ظاهرة القتل والاختطاف
خطورتها / أسبابها / وعلاجها
خطاب الجمعة بمسجد الإمام مالك بالتلاغمة /
ميلة / الجزائر
محامد
الحمد لله حق حمده ، الحمد لله الذي بحمده
يبلغ ذو القصد تمام قصده ، نحمده تعالى على تفضله وإنعامه ، ولطفه وإحسانه ،
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمدا عبد الله و رسوله ،
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد /
تمهيد
سنتحدث اليوم عن
أمر جلل ، تهتز له النفوس ، وتتألم لسماعه القلوب ، فهو حديث عن جريمة
شنعاء تطرد من رحمة الله و توجب لعنته وغضبه ، وعلى
الرغم من عظم هذه الجريمة إلا أنها تتكرر عبر العصور والأزمان ، وقد
أصبحنا في هذا العصر نسمع بوقوعها كل يوم .
إنها جريمة القتل !! إنها
جريمة إزهاق النفس التي حرم الله إلا بالحق ، التي أصبحنا نسمع بوقوعها كل يوم ،
فكلكم قد سمعتم بنبأ الأطفال الذين اختطفوا بالمدينة الجديدة (علي منجلي ) ثم
قتلوا بغير ذنب ، " وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ
قُتِلَتْ "(التكوير9 ). و لقد اهتز كياننا لسماع هذه الأخبار
المؤلمة ، وأصبحنا لا نستسيغ طعاما ولا شرابا ، كيف لا ؟!! ونحن نرى إخواننا
وأخواتنا يمسحون دموع الألم والأسى ، وقد ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت ؛ حزنا على
فقدان فلذات أكبادهم ، ونحن المسلمين جسد واحد ، إذا تألم منه عضو تداعى له سائر
الجسد بالسهر والحمى .
أيها الإخوة الأعزاء : إنها لظاهرة
خطيرة جدا ، لا بد أن تتضافر جهود الأمة كلها – حكومة وشعبا - في
التصدي لها ، و القضاء عليها في مهدها ، لئلا يستفحل أمرها وينتشر شرها .
عظم جريمة القتل
ولبيان عظم هذه
الجريمة وخطورتها قرنها الله تعالى بجريمة الشرك ( الذي
هو أكبر الكبائر ) فقال تعالى: " وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
الها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ
بِالْحَقّ "( الفرقان68) وقال
– صلى الله عليه وسلم - : "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا
هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ
وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ
الْغَافِلَات"[1] وقال – صلى الله عليه وسلم - : " لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ
اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ"[2]
عقوبة القاتل
و وقد رتب الله على
قتل النفس المعصومة عقوبات في الآخرة وعقوبات في الدنيا.
- أما عقوبات الآخرة فمنها ما بينه الله تعالى بقوله : " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً" [النساء:93].
فهذه أربع عقوبات أعدها الله للقاتل ، كل
واحدة منها ترعب القلوب ، وتزهق النفوس ولو انغمست في نعيم الدنيا .
أما العقوبة الأولى فهي جهنم خالداً فيها
فيه أبدا .
والعقوبة الثانية أن الله تعالى يغضب عليه
وكفى بذلك نقمة .
والعقوبة الثالثة هي اللعنة ، أي الطرد من
رحمة الله ورضوانه .
والعقوبة الرابعة أن الله َأَعَدَّ (
أي هيأ ) للقاتل عَذَاباً عَظِيماً .
وقال رَسُولِ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم -
: " لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا
فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ"[3] كل
هذا لحرمة دم المسلم.
- أما عقوبة القاتل في الدنيا فهي القصاص ، كما أخبر سبحانه
و تعالى :" وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياةٌ يأُولِي الالْبَابِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [البقرة:179]. فالقاتل عمدا يجب أن يقتل
كما قتل غيره ، و لا جزاء له إلا هذا .
أسباب انتشار القتل
ألا وإن
لظهور هذه الجريمة واستفحالها وانتشارها أسباب عدة ، منها :
1 عدم تطبيق القصاص
على القتلة ، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة : " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياةٌ يأُولِي الالْبَابِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ" وإذا كان القصاص فيه حياة ، ففي تركه ممات بالمفهوم المخالف ، والحياة في تطبيق القصاص تكمن في ثلاثة
جوانب :
الأول : أن فيه حياة لمن يريد أن يكون قاتلا ، لأنه لو علم أنه
إذا قَتل قتل لترك القتل، وبذلك يبقى حيا فلا يقتل قصاصا.
والثاني: أن فيه حياة لمن يراد قتله، لأن من هم بقتله إذا خاف من
القصاص أحجم عن قتله فيبقى حيا.
والثالث: أن فيه حياة لغيرهما،لأن في بقاء القاتل حيا فتنة عظيمة قد
تؤدي إلى هلاك عالم كبير من الناس ، وبتشريع القصاص زال ذلك كله وبزواله
تحققت مصلحة حياة الكل ، فما أعظم هذا التشريع و ما أحوج العباد إليه .
وتطبيق القصاص هو من حق الحاكم وحده ، فهو
مسؤول عن حماية رعيته ، وما لم يطبق القصاص فلن يستطيع حمايتهم مهما فعل .
2 انتشار آفة المخدرات ،
التي تفشت في وطننا ، وانتشرت بين أبنائنا وبناتنا ، و متى أدمن الشخص على هذه
الآفة أصبح يفعل كل شيء في سبيلها ، و لا يبالي بارتكاب أية جريمة من اجل الحصول
عليها ، لأنه صار عنده اختلال في العقل ، والعقل إنما سمي عقلا لأنه
يعقل ( يمنع ويحجز ) صاحبه عن ارتكاب الدنايا ، ولهذا كان من الغايات
الكبرى للشريعة الإسلامية أن تحفظ على الناس عقولهم ، فحرمت كل ما يفسد العقول
......
3 ومن جملة الأسباب
أيضا إهمال الآباء والأمهات لتربية أو لادهم ، فلا هم يراقبون تصرفاتهم
و سلوكاتهم ، و لا هم يلقنوهم التربية الصالحة التي تجعل منهم أفراد
صالحين نافعين ، ونتيجة هذا الإهمال غير خافية عليكم !! فهاهم أولاد
المسلمين قد تكون منهم جيل منحرف ، يتعاطى المخدرات – يفعل
المنكرات – يسرق – يزني - يخطف ويقتل ويدمر .......!! و لا
جرم أن الأولياء عن أولادهم لمسؤولون ، فكلما جنى أولادهم جرما لحقتهم اللعنة
والآثام ، لأن الله تعالى كما يحاسب المجرمين المعتدين فهو يحاسب أيضا المفرطين
المهملين .وفي الحديث:"كلكم راع
وكلكم مسؤول عن رعيته "
إلى العلاج
أيها المسلمون: إذا
أرادت أمتنا أن تقضي على هذه المظاهر الخطيرة ، فعليها أن تتقي الله عز وجل
وتستعين به وتتبع الخطوات الآتية :
1 أن نربي أولادنا و نزرع في
قلوبهم خوف الله و الانقياد لأوامر ه ، والوقوف عند حدود ه، فينشأ أولادنا معظمين
لما عظم الله ، فيعظمون حرمة النفس التي حرم الله، والتي هي أشد حرمة
من حرمة بيت الله الحرام ، ويقفون عند أمر الله ونهيه ، فلا يزهقون نفساً حرمها
الله ، ولا يتعدون حداً حده الله.
2 أنه يتعين على أولي الأمر أن
يطبقوا حدود الله ، فيطبقون شريعة القصاص من القتلة و المجرمين ، لينزجر غيرهم
ويرتدعون ، فيكفون عن قتل الأبرياء بغير حق ، والله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع
بالقرآن ، فهناك نفوس شتى لا تؤثر فيها موعظة ، و لا تنفعها تربية ، فلا بد
لها من رادع قوي ، و لا رادع عن القتل إلا القتل، كما أشرنا سابقا.
3 ينبغي أن تتضافر جهود الجميع
في محاربة آفة العصر (( المخدرات )) – المساجد – المؤسسات التربوية - الأســر
– رجال الأمن – المجتمع كله – لا بد أن يتعاون الجميع في التصدي لهذه الآفة ،
لأنها من أبرز أسباب ظهور الاختطاف و القتل في بلادنا ، وينبغي أن يطبق على
مروجيها حكم الحرابة ، الذين قال الله فيهم : " إِنَّمَا جَزَاءُ
الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا
أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ
مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا
وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " (المائدة33)
الختام
فاتقوا الله عباد الله ،
واحذروا من غضبه وسخطه" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا " ( الأحزاب 71)
هذا وصلوا وسلموا على رسول الله امتثالاً
لأمر الله وتعظيما ، حيث أمركم بذلك فقال تعالى ولم يزل قائلا عليمًا ،
وآمرا حكيما : " إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمّد صاحب
الحوض والشفاعة، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن سادتنا الفضلاء : أبي بكر وعمر
وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى بوم الدين .
اللهم وفق المسلمين إلى ما فيه خيرهم
وصلاحهم ، واجمع كلمتهم على الحق والدين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .