 ]..

وقد أطلق اسم "المجاهدعلى هذا اليوم :

-    تذكيرا للأجيال بهذا الحدث الهام ، الذي يعد من أبرز العوامل في نجاح الثورة التحريرية ، واسترجاع السيادة الوطنية.

-    وتخليد لتضحيات المجاهدين وإقرارا بفضلهم ، الذي نوه به القرآن المجيد في أكثر من آية منها قوله تعالى :" وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا"[النساء95].وقال عليه الصلاة والسلام – فيما أخرجه مسلم في صحيحه - : " مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم، وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة".

أيها الإخوة  الكرام: إن هجوم الشمال القسنطيني في  20 أوت .. يعتبر منعطفا تاريخيا هاما في مسيرة ثورتنا المجيدة ، ولقد كان صاحب فكرة الهجوم الشهيد زيغود يوسف يريد في بداية الأمر أن ينظمه عبر كامل التراب الوطني ، غير أن خطورة الوضع أنذاك لم تسمح بالقدوم على اتخاذ هذا القرار ، فتركز الهجوم على بعض المدن ، منها : مدينة سكيكدة ، والقل ، والحروش ، ووادي الزناتي ، وقالمة ، وميلة ، و قسنطينة ، والخروب ... واستمر لمدة أسبوع ، تكبد خلالها العدو ضربات موجعة من قبل المجاهدين ، ومن قبل الشعب الجزائري المشارك في هذا الهجوم ، الذي كان من أهم أهدافه :

1-  فك الحاصر عن المجاهدين المرابطين في الأوراس ، ورفع معنويات المجاهدين بصفة خاصة ، والشعب الجزائري بصفة عامة. 

2-    التأكيد على استمرارية الثورة وشموليتها ، وأنها غير منحصرة في مناطق محدودة ، أو في ثوار معدودين


3-  إثبات شعبية الثورة  وتفنيد افتراءات الاستعمار الفرنسي، التي كانت توهم الرأي العام ، في الداخل والخارج ،  بأن الثورة ما هي إلا مؤامرة دبرها بعض الخارجين عن القانون ، من اللصوص وقطاع الطرق 
.
4-    تعميم الثورة عبر ربوع الوطن ، وترسيخها في الجماهير الشعبية من خلال إشراكها  في هذا الهجوم .

5-     لفت أنظار الرأي العام الدولي للقضية الجزائرية.

6-  وليس من قبيل الصدفة أن يصادف 20 أوت ذكرى نفي ملك المغرب محمد الخامس إلى مدغشقر ، بل كان ذلك  تأكيدا وترسيخا للوحدة والتضامن بين المؤمنين في مختلف الأقطار المغاربية ؛ باعتبارهم جسدا واحدا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، كما جاء في حديث النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام.

وبحمد الله ومنته وتوفيقه ، أتت تلك الهجمات ثمارَها ، وحققت غاياتِها وأهدافَها ، وشجعت الجزائريين على الانضمام للثورة التحريرية ، والمضي قدما في استرجاع السيادة الوطنية ، كما ساعدت على تدويل القضية الجزائرية ... وما كان الله ليخيب أمل من جاهد  في سبيله ، أو يضيع أجر من أحسن عملا ... ولكن إنما كان ذلك بعد  تضحيات جسام ، وبعد سقوط قوافل عديدة من الشهداء ، قدرتها الإحصائيات  بأكثر من اثني عشر ألف شهيد .. حيث رد المستعمر – كعادته - على تلك الهجمات بقمع ووحشية ، استهدفت كل المواطنين دون تمييز .. تلكم هي قصة هجمات الشمال القسنطيني بإيجاز.


أيها الإخوة الكرام : إن أحداث هجوم الشمال القسنطيني  ترشدنا إلى عدة دلالات، نذكر منها:

1-    أن قوة الأيمان والثقة بالله تعالى لن تقف أمامها أي قوة في العالم ؟  فإن الاستعمار الفرنسي-   الذي أراد أن يسلخ شعبا بأكمله عن هُويته - قد تلاشت كل عوامل قوته المادية أمام صمود شعبنا ، وأمام تضحيات المجاهدين الشجعان ؛ "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ"[آل عمران 174].

2-    أن حقيقة التوكل على الله أن تتخذ ما استطعت من الأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تعتمد على الله وكأن تلك الأسباب ليست بشيء ، كما قال عليه الصلاة والسلام لصاحب الناقة : " أعقلها وتكل على الله " [ رواه الترمذي]. وهو ما جسده مجاهدونا على أرض الواقع ؛ إذ لم يدعوا خطة لنجاح قضيتهم إلا وسلكوها ، ثم ألقوا بأنفسهم في ساحات الوغى ، غير وجلين ولا عابئين بالقوة المادية للاستعمار الغاشم ، "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرهِ "[ الطلاق3]. 

3-    أن النجاة تكمن في الصدق مع الله ، فالذين خططوا لهذه الثورة ، ووضعوا أطرها التنظيمية المحكمة ،  لم يتخرجوا من أكادميات عسكرية أو سياسية ... وإنما كانوا شبابا بسطاء آمنوا بالله وتشبعوا بالروح الوطنية ، ولكنهم صدقوا الله فصدقهم ونجاهم بصدقهم ، "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ "[الاحزاب23]... فاتقوا الله أيها المؤمنون وكونوا مع الصادقين يحقق لكم آمالكم في عاجلكم وعاقبة أمركم.

4-    إن آباءنا الذين جاهدوا في سبيل الله واستشهدوا.. والذين آووا ونصروا .. والذين أوذوا وعذبوا .. كلهم قد صبروا لله واحتسبوا .. وأدوا أماناتهم ووفوا بعهودهم مع الله .. وواجب علينا الوفاء بعهدهم وحفظ أمانتهم ، المتمثلة بإيجاز في حفظ الجزائر التي زرعوها بأعظمهم وسقوها بدمائهم ، وإنما نحفظها ونحميها بالوفاء لإسلامنا ، والمحافظة على وحدتنا ، فلولا الوفاء لإسلامنا لما قرر الشعب يوما مئالا ، ولولا اتحادنا لما حققنا يوما انتصارا .

فنسأل الله تعالى أن يجازي مجاهدينا خير الجزاء ، وأن يرحم شهداءنا الأبرار بواسع رحمته ، وأن يسكنهم فسيح جنانه ، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا ، ونسأله تعالى أن يمن علينا في هذه البقعة الطاهرة – الجزائر – بالأمن والاستقرار ، والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ومن أرادنا  بسوء  فنسأل الله أن يجعل تدبيره في نحره وأن يشغله بنفسه .

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين







هناك تعليقان (2):