......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الجمعة، 21 ديسمبر 2012

وقفة مع حديث : " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة "


المحامد
الحمد لله حق حمده ، الحمد لله الذي بحمده يبلغ ذو القصد تمام قصده ، نحمده تعالى على تفضله وإنعامه ، ولطفه وإحسانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمدا عبد الله و رسوله  ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا وأنتم مسلمون

تمهيد
أيها الإخوة : في الدرس الأسبوعي يوم الاثنين الفارط تقدم أحد الإخوة بسؤال وجيه ، قال : أليس رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول : "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"[1] . قلنا بلى ! قال إن كثيرا من الناس الذين حاورناهم يعولون على هذا الحديث ، ويظنون أن مجرد قول  لا إله إلا الله كاف للنجاة من النار و دخول الجنة ، هكذا فهموا من الحديث ، فهل هذا الفهم صحيح ؟ وإذا لم يكن صحيحا فما تفسير قوله -  صلى الله عليه وسلم - : "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" ؟
ونظرا لأهمية السؤال وخطورته ارتأينا أن يكون الجواب عنه في هذا الخطاب الجامع ؛ لتعم به الفائدة ، وتبرأ به الذمة أمام الله تعالى .
بيان حقيقة الإيمان
وقبل ذلك لا بد من بيان موجز لحقيقة الإيمان ؛ لأن الإيمان هو أساس قبول الأعمال ، و به تكون النجاة يوم القيامة ،  و قد أجمع أهل العلم من لدن  صحابة رسول الله -  صلى الله عليه وسلم - و من تبعهم على الحق والهدى إلى يوم الدين : ( أن الإيمان قول وعمل )  ، و أن القول والاعتقاد المجردان عن العمل ، لا يكفيان وحدهما  في دخول الجنة و النجاة من النار ، بل لا بد من  العمل بالجوارح ، ودلائل ذلك أكثر من أن تحصى ، منها :
قوله تعالى : " وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (الزخرف 72) " فوراثة الجنة إنما تتحقق بالعمل الصالح ، المبني على الإيمان الصحيح ، وقد جاء الإيمان والعمل الصالح مقترنان في أكثر من آية وحديث ، من ذلك قوله جل ثناؤه : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " ( الكهف107) وقال تعالى  " وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا " (النساء 124)  وقال تعالى  " وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ " (غافر 40)  وفي الحديث "  قل آمنت بالله ثم استقم "[2]
و لهذا قال العلماء في تعريف الإيمان أنه: ( اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان ) و معنى ذلك : أن الإيمان الذي ينجي صاحبه من النار ويدخله الجنة هو ما كان مؤلفا من هذه الجوانب الثلاثة :
-      أولا: أن يعتقد العبد بقلبه ( يصدق تصديقا جازما ) أنه لا معبود في هذا الكون بحق سوى الله تعالى.
-      ثانيا: أن يعبر عن اعتقاده ذاك بلسانه فيشهد أن لا إله إلا الله...
-      ثالثا: أن يعمل بمقتضيات ذلك الاعتقاد، الذي رسخ في قلبه ونطق به لسانه....
فتلك حقيقة الإيمان الذي تحصل به النجاة : تصديق بالقلب ، ونطق بالسان ، وعمل بالجوارح والأركان ، ومن هنا يتجلى لنا أن قول لا إله إلا الله بدون عمل لا يدخل صاحبة الجنة كما فهم بعض الناس .
بيان المراد بالحديث
فإن قال قائل فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة " فالجواب عن ذلك من وجوه :
1-      أن ذلك كان في بداية الإسلام قبل افتراض الفرائض و تشريع الأحكام . فكان من يقول لا إله إلا الله يدخل الجنة ولو لم يصم أو  يزك أو يحج.... ؛ لأن تلك الفرائض لم تفرض بعد  ، فإنما فرضت بعد الهجرة . وكان من يقول لا إله إلا الله يدخل الجنة ولو كان يشرب الخمر ؛ لأنها لم تحرم حينئذ ......
2-      أنه يدخل الجنة بعد أن يعذب في النار ، فيكون معنى الحديث أن من قال لا إله إلا الله لا يخلد في النار .......
3-      إن المقصود بـ " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة " من قالها مؤمنا بها ، موفيا بحقوقها، ملتزما بشروطها .
 و من شروطها المحافظة على الأخلاق الأساسية  المرتبطة بالإيمان ، كالصدق والوفاء وأداء الأمانة .........
وقد جاءت أحاديث كثيرة تبين أن الأخلاق السيئة تحرم صاحبها من دخول الجنة  ولو قال  لا إله إلا الله  وصام وصلى ..... ومن تلك الأحاديث :
" لا يدخل الجنة نمام "[3]
" لا يدخل الجنة قتات "[4]
" لا يدخل الجنة قاطع رحم "[5]
" من غشنا فليس منا "[6]
"ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، و يعرف لعالمنا حقه "[7]
و هؤلاء الذين اتكلوا على هذا الحديث كما ذكر السائل ، كيف غابت عن ذهنهم كل هذه الأحاديث ، ولم يحفظوا  من سنة النبي المصطفى إلا ما  حسبوه عونا لهم على كسلهم وقعودهم عن العمل الصالح  ، إن مثل هؤلاء كمثل المتسول الذى تغيب عن ذهنه آيات القرآن كلها ، فلا يعي منها إلا آية واحدة : (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) فهو يحفظها ويقرأها ليأخذ بها أموال الناس.

الخاتمة
أيها الإخوة : هذا الحديث قد فهمه بعض الناس فهما خاطئا ، و قد تبين لنا المراد به ولله الحمد والمنة ، و ما أكثر الأحاديث التي يفهمها البعض فهما خاطئا ؛ فيستدلون بها في غير موضعها ، متسببين بذلك في حدوث كثير من البلايا والمحن لأنفسهم ولغيرهم ، ولهذا ينبغي لمن قرأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم   ألا يفسره حسب فهمه هو  ، فإن الحديث قد يكون منسوخا ، وقد يكون عاما وهناك ما يخصصه أو مطلقا وهناك ما يقيده ، وقد يكون قضية عين خاصة بشخص لا تتعداه إلى غيره.....ولهذا لا بد لمن أراد فهم الحديث أن يرجع إلى شروحه في المصادر المعتمدة ، كفتح الباري في شرح صحيح البخاري وغيره....وأن يسأل أهل الاختصاص  في ذلك لقوله تعالى" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه،
وغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .



[1] الترمذي في سننه رقم : ( 2638 ). والطبراني في معجمه الكبير رقم :  (6348 ). وغيرهما .
[2] البيهقي في الصغرى رقم :  (20) . والطبراني في معجمه الكبير رقم : ( 6398) وغيرهما .
[3] مسلم في صحيحه رقم : (105)
[4] البخاري في صحيحه رقم : (5709)
[5] البخاري في الأدب المفرد رقم : ( 64 )
[6] مسلم في صحيحه رقم : (45)
[7] الطبراني في في الأوسط رقم : ( 4812)