المحتويات :
تمهيــــد
|
المطلب الأول :
إشادة الأئمة بصحيح مسلم وشهادتهم
لرواته
|
المطلب الثاني:
تخريج حديث مسلم في فضيلة صوم يوم
عرفة وبيان درجته
|
المطلب الثالث:
منا قشة الشبهات المثارة حول هذا
الحديث
|
المطلب الرابع:
بيان مذاهب فقهاء الأمصار في حكم
صوم يوم عرفة
|
النتائج المستخلصة
|
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله
وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد/
فلقد حضرت محاضرة لأحد الدكاترة - بمركز التكوين المستمر
للسادة الأئمة - زعم فيها ضعف حديث أبي قتادة في فضيلة صيام يوم عرفة لمن لم يكن
بعرفة : والحديث مروي عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن
يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " أخرّجه الإمام
مسلم في " صحيحه " وغيره كما
سيأتي بيانه . و
قال الدكتور المحاضر: أن هذا الحديث لا يمكن أن يصح عن رسول الله – صلى الله عليه
وسلم – وأن صيام يوم عرفة ليس بسنة إطلاقا ، وأثار شبهات عديدة حول هذا الحديث ،
مقتفيا في ذلك آثار الشيخ فوزي بن عبد الله
البحريني ، الذي كتب بحثا بعنوان : " جزء
فيه تخريج حديث : (صوم يوم عرفة) "وقد أنكر فيه مشروعية صوم يوم عرفة ، وساق العديد من
الأدلة على ضعف حديث أبي قتادة الذي سبق ذكره ، ولم يسلم هذا البحث من الردود
العلمية ، أحسنها – حسب رأيي واطلاعي – كتاب : " مشروعية صيام
يوم عرفة والرد على من أنكر ذلك " للشيخ خالد الردادي .
- وخدمة للشريعة الإسلامية الغراء ، بدحض الشبهات عنها. - وإسهاما في تفعيل نشاطات
البحث العلمي في دورات التكوين المستمر .
- وترشيدا لزملائي الأئمة الذين تحملوا أمانة إفهام الشريعة
للناس ، إفهاما خاليا من الشوائب والشبهات : كتبت هذا البحث الذي بينت من خلاله
آراء العلماء الراسخين في المسـألة المطروحة ، وقد توخيت فيه الدقة والإيجاز
والتوثيق لكل منقول من النصوص ، وسميته :" كشـف الشــبهات عما ورد
في صوم عرفة من الهبات "
وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد والقبول .آمين .
التلاغمة
في : 15/ شوال 1433 هـ = 03/ 09 / 2012 م
المطلب الأول :إشادة
الأئمة بصحيح مسلم وشهادتهم لرواته
إنه ليس من السهل الإقدام على نقد حديث هو في صحيح مسلم ،
الذي أجمعت الأمة على تلقي ما فيه بالقبول ، ولم يقدم على نقد أحاديثه إلا أئمة أفذاذ أولوا براعة في الدقة والنقد ، وخبر
الروايات وطرقها ، مشهود لهم بالإمامة في السنة والحديث معا ، ومع ذلك لم يسلّموا من الانتقادات في ما انتقدوا من
أحاديث يسيرة في الصحيحين أو أحدهما .
{ أ } ثناء العلماء على صحيح مسلم
ولقد أثنى على صحيح مسلم كثير من العلماء الإجلاء ، مشيدين
بالمكانة السامية التي يتبوأها من بين كتب السنة، وهذه بعض نصوصهم شاهدة على ذلك:
- قال الإمام النووي رحمه الله :"اتفق العلماء على أنّ أصح الكتب بعد القرآن "الصحيحان" البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول[1] "
2 – و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَأَمَّا
كُتُبُ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفَةُ : مِثْلَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ، فَلَيْسَ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ كِتَابٌ
أَصَحُّ مِنْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بَعْدَ الْقُرْآن[2]"
3- و قال الشيخ
أحمد شاكر رحمه الله: " الحق الذي لا
مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين ، وممن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة
مـــن الأمور: أن أحاديث"الصحيحين"صحيحة كلها ، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف . وإنما انتقد
الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث ، على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ في
الصحة الدرجة العليا التي التزمها كل واحــد منهما في كتابه . وأما صحة الحديث في
نفسه فلم يخالف أحد فيها ، فلا يهولنك إرجاف المرجفين ، وزعـــم الزاعمين أن في "الصحيحين" أحاديث غير صحيحة ..... [3]".
4- و قال الإمام
مسلم رحمه الله : " وَاعْلَمْ وَفَّقَكَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْوَاجِبَ
عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَرَفَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ صَحِيحِ الرِّوَايَاتِ
وَسَقِيمِهَا وَثِقَاتِ النَّاقِلِينَ لَهَا مِنْ الْمُتَّهَمِينَ ؛ أَنْ لَا
يَرْوِيَ مِنْهَا إِلَّا مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ وَالسِّتَارَةَ فِي
نَاقِلِيهِ ، وَأَنْ يَتَّقِيَ مِنْهَا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ أَهْلِ التُّهَمِ
وَالْمُعَانِدِينَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ[4]" وروي عنه أنه قال: " صنفت هذا
المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة[5]" وقال أيضا : "ما وضعت في كتابي هذا إلا بحجة ، وما أسقطت منه شيئا
إلا بحجة [6]"
وقد مكث في تأليف صحيحه خمسة عشرة سنة ، كل ذلك من أجل
التحري والتثبت في تمييز الصحيح من غيره ، وبعد تأليفه عرضه على جهابذة العلماء .
وروي عنه قوله : " عرضت كتابي
هذا على أبي زرعة الرازي ، فكل ما أشار أن له علة تركته ، وكلما قال إنه صحيح وليس
له علة خرجته [7]"
{ ب } شهادة العلماء للرواة المخرَّج لهم في صحيح مسلم. ويكفينا منها في
هذا المقام شـــهادتان :
أولاهما : للحافظ ابن
حجر، قال -رحمه الله-:" ورواتُهما - يعني
الصحيحين- قد حَصَلَ الاتِّفاقُ على القَوْلِ بتَعديلِهِمْ بطريقِ اللُّزومِ ، فهم
مُقَدَّمونَ على غيرِهم في رِواياتِهم ، وهذا أَصلٌ لا يُخْرَجُ عنهُ إِلاَّ بدليلٍ[8] "
والثانية : للإمام ابن
دقيق العيد ، قال – في معرض حديثه عن معرفة الثقات من الرواة - : " ولمعرفة كون الراوي ثقةً ، طرُقٌ منها:
تخريج الشيخين أو أحدهما في "الصحيح" للراوي محتجّين به ، وهذه درجة عالية ، لما فيها من الزيادة
على الأول وهو إطباق جمهور
الأُمَّةُ أو كلهم على تسمية الكتابين بالصحيحين ، والرجوع إلى حكم الشيخين بالصحة. وهذا معنى لم يحصل لغير من خُرِّج عنه في
"الصحيح" فهو بمثابة إطباق الأمة أو أكثرهم على تعديل من ذكر فيهما وقد
وجد فيها هؤلاء الرجال المخرج عنهم في الصحيح من تكلَّم فيه بعضهم، وكان شيخ
شيوخنا الحافظ أبو الحسن المَقْدِسي يقول في الرجل الذي يُخَرَّج عنه في الصحيح : هذا جَاز القَنْطَرَةَ . يعني بذلك أنه لا يُلتفتُ إلى ما قيل فيه ،
وهكذا نعتقد ، وبه نقول ، ولا نخرج عنه إلاَّ ببيان شافٍ وحجَّة ظاهرة[9] "
وهذا قليل من كثير مما شهد به الأئمة الأعلام لصحيح مسلم
الذي هو أصح كتاب بعد صحيح البخاري الذي أجمعت الأمة على أنه أصح كتاب بعد كتاب
الله عزّ وجلّ، ولا جرم أن
شهادة علماء الأمة أحق بالقبول وأولى بالاعـتبار من آراء المتقولين في الشريعة
بالهوى والتشهي .
المطلب الثاني: تخريج حديث أبي قتادة رضي الله عنه وبيان درجته
{ أ } تخريج الحديث
قال الإمام مسلم في "صحيحه"[1162] (( و حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ
،وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ جَمِيعًا ،عَنْ حَمَّادٍ قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ،عَنْ غَيْلَانَ ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ
الزِّمَّانِيِّ ،عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَجُلٌ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ ؟فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
،َ فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ قَالَ: رَضِينَا
بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ،نَعُوذُ
بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ .فَجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ. فَقَالَ
عُمَرُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ
؟قَالَ:" لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ" أَوْ قَالَ:" لَمْ يَصُمْ
وَلَمْ يُفْطِرْ "قَالَ :كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يَوْمًا
؟قَالَ:" وَيُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ؟" قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا
وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَال:"َ ذَاكَ صَوْمُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام"
قَالَ :كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمَيْن؟ِ قَالَ :"وَدِدْتُ
أَنِّي طُوِّقْتُ ذَلِك"َ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- :" ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ
الدَّهْرِ كُلِّه،ِ وصِيَامُ
يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي
قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ
عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ".
ثم قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ،وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ -وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا :حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ،حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ،عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ ،سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ؟ قَالَ :فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَة.ً قَالَ :فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْر؟ِ فَقَالَ:" لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ" أَوْ :"مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ"، قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَالَ :وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ"، قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ :"لَيْتَ أَنَّ اللَّهَ قَوَّانَا لِذَلِكَ "قَالَ :وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ ؟قَالَ :"ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام "،قَال:َ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ؟قَالَ :"ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ "قَالَ: فَقَال:"َ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ صَوْمُ الدَّهْرِ"، قَال:َ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ:" يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ"، قَالَ :وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ؟فَقَال:َ "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ)) .
ثم قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ،وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ -وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا :حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ،حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ،عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ ،سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ؟ قَالَ :فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَة.ً قَالَ :فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْر؟ِ فَقَالَ:" لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ" أَوْ :"مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ"، قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَالَ :وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ"، قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ :"لَيْتَ أَنَّ اللَّهَ قَوَّانَا لِذَلِكَ "قَالَ :وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ ؟قَالَ :"ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام "،قَال:َ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ؟قَالَ :"ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ "قَالَ: فَقَال:"َ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ صَوْمُ الدَّهْرِ"، قَال:َ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ:" يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ"، قَالَ :وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ؟فَقَال:َ "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ)) .
وأخرجه غير مسلم الأئمة الآتية أسماؤهم :
أخرجه عبد الرزاق [7826] و [7831] و [7865]،وابن أبي شيبة [3/78]
وأحمد[303،5/ 297،308،310-311]،وأبوداد[2425]و[2426]،والترمذي[749]،النسائي في " الكبرى" [2318]،وابن ماجه[1730] و[1738]،وابن خزيمة[2087]و[1713] وابن حبان[3631]و[3632]،وابن جرير الطبري في"تهذيب الآثار"[2226]، والطحاوي في"شرح معاني الآثار" [2/77]، وفي"مشكل الآثار"[2967]و[2968].
وأحمد[303،5/ 297،308،310-311]،وأبوداد[2425]و[2426]،والترمذي[749]،النسائي في " الكبرى" [2318]،وابن ماجه[1730] و[1738]،وابن خزيمة[2087]و[1713] وابن حبان[3631]و[3632]،وابن جرير الطبري في"تهذيب الآثار"[2226]، والطحاوي في"شرح معاني الآثار" [2/77]، وفي"مشكل الآثار"[2967]و[2968].
وأخرجه أبوعوانة[2545]،والبيهقي في "السنن الكبرى" [4/286و300]،وفي
"شعب الإيمان" [3761]، وفي"فضائل الأوقات"[184]،وابن عبد البر
في "التمهيد" [21/162] ،والبغوي [1789] و [1790] ،والقاضي أبويعلى
في"طبقات الحنابلة" [1/326] ،وابن حزم في "المحلى"[7/17] من
طرق عن غيلان بن جرير ،عن عبد الله بن معبد .
وأخرجه عبد بن حميد في منتخبه [194] ،والحميدي [429]،وأحمد[5/296و304و307]،والنسائي
في "الكبرى"[2/10،151]،والبيهقي[4/283]،وفي"الشعب"[3762] و [3781]
، وابن عبد البر في "التمهيد" [21/162] من طرق عن إياس بن حرملة ،عن أبي
قتادة-رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :((صوم عاشوراء يكفر السنة
الماضية، وصوم عرفة يكفر السنتين الماضية والمستقبلة)).
{ ب } بيان درجة الحديث
- هذا الحديث أخرّجه الإمام مسلم في "صحيحه" كما
تقدم ، وكفى بذلك شهادة .
- وقال الترمذي : " حديثُ أبي قَتَادَةَ حديثٌ حسنٌ ، وقد
اسْتَحَبَّ أهلُ العلمِ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلاَّ بِعَرَفَة[10]"
- وقال النسائي : " هذا أجود حديث في هذا الباب عندي[11]"
- وقال النسائي : " هذا أجود حديث في هذا الباب عندي[11]"
- وقال ابن عبد
البر "..وهذا إسناد
حسن صحيح[13]"
- وقال البغوي "..هذا حديث صحيح أخرجه مسلم.. [14]"
- وقال ابن قدامة : "وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه - يعني يوم عرفة - يكفر سنتين[15]".
وأقوال العلماء في صحة هذا الحديث كثيرة جدا ، فقد أورده معظم أهل العلم في كتب الأحكام والفضائل مقرين بصحته وما عله منهم أحد .
- وقال البغوي "..هذا حديث صحيح أخرجه مسلم.. [14]"
- وقال ابن قدامة : "وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه - يعني يوم عرفة - يكفر سنتين[15]".
وأقوال العلماء في صحة هذا الحديث كثيرة جدا ، فقد أورده معظم أهل العلم في كتب الأحكام والفضائل مقرين بصحته وما عله منهم أحد .
المطلب الثالث : مناقشة الشبهات المثارة حول حديث أبي قتادة
نعود الآن لمناقشة الدكتور فيما أثاره من شبهات حول هذا
الحديث الصحيح :
الشبهة الأولى : أن العقل لا يقبله فلا يمكن أن يصح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؛ وذلك أن مطالع الهلال تختلف من بلد لآخر ، ومن ثم فقد يكون يوم التاسع من ذي الحجة ، هو الثامن لمن ليس بعرفات ، كسكان الصين مثلا ، والمطلوب في صيام يوم عرفة أن يصادف وقوف الحجيج بعرفات .
الشبهة الأولى : أن العقل لا يقبله فلا يمكن أن يصح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؛ وذلك أن مطالع الهلال تختلف من بلد لآخر ، ومن ثم فقد يكون يوم التاسع من ذي الحجة ، هو الثامن لمن ليس بعرفات ، كسكان الصين مثلا ، والمطلوب في صيام يوم عرفة أن يصادف وقوف الحجيج بعرفات .
الرد على هذه الشبهة :أن هذا ليس مما يعل به الحديث ، إنما هو تحكم عقلي محض على
الشرع ، والعقول لا تستقل بإدراك الأحكام الشرعية بعيدا عن وصاية الشرع . ولذلك
قرر العلماء أنه : متى تعارض العقل والنقل قدم النقل أبدا ، ولو كان العقل حاكما على الشرع لأدى ذلك إلى
إبطال كثير من الأحكام الشرعية التي لا مجال للعقل فيها ، كإباحة النظر إلى الأمة الحسناء وتحريمه إلى الحرة الشوهاء
، مع أن النفس إلى الأولى أميل . وكإيجاب قطع اليد في سرقة القليل وعدم إيجابه في
الغصب الكثير . واشتراط أربعة شهود عدول في حد الزنى والاكتفاء بشهادتين في حد
القتل ، مع أن القتل أعظم . وغير ذلك مما لا مجال للعقل فيه ، وعلى فرض التسليم
بهذه الشبهة فنحن في الشرع متعبدون بالظن في عامة الأحكام الشرعية العملية ، كمن غمت
عليه القبلة فإنه يجتهد ويتحرى ، ويصلي نحو ما غلب على ظنه أنه القبلة ، وتبرأ
ذمته بذلك ويثبت أجره إن شاء الله ، ونظائر ذلك كثير في شرعنا .
والقول بأن صيام يوم عرفة يشترط فيه مصادفة وقوف الحجيج قول
فيه نظر ، لأن الشارع لا يكلف بغير مقدور ، والصحيح أن صيام يوم عرفة كتحري ليلة
القدر ، التي أمر الشارع بتحريها في الأوتار من العشر الأخيرة من رمضان ، ومعلوم
أن ليلة القدر واحدة والأوتار تختلف من بلد لآخر لاختلاف مطالع الهلال ، فقد تكون
ليلة السابع والعشرين بالنسبة للحجازيين هي ليلة الثامن والعشرين لأهل المغرب ، وربما
كانت ليلة السادس والعشرين لأهل الصين مثلا ، ويكفي المسلم في ذلك التحري بناء على
غلبة الظن وما كان الله ليضيع أجر من أحسن عملا .
الشبهة الثانية :أن الحديث تضمن ترتيب
الثواب على زمن مستقبل وذلك لا وجود له في شرعنا.
الرد على هذه الشبهة . أن هذا لا يصح
دليلا يعتمد عليه في تضعيف الحديث ، ولم ينص عليه أحد من أئمة الحديث ضمن أسباب أو
علامات الضعف في المرويات الحديثية . ثم هو ادعاء غير صحيح فقد قال رسول الله –
صلى الله عليه وسلم- لعثمان يوم العسرة :" ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم " وقال – في شأن
البدريين - :" لعل الله اطلع
على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "وبالرجوع إلى أقوال العلماء الراسخين يندفع هذا الإشكال الذي استعصى
على الدكتور فهمه .فقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : ( إِنِّي عَلَى اللَّهِ ) معناه أَرْجُو مِنْ اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ ،
فأَحْتَسِبُ – هنا - بمعنى أرجو ، وَتعدية فعل ( أَحْتَسِبُ ) بحرف على
يفيد الْوُجُوبِ عَلَى سَبِيلِ الْوَعْدِ ، مُبَالَغَةً لِحُصُولِ الثَّوَابِ .
- قَالَ
النَّوَوِيُّ :" قَالُوا الْمُرَادُ بِالذُّنُوبِ
الصَّغَائِرُ , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصَّغَائِرُ يُرْجَى تَخْفِيفُ الْكَبَائِرِ ,
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُفِعَتْ الدَّرَجَاتُ ".
- وَقَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ : " وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ,
وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إِلَّا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ
يَكُونُ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ
لِلرَّجُلِ ذَنْبٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ؟ قِيلَ : مَعْنَاهُ أَنْ يَحْفَظَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الذُّنُوبِ فِيهَا ، وَقِيلَ :أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الرَّحْمَةِ الثَّوَابَ قَدْرًا يَكُونُ
كَكَفَّارَةِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَالسِّنةِ الْقَابِلَةِ
..................... [16]" .
- وقال العيني- رحمه الله-:"فإن قلتَ :تكفير الذنوب الماضية بالحسنات وبالتوبة وبتجاوز الله تعالى، فكيف يعقل تكفير الذنب قبل وقوعه ؟ قلتُ: المراد عدم المؤاخذة به إذا وقع ،ومنه ما ورد في مغفرة ما تقدم من الذنب وما تأخر.. [17]".
- وقال العيني- رحمه الله-:"فإن قلتَ :تكفير الذنوب الماضية بالحسنات وبالتوبة وبتجاوز الله تعالى، فكيف يعقل تكفير الذنب قبل وقوعه ؟ قلتُ: المراد عدم المؤاخذة به إذا وقع ،ومنه ما ورد في مغفرة ما تقدم من الذنب وما تأخر.. [17]".
- وقال
الشوكاني - رحمه الله -:"وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ
تَكْفِيرُهُ السَّنَةَ الْآتِيَةَ ; لِأَنَّ التَّكْفِيرَ : التَّغْطِيَةُ , وَلَا
تَكُونُ إلا لِشَيْءٍ قَدْ وَقَعَ ،وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ يُكَفِّرُهُ
بَعْدَ وُقُوعِهِ , أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْطُفُ بِهِ فَلَا يَأْتِي بِذَنْبٍ
فِيهَا بِسَبَبِ صِيَامِهِ ذَلِكَ الْيَوْمِ[18]".
- وقال ابن حجر-رحمه الله-:" وإذا عُلِمَ أنّ الله مالك كلّ شيء ،له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، لم يمتنع أن يعطى من شاء ما شاء ، وقد ثبت أنّ ليلة القدر خير من ألف شهر، وقد يقع العمل في بعض ليالي السنة من بعض الناس أكثر مما يعمل فيها، ومع ذلك فالعمل فيها أفضل من غيرها بثلاثين ضعف { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [الحديد:21] [19]".
- وقال ابن حجر-رحمه الله-:" وإذا عُلِمَ أنّ الله مالك كلّ شيء ،له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، لم يمتنع أن يعطى من شاء ما شاء ، وقد ثبت أنّ ليلة القدر خير من ألف شهر، وقد يقع العمل في بعض ليالي السنة من بعض الناس أكثر مما يعمل فيها، ومع ذلك فالعمل فيها أفضل من غيرها بثلاثين ضعف { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [الحديد:21] [19]".
الشبهة الثالثة: أن الحديث تضمن ترتيب الثواب الكثير على العمل القليل ، وهو
من علامات الضعف.
الرد على هذه الشبهة . نعم ذلك صحيح
لكنه لا يطرد ، فكم من أحاديث من هذا
النوع وهي ثابتة في الصحاح ، كما في حديث أبي سعيد الخدري الذي أخرجه الشيخان وغيرهما:أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين
خريفا [20] "
قال ابن عبد البر – معلقا على فضل صوم يوم عرفة - :"وهذا
فضل عظيم ، وخير كثير من الله تعالى والفضائل لا تدرك بنظر ، ولا مدخل فيها لقياس ، فإن الله
تعالى منعم متفضل ، له أن يتفضل بما شاء ، على من يشاء ، فيما يشاء من الأعمال ،
ولا معقب لحكمه ، ولا راد لفضله [21]".
الشبهة الرابعة : عدم سماع عبد
الله بن مَعْبَد الزِّمَّاني من أبي قَتَادَة.وإذن فالإسناد منقطع! وقد صرح الإمام
البخاري - رحمه الله- فقال:" لا نعرف سماعه ـ يعني عبد الله بن مَعْبَد من
أبي قَتَادَة ".
الرد على هذه الشبهة . كلام الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ يمكن أن يجاب عنه بما
يلي:
أ - قوله:( لا نعرف سماعه من أبي قتادة) يعني به :
أنه لم يقف على التصريح بالسماع لا أنه حكم على عدم السماع ، و لو كان الأمر كذلك لقال: لم يسمع منه أو قال: أنه مرسل ،كما هي عادته رحمه الله.
أ - قوله:( لا نعرف سماعه من أبي قتادة) يعني به :
أنه لم يقف على التصريح بالسماع لا أنه حكم على عدم السماع ، و لو كان الأمر كذلك لقال: لم يسمع منه أو قال: أنه مرسل ،كما هي عادته رحمه الله.
ب ـ أن جماعة من الأئمة أثبتوا سماع عبد الله
بن مَعْبَد الزِّمَّاني من أبي قَتَادَة ولم يروا قول البخاري شيئاً ، ومن هؤلاء :
مسلم والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن عبد البر وغيرهم ، والمثبت مقدم على النافي كما هو معلوم.
.
.
ج ـ قال ابن
حزم: "وقد تكلم في سماع عبد الله بن معبد الزماني من أبي قتادة"...ثم
أجاب عن هذا فقال: "وأما سماع عبد الله بن معبد من أبي قتادة ، فعبد الله ثقة
والثقات مقبولون لا يحل رد رواياتهم بالظنون[22] "..
الشبهة الخامسة : ومن الشبهات الواردة على هذا الحديث أن بعض أئمة الحديث أوردوا عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّاني في كتب الضعفاء لعدم سماعه من أبي قَتَادَة[23].
الرد على هذه الشبهة: من المعلوم أن أئمة الجرح والتعديل يذكرون ويوردون في
مصنفاتهم في "الضعفاء" كل من تكلم فيه سواء كان الكلام قادحا في عدالته
أو غير قادح ،والشواهد على هذا كثيرة .
فها هو الإمام العقيلي يورد الإمام الكبير علي بن المديني
في كتابه في الضعفاء ، حتى قال الذهبي مستنكرا عليه صنيعه هذا : أما لك عقل يا
عقيلي!.
الشبهة السادسة : أنّ النبي -
صلى الله عليه وسلم - لم يصم يوم عرفة ، ولذا لا يشرع صيامه !
الرد على هذه الشبهة.إن هذا لشيء عجيب وغريب ؛ إذ لو أخذنا نعلل الأحاديث الصحاح بمثل هذا لأبطلنا عدداً ليس باليسير من السنة المطهرة ، ومع ذلك نجيب عن هذه الشبهة بما يلي:
أ - يحتمل أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل - صلى الله عليه وسلم - وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته[24] أو ربما كان ذلك لعلة أخرى قد لا تظهر لنا ، وأمثلة ذلك كثيرة .
أ - يحتمل أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل - صلى الله عليه وسلم - وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته[24] أو ربما كان ذلك لعلة أخرى قد لا تظهر لنا ، وأمثلة ذلك كثيرة .
ب - أن العمل
يكفي لثبوت مشروعيته ثبوت النص ، ولا يلزم منه أن يعمله هو - صلى الله عليه وسلم –
و لا يزال المسلمون يصومون ستاً من شوال اعتماداً على حديث أَبِي أَيُّوبَ
الأنصاري -رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ
مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدهر"[25] مع أنه لم يثبت حديث واحد يدل على أنه - صلى
الله عليه وسلم - صامه ، هل يمكن لأحد أن يقول : إنه لا يشرع صوم الست لأنه - صلى
الله عليه وسلم - لم يثبت عنه صومها ؟!
أما روي عن الإمام مالك ـ رحمه الله ـ في كراهة صيامها علنا لمن يقتدى به ، فليس مبناه على هذا المأخذ ، وإنما هو لأسباب أخرى راجعة إلى قاعدة :" سد الذرائع " المنبثقة عن نظرية الاحتياط الفقهي .
أما روي عن الإمام مالك ـ رحمه الله ـ في كراهة صيامها علنا لمن يقتدى به ، فليس مبناه على هذا المأخذ ، وإنما هو لأسباب أخرى راجعة إلى قاعدة :" سد الذرائع " المنبثقة عن نظرية الاحتياط الفقهي .
ج :قال ابن حزم
-رحمه الله - : " أَمَّا
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَصُمْهُ فَلَا حُجَّةَ لَكُمْ
فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ
عليه السلام قَدْ حَضَّ عَلَى صِيَامِهِ أَعْظَمَ حَضٍّ , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ
يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَتَيْنِ , وَمَا عَلَيْنَا أَنْ نَنْتَظِرَ بَعْدَ هَذَا
أَيَصُومُهُ عليه السلام أَمْ لا ؟.."[26].
ومن المقرر عند علمائنا أن القول أقوى من الفعل ، فإذا أخبر
النبي – عليه الصلاة والسلام- بشيء وشرعه لأمته فإنه يلزمها ذلك ، ولو لم يفعله هو
- صلى الله عليه وسلم .
المطلب الرابع : يان مذاهب فقهاء الأمصار في حكم صوم يوم عرفة
[ أ ] اتَّفَقَ ْفُقَهَاءُ الأمصار عَلَى
اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَهُوَ: الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي
الْحِجَّةِ، وكلهم قالوا : أن صــيامه يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ: سَنَةً مَاضِيَةً،
وَسَنَةً مُسْتَقْبَلَةً، لما رواه مسلم في صحيحه عن ابي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى
اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ". قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَهُوَ أَفْضَل
الأَْيَّامِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ
عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ" [27].
[ ب ] ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ -
الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ
لِلْحَاجِّ ، وَلَوْ كَانَ قَوِيًّا ، وَصَوْمُهُ مَكْرُوهٌ للحاج عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ، وَخِلاَفُ
الأَْوْلَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، لِمَا رَوَتْ أُمُّ الْفَضْل بِنْتُ
الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ
بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَ[28].
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَصُمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ[29].
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَصُمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ[29].
و علة الكراهة
أنَّهُ يُضْعِفُهُ عَنِ الْوُقُوفِ وَالدُّعَاءِ ، فَكَانَ تَرْكُهُ أَفْضَل.
وَقِيل: لأَِنَّهُمْ أَضْيَافُ اللَّهِ وَزُوَّارُهُ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيُسَنُّ فِطْرُهُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ مُطْلَقًا، وَقَالُوا: يُسَنُّ صَوْمُهُ لِحَاجٍّ لَمْ يَصِل عَرَفَةَ إِلاَّ لَيْلاً؛ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ.
وذهب الحنفية إلى استحبابه للحاج إلا إذا أضعفه عن الوقوف بعرفات[30].
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيُسَنُّ فِطْرُهُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ مُطْلَقًا، وَقَالُوا: يُسَنُّ صَوْمُهُ لِحَاجٍّ لَمْ يَصِل عَرَفَةَ إِلاَّ لَيْلاً؛ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ.
وذهب الحنفية إلى استحبابه للحاج إلا إذا أضعفه عن الوقوف بعرفات[30].
النتائج المستخلصة
بعد هذا العرض الوجيز لأهم آراء العلماء من أئمة الفقه
والحديث ، يمكننا استخلاص النتائج الآتية :
1- أن صوم يوم عرفة لغير الحاج سنة ، ونحتسب على الله تعالى
أن يكفر سنتين ، سنة سابقة وأخرى لاحقة كما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام ،
وأن الأئمة الهداة الأربعة متفقون على ذلك.
2- أن حديث مسلم في فضل صوم يوم عرفة صحيح باتفاق ، وقد
تلقته الأمة بالقبول ، وفي الحديث :" لا تجتمع أمتي على ضلالة"[ أخرجه أحمد 6/396 والطبراني في الكبير2/280 ].
3- أن البخاري لم ينف سماع عبد الله بن معبد الزماني من أبي
قتادة ، وإنما صرح بعدم علمه هـو بالسماع.
4- أن كل الشبهات
المثارة حول هذا الحديث باطلة ، وليس لها أساس صحيح تستند إليه.
5- أن ما أثاره فضيلة الدكتور محمول على الظن الحسن ، وأنه اجتهد فأخطأ ،
فنرجو من الله أن يثبت له أحد الأجرين .
6- أن دوافعي لكتابة هذا البحث هي : غيرتي على السنة
النبوية المطهرة ، وحرصي على صون الشريعة الغراء من الشوائب ، وهو ما تمليه علينا
حقائق هذا الدين والأمانة التي تحملناها ، وما عملي في ذلك إلا تنظيم وإبداء لآراء
أئمة الشريعة ، جزاهم الله خير ما جوزي داع عن دعوته .
فما كان في هذا البحث من صواب فهو من الله وحده ، وما كان
فيه من نقص فهو مني أنا أهله .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الهوامش
[23] هذه الشبهة لم يذكرها فضيلة الدكتور المحاضر ،
وإنما أوردها الكاتب البحريني الذي أشرنا إلى كتابه في المقدمة .
- الحنفية : ابن
عابدين 2/83
- المالكية : حاشية
الدسوقي 1/515 و مواهب الجليل 2/403
- الشافعية : مغني
المحتاج 1 /446
- الحنابلة : كشف
القناع 2 /339
- الظاهرية :
المحلى لابن حزم 117
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق