......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 17 يناير 2013

محبة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم

الحمد لله حق حمده ، والحمد لله الذي بحمده يبلغ ذو القصد تمام قصده ، نحمده تعالى على تفضله وإنعامه ، ولطفه وإحسانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمدا عبد الله و رسوله  ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .أما بعد –
في هذه الأيام تستقبل الأمة الإسلامية مولد خير البرية وحبيب القلوب محمد صلى الله عليه وسلم و لقد جرت العادة عندنا أن جعل من شهر بيع الأول كله حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم   وسيرته الطاهرة وأخلاقه العطرة ، وشمائله الزكية ، ورغم ما قيل وما كتب حول حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم إلا أننا على قناعة تامة بشرعيته ، وقد بينا ذلك بالأدلة في العديد من الدروس والندوات ، ومن المخجل أن تمر علينا مناسبة مولده   صلى الله عليه وسلم دون أن نقيم فيها ما يعبر عن المحبة الكامنة في قلوبنا لرسول الله  صلى الله عليه وسلم   ودون أن نخصص خطبا ودروسا للحديث عن سيد الكائنات والإشادة بمقامه الرفيع عند ربه ، وليعذرنا مخالفونا في ذلك فإنا كما قال الشاعر :
يا لائمي في الهوى العذري معذرة *مني إليك ولو أنصفت لم تــــــلم
محظتني النصح لكن لست أسمعه*إن المحب عن العذال في صمم
ألا وإن أعظم محبوب بعد الله تعالى هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعلت محبته فوق محبة النفس و المال والوالد و الولد ... جاء في حديث عمر بن الخطاب أنه قال للنبي : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي : ((لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)) فقال له عمر: فإنك الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي : ((الآن يا عمر)) [1] أي الآن حققت المحبة الحقيقية وبلغت حقيقة الإيمان.وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))[2] فلا أحد يبلغ حقيقة الإيمان حتى يحب النبي أكثر من نفسه والديه و أولاده وأمواله والناس أجمعين.............
والسؤال الذي واجهنا في هذا الصدد: أين تلك المحبة في قلوب المسلمين والمسلمات اليوم ؟ فشتان بين المحبة الصادقة و بين المحبة المزيفة المزعومة، فإن المحبة الصادقة تقتضي تحقيق المتابعة لرسول الله وموافقته في ما يحب وما يكره ، فمن أحب الرسول محبة صادقة من قلبه وجب عليه أن يحب بقلبه كل ما يحبه الرسول ويكره ما يكرهه ، أما من ادعى المحبة ثم هو مخالف للهدي النبوي في واقع حياته فهو كاذب في ادعاه :
إذا لو كان حبك صادقا لأطعته******إن المحب لمن يحب مطيع
قال تعالى : " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم"[ آل عمران 31] فالمحبة الحقة للنبي تستلزم كمال الطاعة له ، والرضا بحكمه ، والتسليم لأمره ، وإيثاره على ما سواه ، قال سبحانه وتعالى: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما "[النساء 65 ]  وإن تعجب فعجب أن يدعي أقوام محبة النبي ثم هم يطئون شريعته بأقدامهم ضاربين بتوجهاته صلى الله عليه وسلم عرض الحائط ، فمنهم :
-   من ضيع الصلاة واتبع الشهوات وهو يدعي محبة النبي ! وأين هو من قوله  صلى الله عليه وسلم " جعلت قرة عيني في الصلاة "[3
-   ومنهم من يسيء الجوار وهو يدعي محبة النبي! وأين هو من قوله  صلى الله عليه وسلم " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه "[4]
-   ومنهم من يسيء معاملة زوجته وهو يدعي محبة النبي ! وأين هو من قوله  صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"[5
-   ومنهم من يسعى بالتحريش والتحريض بين المسلمين ليثير الفتنة ويوقع العداوة بينهم وهو يدعي محبة النبي ! وأين هو من قوله  صلى الله عليه وسلم " لعن الله من فرق بين الوالدة وولدها وبين الأخ وأخيه [6]  فكيف بمن يفرق  بين جمع وجمع ؟؟
-   ومنهم من يطعن في إخوانه وجرانه وحتى النساء لم ينجون من لسانه وهو يدعي محبة النبي ! وأين هو من قوله  صلى الله عليه وسلم " و من رمى مسلماً بشيءٍ يريد شينه به، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال "[7] وفي رواية : " أيما رجل أشاع على امرئ مسلمٍ كلمة هو بريء منها ليشينه بها، كان حقاً على الله أن يعذبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال"[8]
-   ومنهم من هو سيء الخلق والمعاملة وهو يدعي محبة النبي ! وأين هو من قوله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ : مَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا مَسَاوِئُكُمْ أَخْلاَقًا الثِّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ "[9]
أيها الأخوة الكرام : علينا أن نعلم أن محبة النبي فريضة مؤكدة ، وأنه لا إيمان بغر محبة ، وأن المحبة  ليست مجرد دعوى تنطق بها الألسنة ، بل لابد لتلك الدعوى من البرهان الذي يثبت صدقها " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين "[البقرة111] والبرهان على محبة النبي صلى الله عليه وسلم يتجلى في اتباعه والتأسي به والتحلي بأخلاقه الكريمة والعمل بشريعته والأخذ بتوجهاته . فمن فعل ذلك فقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم ومن أحب النبي كان معه في الجنة ، لقوله صلى الله عليه وسلم " المرء مع من أحب "[10]
وفقني الله وإياكم لاتباع نبيه صلى الله عليه وسلم   والتمسك بسنته ، وجعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وبعد:
فلا ينبغي أن يُفهم مما سبق أن محبة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم تنحصر في مجرد اتباعه فقط .. فالاتباع - الذي ذكرا - إنما هو ثمرة من ثمار المحبة .. شأنه كشأن نصرته ، والدفاع عنه وعن شريعته ، والإكثار من ذكره والصلاة عليه ..
أما حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم فهي محبة حقيقية نابعة من القلب ، تتألف من مشاعر وعواطف ووجدان وشوق وميول وحنين ..ولو كانت محبته صلى الله عليه وسلم تنحصر في مجرد الاتباع لكانت عبارة شيئ آلي ، يدور بين إفعلْ كذا أو لا تفعلْ كذا .. وأحسن ما قرأت في بيان حقيقة محبته عليه الصلاة والسلام ما ذكره القاضي عياض رحمه الله ، قال:
"وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان ، وهذه الموافقة إما أن تكون للاستلذاذ بإدراكه، كحبّ الصّور الجميلة، وإما أن تكون للاستلذاذ العقلي، كحبّ الصالحين والعلماء، وإما أن تكون من جهة الإحسان والإنعام، وقد اجتمعت هذه الأسباب الموجبة للمحبة كلها في حقه صلى الله عليه وسلم. فقد اجتمع فيه صلى الله عليه وسلم جمالُ الصورة والظاهر، وكمالُ الأخلاق والباطن، وتمام الإحسان والإنعام، ما لم يحصل لبشر قبله، ولن يكون لبشر بعده، فاستوجب صلى الله عليه وسلم المحبة الحقيقية شرعًا وعادة وجبلة" [الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي عياض 2 / 62 وما بعدها].

وتبقى قضية المحبة من القضايا الذوقية ، التي لا يمكن أن يحيط بها بيان القلم اللسان، ففاقد حاسة التذوق لا يمكن لأهل الدنيا أن يعرفوه بحقيفة طعم العسل ، وكذلك حقيقة محبة المصطفى صلى الله عليه سلم.
الدعاء
----------------------------------------
[1]أخرجه البخاري رقم 6632
[2] أخرجه البخاري رقم 15     
[3]أخرجه الطبراني في الكبير رقم 1012    
[4]أخرجه البخاري رقم     6014
[5]أخرجه الترمذي في سننه 3895  
[6]أخرجه السيوطي في الجامع الصغير رقم 7281  
[7]أخرجه السيوطي في الفتح الكبير رقم :11723 
[8]أخرجه أبو داود في سننه رقم4883 
[9]أخرجه أخرجه السيوطي في الجامع الكبير رقم 746  
[10] أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم  352  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق