......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الاثنين، 29 ديسمبر 2014

وقفات مع ذكرى المولد النبوي الشريــف


محامد
الحمد لله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، وأكرمنا بهذه الشريعة الإسلامية الواضحة الغراء  ،  القائمة على أساس جلب المصالح و درء المفاسد ، فمن اتبع هداها نال سعادة الدنيا والآخرة ، و من جحدها وكفر بها حشر في زمرة الأشقياء الجاهلين ، والكفرة الفاجرين .والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين ، وسيد الأولين والآخرين ، محمد بن عبد الله أكرم الرسل ، وأفضل البشر ، وأول العظماء الخالدين ،  صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين ، وصحابته أجمعين ، ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين .
مقدمة

 أيها الأخوة الكرام... قال حسان بن ثابت في مدح خير البرية :
وأحسن منك لم تر قــــــــط عيني        وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مــــــبرأ ً مـن كــــل عيــب         كأنك قد خلقت كما تـشاء
في هذه الأيام المباركات نستقل ذكرى مولد الحبيب محمد  صلى الله عليه وسلَّم ، الذي  حرر العباد من قيود العبودية لغير الله ، ونشر الرحمة في النفوس ، وزرع المحبة في القلوب ،  ونزع الضغائن والأحقاد من الصدور، ونصر الضعفاء ، وسود العبيد ، وأكرم كريم كل قوم ، إلا من أبى وتولى ، وألف بين القبائل المتناحرة ، والجماعات المتنافرة ، وكون من تك الطوائف المتدارئة أمة عظيمة ، أضحت خير الأمم على الإطلاق ، كما قال تعالى : " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ..." [ آل عمران 110 ] واستطاع في وقت قصير أن يعيد للإنسانية كرامتها التي انسلخت عنها دهرا طويلا ، وينقذ البشرية من تلك الأوضاع السيئة المؤلمة ، وينقلها نقلة بعيد المدى إلى مستويات رفيعة من الأدب والتقى.
إنه الحبيب محمد الذي كلفه ربه بتبديد الظلمات التي أحاطت بالناس في مختلف مناحي حياتهم،  " الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ .. "[ إبراهيم 2 ] وخاطبه ربه بقوله : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا" [الأحزاب46]  وصفه بالسراج المنير الذي "يجلو الظلمات ، ويكشف الشبهات ، وينير الطريق ، نوراً هادئاً هادياً كالسراج المنير في الظلمات ، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم   وما جاء به من النور[1] "                     
 يا خـير من دُفِنَتْ بالقاعِ أعظُمُــهُ       فطـــــاب من طيبِهِنَّ القاعُ والأكَمُ
 نـفسي الفــــــداء لقبٍر أنت سـاكِـنُه       فيه الـعــفافُ وفيه الجودُ والـكرمُ
أنت الشفيعُ الذي تُرجى شفاعَتـــُهُ        عِندَ الـصراطِ إذا مـا زلَّت القـــدمُ
أيها الإخوة الكرام : بهذه المناسبة الطيبة ، نقف وقفات مختصرات مع بيان الحقائق الآتية:
أولا:   كونه  صلى الله عليه وسلم  من  أعظم  النعم على الإطلاق
فقد امتن الله به على العباد قاطبة ، فقال الله تعالى:" لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ "[آل عمران:164]، فمحمد صلى الله عليه وسلم  من أعظم النعم وأجلها قدرا ، به أخرجنا الله من الظلمات إلى النور ، ومن الضلالة إلى الهداية ..فلولاه ما اهتدينا ولا صمنا ولا صلينا...

محمد طـــــــــــــابـت الدنيــا ببعـثـــــــــتـه             محمد جـــــــــــاء بالآيــات والحكــــــــم

محمد يوم بعث الناس شافعنا            محمد نـوره الهادي من الظلم

محمد ذكــــــــره روح لأنفســـــــنا            محمد شكره فرض على الأمــم

ثانيا:   الفرح   به صلى الله عليه وسلم  مطلب شرعي
لقول الله تعالى:" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ "[يونس:58]، فيدخل في عموم هذا النص الفرح بمولده وبعثته ودينه وسنته ....... ؛ وكيف لا يفرح المؤمنون بمولد سيد الكائنات الذي  بدت تباشير الفرح على هذا الكون كله بولادته صلى الله عليه وسلم ، وأشرقت أنوار الرحمة ببعثته ، وانتشرت السعادة في الكون بدعوته .......

وُلِــدَ الهُــدى فَالكائِناتُ ضِــــيــاءُ         وَفَمُ الزَمـــــانِ تَبَسُّــمٌ وَثَــــــنــاءُ
الروحُ وَالمَــلَأُ المَلائِكُ حَـــــــولَهُ         لِلـــدينِ وَالــدُنيــا بِهِ بُشَـــــــــــــراءُ

ثالثا:   العلم  بسيرته  صلى الله عليه وسلم  واجب
فيجب أن نعتقد جميعاً بأن معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم   فرضُ عينٍ على كل مسلم ، وكونها فرض عين يعني أنه لا يُعفى مسلمٌ كائناً مَنْ كان مِن معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم  ، لقول الله تعالى: " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً"[ سورة الأحزاب: 21] . ووجه الاستدلال : أن  التأسي به واجب ، ولن يكون لك النبي صلى الله عليه وسلم  أسوة حسنة حتى تعرف سيرته :  مواقفه.. وشجاعته.. ورحمته.. وعدله.. وعلاقته بأزواجه..وعلاقته بإخوانه.. وعلاقته بجيرانه... فكيف تتخذ النبي أسوةً وقدوةً ومثلاً أعلى إن لم تعرف سيرته ومواقفه؟
رابعا:   اتباعه  صلى الله عليه وسلم  دليل على محبة الله تعالى
كلنا ندعي محبة الله تعالى ، لكن هذه دعوة تحتاج إلى دليل، وقد كَثُر المُدَّعون ، والدليل على محبة الله تعالى اتباع سنة النبي، قال تعالى: " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ "[سورة آل عمران: 31] . فلا دعوى إلا بدليل، ودعوى محبة الله دعوى عريضة يدَّعيها كل إنسان، ولكن الفَيْصَل الدقيق، والبرهان الساطع هو: اتباع سُنة النبي صلى الله عليه وسلم  ، فإيَّاك أن توهِم نفسك أنك محبٌ لله وأنت لا تتبع سُنَّة رسول الله ، وإياك أن تتوهَّم أن الله يحبك وأنت لا تتبع سنة رسول الله..
خامسا:   أعظم محبوب بعد الله هو محمد  صلى الله عليه وسلم
وأعظم محبوب بعد الله تعالى هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعلت محبته فوق محبة النفس و المال والوالد و الولد ... جاء في حديث عمر بن الخطاب أنه قال للنبي : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي : "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له عمر: فإنك الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي : "الآن يا عمر" [2] أي الآن حققت المحبة الحقيقية وبلغت حقيقة الإيمان. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي : "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"[3] فلا أحد يبلغ حقيقة الإيمان حتى يحب النبي أكثر من نفسه والديه و أولاده وأمواله والناس أجمعين.............
سادسا:   محبته صلى الله عليه وسلم تكمن في اتباعه
والسؤال الذي واجهنا في هذا الصدد: أين تلك المحبة في قلوب المسلمين والمسلمات اليوم ؟ فشتان بين المحبة الصادقة و بين المحبة المزيفة المزعومة، فإن المحبة الصادقة تقتضي تحقيق المتابعة لرسول الله وموافقته في ما يحب وما يكره ، فمن أحب الرسول محبة صادقة من قلبه وجب عليه أن يحب بقلبه ما يحبه الرسول ويكره ما يكرهه ، أما من ادعى المحبة ثم هو مخالف للهدي النبوي في واقع حياته فهو كاذب فيما ادعاه :
إذا لو كان حبك صادقا لأطعته******إن المحب لمن يحب مطيع
فالمحبة الحقة للنبي تستلزم كمال الطاعة له ، والرضا بحكمه ، والتسليم لأمره ، وإيثاره على ما سواه ، قال سبحانه وتعالى: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " [النساء 65] . وإن تعجب فعجب أن يدعي أقوام محبة النبي ثم هم يطئون شريعته بأقدامهم ضاربين بتوجهاته صلى الله عليه وسلم عرض الحائط ، نماذج ذلك في واقعنا كثيرة. [انظرها في خطبة محبة النبي في صفحة الخطب على موقعنا].
سابعا:   اتباعه  صلى الله عليه وسلم مأمن من العذاب
ولنعلم أننا إذا اتبعنا سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم - أيْ سرنا وفق منهج الله – فقد حققنا الهدف من وجودنا ، وأمنا أنفسنا من عذاب الله تعالى عاجلا وآجلا ، لقول الله تعالى: " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "[سورة الأنفال: 33] . قال علماء التفسير: أنت فيهم في حياتك، وسُنَّتك قائمةٌ فيهم بعد مماتك، فإذا كانت سُنة النبي صلى الله عليه وسلم مطبَّقةً في بيتك، مطبَّقةً في عملك ، مطبَّقةً في حركاتك وسكناتك ، في أفراحك وأتراحك ، فأنت في مأمن من عذاب الله عزَّ وجل.
هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ        لِكلِّ هَــــــوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَـــــمِ
دَعا إلى اللهِ فالمُسْتَمْسِكُـــونَ بِهِ        مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلٍ غيرِ مُنْفَصِــــمِ

ثامنا:   إحياء مولده  صلى الله عليه وسلم يكمن في التحلي بأخلاقه
وفي الختام : كثير من يتحدث ويتهيأ للاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ، والحقيقة التي ينبغي أن نعلمها ، هي :  أننا إذا كنا نريد إحياء مولده صلى الله عليه وسلم إحياء واحتفاء ننال به الرضا من ربنا ، والشفاعة من نبينا، فعلينا أن نحيي أخلاقه صلى الله عليه وسلم بيننا ، في واقع حياتنا ، في بيوتنا ، في مساجدنا ، في أسواقنا ، في أداء وظائفنا........سئل صلى الله عليه وسلم "من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال: أحسنهم أخلاقاً " [الطبراني]. وقال صلى الله عليه وسلم" خير ما أعطي الرجل المؤمن خُلُقٌ حسن"[ الطبراني].
فالأخلاق الفاضلة نعمة عظيمة ، ولها تأثير بالغ في النفوس ، ولأجل ذلك مدح الله نبيه بما كان عليه من الخصال الحميدة ، فقال جل ثناؤه:"وإنك لعلى خلق عظيم" [القلم 4]. وبتلك الأخلاق السامية استطاع  صلى الله عليه وسلم   أن يملك قلوب الناس ، فأتوا إلى دعوته مذعنين ، طائعين غير مكرهين.
وفقني الله وإياكم لاتباع نبيه صلى الله عليه وسلم  والتمسك سنته والتحلي بأخلاقه.
 وجعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




[1] راجع : في  ظلال القرآن . لسيد قطب إبراهيم حسين الشاربي ( المتوفى: 1385هـ) نشر: دار الشروق - بيروت- القاهرة . الطبعة : 17 / 1412 هـ / مج 5 / ص91
[2]  أخرجه البخاري رقم 6632
[3] أخرجه البخاري رقم 15    

هناك تعليق واحد:

  1. حياك الله وبارك الله فيك وجعل هدا العمل في ميزان حسناتك حين تلقى الله

    ردحذف