المحامد
الحمد لله حق حمده ، الحمد لله الذي بحمده يبلغ ذو القصد تمام قصده ،
نحمده تعالى على تفضله وإنعامه ، ولطفه وإحسانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له ، ونشهد أن محمدا عبد الله و رسوله
، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا وأنتم مسلمون
تمهيد
أيها الإخوة : في
الدرس الأسبوعي يوم الاثنين الفارط تقدم أحد الإخوة بسؤال وجيه ، قال : أليس رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"[1] . قلنا بلى ! قال
إن كثيرا من الناس الذين حاورناهم يعولون على هذا الحديث ، ويظنون أن مجرد
قول لا إله إلا الله كاف للنجاة من النار
و دخول الجنة ، هكذا فهموا من الحديث ، فهل هذا الفهم صحيح ؟ وإذا لم يكن صحيحا
فما تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال لا إله إلا الله
دخل الجنة" ؟
ونظرا لأهمية السؤال
وخطورته ارتأينا أن يكون الجواب عنه في هذا الخطاب الجامع ؛ لتعم به الفائدة ،
وتبرأ به الذمة أمام الله تعالى .
بيان حقيقة الإيمان
وقبل ذلك
لا بد من بيان موجز لحقيقة الإيمان ؛ لأن الإيمان هو أساس قبول الأعمال ، و به
تكون النجاة يوم القيامة ، و قد أجمع
أهل العلم من لدن صحابة رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - و من تبعهم على الحق والهدى إلى يوم الدين : ( أن الإيمان
قول وعمل ) ، و أن القول والاعتقاد
المجردان عن العمل ، لا يكفيان وحدهما في
دخول الجنة و النجاة من النار ، بل لا بد من العمل بالجوارح ، ودلائل ذلك أكثر من أن تحصى ،
منها :
قوله
تعالى : " وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (الزخرف 72) " فوراثة الجنة إنما تتحقق بالعمل
الصالح ، المبني على الإيمان الصحيح ، وقد جاء الإيمان والعمل الصالح مقترنان في
أكثر من آية وحديث ، من ذلك قوله جل ثناؤه : " إن الذين آمنوا
وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " ( الكهف107) وقال
تعالى " وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا " (النساء 124) وقال تعالى
" وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ
" (غافر 40) وفي الحديث " قل آمنت بالله ثم استقم "[2]
و لهذا
قال العلماء في تعريف الإيمان أنه: ( اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل
بالأركان ) و معنى ذلك : أن الإيمان الذي ينجي صاحبه من النار ويدخله الجنة
هو ما كان مؤلفا من هذه الجوانب الثلاثة :
-
أولا: أن
يعتقد العبد بقلبه ( يصدق تصديقا جازما ) أنه لا معبود في هذا الكون بحق سوى الله تعالى.
-
ثانيا: أن يعبر عن اعتقاده ذاك بلسانه فيشهد أن لا إله إلا الله...
-
ثالثا: أن يعمل بمقتضيات ذلك الاعتقاد، الذي رسخ في
قلبه ونطق به لسانه....
فتلك حقيقة الإيمان الذي تحصل به النجاة : تصديق
بالقلب ، ونطق بالسان ، وعمل بالجوارح والأركان ، ومن هنا يتجلى لنا أن قول لا إله إلا الله بدون عمل لا يدخل
صاحبة الجنة كما فهم بعض الناس .
بيان المراد بالحديث
فإن قال قائل فما معنى
قوله صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله
دخل الجنة " فالجواب عن ذلك من وجوه :
1- أن
ذلك كان في بداية الإسلام قبل افتراض الفرائض و تشريع الأحكام . فكان من يقول لا إله إلا الله يدخل
الجنة
ولو لم يصم أو يزك أو يحج.... ؛ لأن تلك الفرائض لم تفرض بعد ، فإنما فرضت بعد الهجرة . وكان من يقول لا إله إلا الله يدخل الجنة ولو كان يشرب الخمر ؛ لأنها
لم تحرم حينئذ ......
2- أنه
يدخل الجنة بعد أن يعذب في النار ، فيكون معنى الحديث أن من قال لا إله إلا الله لا يخلد في النار
.......
3- إن
المقصود بـ " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة " من قالها مؤمنا بها
، موفيا بحقوقها، ملتزما بشروطها .
و من
شروطها المحافظة على الأخلاق الأساسية المرتبطة
بالإيمان ، كالصدق والوفاء وأداء الأمانة .........
وقد
جاءت أحاديث كثيرة تبين أن الأخلاق السيئة تحرم صاحبها من دخول الجنة ولو
قال لا إله إلا الله وصام وصلى ..... ومن تلك الأحاديث :
و هؤلاء الذين اتكلوا
على هذا الحديث كما ذكر السائل ، كيف غابت عن ذهنهم كل هذه الأحاديث ، ولم يحفظوا من سنة النبي المصطفى إلا ما حسبوه عونا لهم على كسلهم وقعودهم عن العمل
الصالح ، إن مثل هؤلاء كمثل المتسول الذى تغيب
عن ذهنه آيات القرآن كلها ، فلا يعي منها إلا آية واحدة : (من جاء بالحسنة فله عشر
أمثالها
) فهو يحفظها ويقرأها ليأخذ بها أموال الناس.
الخاتمة
أيها الإخوة : هذا الحديث قد فهمه بعض الناس
فهما خاطئا ، و قد تبين لنا المراد به ولله الحمد والمنة ، و ما أكثر الأحاديث التي يفهمها البعض فهما
خاطئا ؛ فيستدلون بها في غير موضعها ، متسببين بذلك في حدوث كثير من البلايا
والمحن لأنفسهم ولغيرهم ، ولهذا ينبغي لمن قرأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يفسره
حسب فهمه هو ، فإن الحديث قد يكون منسوخا ،
وقد يكون عاما وهناك ما يخصصه أو مطلقا وهناك ما يقيده ، وقد يكون قضية عين خاصة
بشخص لا تتعداه إلى غيره.....ولهذا لا بد لمن أراد فهم الحديث أن يرجع إلى شروحه
في المصادر المعتمدة ، كفتح الباري في شرح صحيح البخاري وغيره....وأن يسأل أهل
الاختصاص في ذلك لقوله تعالى" فاسألوا أهل الذكر
إن كنتم لا تعلمون "
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه،
وغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .