الخطبة االأولى
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على
الظالمين ، وأشهد أن لا إله الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو
على كل شىء قدير ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ،
والسراج المنير ، اللهم صل وسلم وبارك على
سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ، أما بعد:
فيقول الله تعالى : "وَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ
شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" [البقرة216].
هذه الآية الكريمة تعتبر قاعدة قرآنية ضابطة لكفية التعامل مع مشاق
الحياة الدنيا ومصائبها وابتلاءاتها .... والآية قد نزلت في الجهاد ، واعتبرته خيرا على الرغم مما فيه من مشقة وألم ؛ لأن عاقبته
محمودة ، فهي إما نصر وسيادة ، وإما شهادة
وسعادة.
كما اعتبرت الآية التقاعس
عن الجهاد شرا على الرغم مما فيه من راحة للنفوس ؛ لأن عاقبة التقاعد
عن الجهاد والخلود إلى الراحة مذمومة ومشؤومة ، لكونها ذريعة إلى الهزيمة والمذلة
... والوقع خير شهاد على ذلك ، فإنه لما ترك المسلمون الجهاد وخلدوا إلى الراحة وآثروا حياة الرفاهية ، ضاعت منهم الأندلس ، وضاعت منهم بيت المقدس ، وصارت كلمتهم سائبة وكلمة غيرهم مسموعة ومعتبرة.
وكون الآية نزلت في الجهاد ، لا يعني أنها خاصة به لا تتعداه إلى
غيره ، فهناك قاعدة أصولية تقول : (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص
السبب ) ، ولذلك فالآية تشمل بعموم لفظها كل ما
قد يصيب الإنسان في نفسه ، أو في أهله وولده ، أو في ماله ووظيفته ... من أمور يكرهها ولا
يشتهيها ، وقد تفوته أشياء يحبها ويحرص على تحصيلها ، وتلك طبيعة الحياة الدنيا فهي لا تستقر على حال
، وقد قال الله تعالى " لقد خلقنا الإنسان في كبد"[ البلد4]. ، قال الحسن البصري رحمه
الله في تفسيرها : "يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة " [الجامع لأحكام القرآن
للقرطبي ج 2ص 56]، وما أكثر العقبات والمعوقات التي تعترض سبيل الإنسان
في هذه الحياة المتقلبة !! كما قال مصطفى حمام رحمه الله :
عـلـمـتني الحياةُ أنَّ لهــا
طعــمَـيـن
فتعـــــودت حالتيـــــــــها
قريــــــرا
أيـهـا الـناس كلُّنا شاربُ
الكأسَـيـــن
نـحــن كالرّوض نُضْــــــــرة
وذُبولا
نـحـن كـالـريح ثـــــــــورة
وسكـونا
|
مُـراً ، وسائغاً معســـــــــــولا
وألفــــــتُ التغيـــير
والتبديلا
إنْ عـلقماً وإنْ سلسبـــــــــيلا نـحـن كـالـنَّجم مَطلعَاً وأُفـــولا نـحـن كالمُزن مُمسكاً وهطولا |
تلك هي طبيعة الحياة الدنيا التي ينبغي أن نتعرف عليها ؛
لنستعد لمواجهتها ، كما قال الشاعر :
عَرَفْنا اللَّيالي قَبلَ مَا نَزَلَت بِنَا --- فلمَّا دَهَتْنَا لَمْ
تَزِدْنَا بِهَا عِلْما
وتأتي هذه الآية الكريمة لتعلم للمسلم كيف يواجه أعباء الحياة ، فتقول له لا تجزع ولا
تحزن ، ولا تضعف أمام ما يصيبك من محن الدنيا ، و لا تتوهم أن ما أصابك فيها هو
الضربة القاضية، المحطمة لحياتك والمبددة لآمالك ، ولا تنظر عند قدميك فقط ، بل
اجعل نظرك بعيد المدى ، فإن ما تعيشه اليوم من محنة قد يتحول غدا إلى منحة ، وأن
ما تسعى إليه وتبذل الغالي والنفيس من أجل الحصول عليه ، قد يكون فيه هلاكك لذلك
صرفه الله عنك ؟! ذلك معنى قوله تعالى: "وَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". تأمل جيدا في هذا النص : " وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".
وإذا تبين لك هذا ، فاعلم أن إعمال هذه القاعدة القرآنية ،
وتطبيقها في واقع حياتك ، والسير على ضوءها من شأنه أن يملأ قلبك طمأنينة وراحةً ، ويبعث في
نفسك الأمل والطموح ، ويدفع عنك القلق الذي قد يعصف بحياتك ، فلا تكن كضعفة
الإيمان الذين قد تنهار نفوسهم ، أوربما عقولهم ، بسبب موقف من المواقف المحزنة، أو
قدر من الأقدار المؤلمة ؟! المؤلمة في الظاهر وحسب الناظر القاصر ، ولكن لو نظروا
إلى مآلاتها لاطمأنت قلوبهم ، واستراحت نفوسهم ...
ولهذه القاعدة القرآنية تطبيقات لا حصر لها في واقع الحياة ، نذكر منها في
هذا المقام :
أولا : انظر إلى أم موسى عليه السلام كيف ألهمها الله أن
ترضعيه ، ثم ترميه في البحر متى خافت عليه من جنود فرعون ، الذين يقومون بدوريات تفتيش
مستمرة ، بحثا عن ذكور بني إسراءئيل
ليذبحوهم ، و إنه لأمر مؤلم ومحزن
أن ترمي والدة ولدها في البحر ، ثم بعد
رميه في البحر يقع بيد آل فرعون ، لكن هذا الأمر – الذي لا أكره منه لأم موسى - قد
ظهرت عواقبه المحمودة في مستقبل الأيام ، فقد رده الله إلى أمه وجعله من المرسلين
، وكان سببا في هلاك فرعون وجنوده أجمعين "وَاللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ، لذلك ينبغي أن نحسن تفسير ما ينزل بنا من
مصائب ، بأن ننظر إلى نتائجها وعواقبها ولا نقف عند ظواهرها ، وقد كان التعبير
القرآني دقيقا في الإخبار عن هذه الحقيقة ، حينما قال تعالى – مخبرا عن موسى - : "فَالْتَقَطَهُ آلُ
فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا " [القصص8]. ، فاللام في قوله تعالى (لـــــــــــــِيَكُونَ) ليست لام التعليل بل تسمى
بلام العاقبة ؛ لأنهم التقطوه ليكون لهم قرة عين ، ولكن عاقبة التقاطه كانت على
عكس ما يشتهون ، ولله في خلقه شؤون.
ثانيا: تأمل
في قصة الصديق يوسف عليه السلام ، تجد أن هذه الآية منطبقة تماما على ما جرى له ولأبيه
يعقوب عليهما السلام ، فقد تآمر عليه إخوته بدافع الحسد ؛ فرموه في البئر ، ثم
جاءت قافلة فأخذته معها إلى مصر ، ثم بيع عبدا هناك ، ثم تعرض لكيد النساء ، وسجن
بسببه بضع سنين ، وقد مرات سنوات مؤلمة عليه وعلى أبيه ، "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ
خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ، فكل ما جرى
ليوسف وأبيه إنما كان امتحانا لهما ، جاء بعده
الفرج .. وأعقبه النصر والتمكين .. "وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا
لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا
مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ "
[يوسف 56]. و(( لا تمكين إلا بعد ابتلاء وتمحيص)) ، والمتأمل في حياة الأنبياء والصالحين ،
والعظماء عبر التاريخ ، يجدها لا تخرج عن هذا القانون المطرد ، وقد شهد الواقع أن
الله يبتلي بعض عباده ليؤهلهم بذلك إلى
القيام بمهام عظيمة ، لا يستطيعون القيام بها مالم يمتحنوا ، لأن ذلك
الامتحان هو بمنزلة التدريب والتمرين لهم على تحمل المسؤوليات الجسام ، من خلال
خوض غمار التجارب التي تقيهم من الفشل وتمكنهم من النجاح في حياتهم ومهامهم ،
وقديما قيل :
أفاضل الناس أغراض لذا
الزمن --- يخلو من الهم أخلاهم من الفطن
ثالثا : تأمل في قصة الغلام الذي قتله الخضر بأمر الله تعالى، وقد
كره موسى ذلك ، وقال مستنكرا على لخضر فعلته : " أَقَتَلْتَ نَفْسًا
زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا "(الكهف74) ، فموسى وقف عند ظاهر الأمر ، أما لخضر فنظر إلى
عاقبة الأمر الذي أطلعه الله عليه ، فقال لموسى - معللا قتله للغلام - : "وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ
أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ
رُحْمًا" [الكهف81]. ، وهذا درس عظيم ، فكم من
إنسان – في واقعنا - لم يرزقه الله بولد ، فضاق بذلك ذرعا ، ولو أنه تأمل هذه الآية : "وَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" لاطمئن قلبه وذهبت أحزانه ، فلعل الله إنما صرف هذه النعمة رحمةً به ! وما يدريه ؟ لعله إن رزق
بولد كان - ذلك الولد - سبباً في شقاء
والديه ، وتعاستهما ، وتنغيص عيشهما ! كما في قصة الغلام الذي قتله الخضر عليه
السلام ، ( فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا..).
رابعا: روي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة
فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا
منها، إلا أخلف الله له خيرا منها" [راوه البيهقي في الكبرى رقم
7376]. قالت أم سلمة فلما مات أبو
سلمة (تعني زوجها ) ، قلت : أي المسلمين خير
من أبى سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ثم إني قلتها (أي قالت : إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها) فأخلف الله لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم عليه !
وهذا أيضا درس عظيم ، فكثير
هن النساء العوانس اللواتي لم يرزقهن الله بأزواج ، وكثير هن النساء الأرامل اللواتي
ابتلين بفقد أزواجهن ... ولكل هؤلاء إسوة
حسنة في أم سلمة ، فإنها لما فعلتْ ما
أمرها الشرع به من الصبر والاسترجاع والدعاء المأثور، أعقبها الله خيراً لم تكن
تحلمُ به أبدا ، إذ تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه العانس أو الأرملة
ينبغي ألا تختصر سعادتها أو تحصرها في باب
واحد من أبواب الحياة.
حقيقة أن الشعور بالحزن العارض لا يستطيع أحد الانفكاك عنه ، وفي
الحديث : " إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.." [رواه البخاري في صحيحه رقم1241]. ولكن المطلوب أن لا نحصر حياتنا أو سعادتنا في شيء
واحد .. وألا ندع المصائب تعكر صفو حياتنا .. أو تفسد علاقتنا بربنا .. فإننا إذا أحسنا تفسير مصائب
الحياة الدنيا ، وواجهناها بهذه الآية "وَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" كان بإمكاننا أن نحول أحزاننا إلى مسرات ،
وخسائرنا إلى مكاسب في الحياة ، وانظر إلى سيدنا عبد الله بن عباس حينما فقد عينيه ، وعرف أنه
سيقضى ما بقى من عمره مكفوف البصر، محبوسا وراء الظلمات عن رؤية الحياة والأحياء ،
فإنه لم ينطو على نفسه ليندب حظه العاثر ، بل قبل القسمة المفروضة ، ثم أخذ يضيف
إليها ما يهون المصاب ويبعث على الرضا ، فقال:
إِنْ يَأْخُذِ اللَّهُ مِنْ عَيْنَيَّ
نُورَهُـــمَا فَفِي لِسَـانِي وَسَمْعِي مِنْهُمَا نُورُ
قَلْبِي ذَكِيٌّ وَعَقْلِي غَيْرُ ذِي
دَخَلٍ وَفِي فَمِي صَارِمٌ كَالسَّيْفِ مَأْثُورُ
[المجالسة وجواهر العلم للدينوري القاضي المالكي1914].
وقال بشار بن برد يردّ على خصومه الذين ندّدوا بعماه:
وعيّرني الأعــــداءُ، والعيب
فيهمو فليس بعارٍ أن يقال ضريــــر
إذا أبصــــر المرءُ
المروءةَ والتُّقى فإن عمى العينين ليس
يضير
رأيت العمى أجراً، وذُخراً
وعِصْمة وإني إلى تلك الثلاث فقيـــــر
وخلاصة الخطاب - أيها الإخوة
الكرام - أنه ينبغي للمسلم :
-
أن يرضى بما قسم الله له في
هذه الحياة ، من خِلقة أو معيشة أو حرفة أوزوجة
... وقد قال الله تعالى - في الرجل يكره زوجته - :
" فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا " [النساء19] ، نعم ، قد
يجعل الله لك خيرا كثيرا في زوجتك التي كرهتها ، بينما قد يكون لك في الزوجة التي
أحببتها وحرمت من الظفر بها عذابا أليما وشقاء مستديما ، " وَعَسَى
أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ" ، وقس على ذلك ما
أشبه.
-
كما ينبغي للمسلم أن يتوكل
على الله تعالى ويطلب منه العون والمدد ، وأن ييقدم مع ذلك ما يستطيع من الأسباب
المشروعة ، فإذا وقع شيءٌ على خلاف ما يحب ويشتهي ، فليُعمل - حينئذ - هذه القاعدة
القرآنية العظيمة: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".
-
وما أجمل
أن يواجه أحدنا الحياة وعلى شفتيه بسمة تترجم عن رحابة صدره ، وصفاء سريرته ، وسعة احتماله ، بسمة ترى فى الله عوضا عن كل
فائت ، وفى لقائه المرتقب سلوى عن كل مفقود ..
ولله در القائل (مصكفى حمام):
علمتنى الحيـــــــــاة أن أتلقى كــــــل ألوانها رضـــاً
وقبولا
ورأيت الرضـــــا يخفف أثقالى ويلقى على المآسى ســدولا
والذى ألهم الرضــــا لا تراه أبد الدهر حاســــــداً
أو عذولا
أنا راض بكـــــل ما كتب الله ومُــــــزْجٍ إليه حمـــــداً
جزيلاً
ضل من يحسب الرضا عن هوان أو يراه على النفاق دليلا
فالرضـــا نعمة من الله لم يسعد بها في العـــــباد إلا
القليلا
والرضـــــــــا آية البراءة والإيمان بالله ناصــــــراً
ووكيلاً
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد:
عباد الله أوصيكم ونفسي المخطئة المذنبة بتقوى الله ، فاتقوا الله
حق تقواه ، وراقبوه مراقبة عبد يعلم يقينا أن الله مطلع عليه ويراه ، وتزودوا من
هذه الدار الفانية للآخرة الباقية عملا صالحا يرضاه ، واعلموا أنكم من هذه الدنيا
راحلون وإلى الله راجعون ، وبين يديه واقفون ، وعن أعمالكم محاسبون ، فمن يعمل
مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ، ولا يظلم الله أحدا من
العالمين ، وإن تكن حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما.
وإن الله قد أمركم بأمر عظيم ، بدأه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه ، وثلث
بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه ، فقال عز من قائل ، ولم يزل قائلا عليما ، وآمرا
حكيما :(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً).
فاللهم وصل وسلم وبارك على البشير النذير ، والسراج المنير ، وعلى
آله الأطهار وصحابته الأخيار ، خصوصا على أجلهم قدرا وأرفعهم ذكرا ، ذوي المقام
العلي والقدر الجلي ، ساداتنا وأئمتنا الفضلاء ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى
الستة الباقين من العشرة المبشرين بالجنة ، وعلى الحسنين الأحسنين أبي محمد الحسن
وأبي عبدالله الحسين ، وعلى أمهما الزهراء وخديجة الكبرى وعائشة الرضى ، وبقية
أزواج النبي المصطفى ، وعلى الصحابة أجمعين ، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وانصر الإسلام
والمسلمين ، واجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين ، واخذل الكفرة والمشركين ، والملحدين
والمبتدعين ، وأصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين ، وأهلك من في هلاكه صلاح
للإسلام والمسلمين ، وامدد بنصرك وتأييدك وحسنك توفيقك ملوك ورؤساء المسلمين ، ولم
شعثنا واجمع شملنا ووحد كلتنا ، وانصرنا على من خالفنا ، واحفظ بلادنا وأصلح
أزواجنا وذرياتنا ، واشف مرضانا وعاف مبتلانا ، وارحم موتانا ، واغفر اللهم
لوالدينا ولمن علمنا ولمن أحسن إلينا ، ولسائر المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين
والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق