......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الجمعة، 23 نوفمبر 2012

غــزة المحاصرة بين الألم والأمل


المحامد
الحمد لله حق حمده ، الحمد لله الذي بحمده يبلغ ذو القصد تمام قصده ، نحده تعالى على تفضله وإنعامه ، ولطفه وإحسانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمدا عبد الله و رسوله  ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد /
مجتمع الإيمان جسد واحد
فإن الله تعالى قد فرض الإخوة بين المؤمنين ، كما فرض عليهم الصلاة ة والصيام  والحج والزكاة ، فقال جل ثناؤه : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..." [ الحجرات 10 ]  ، كل المؤمنين إخوة ، مهما تباعدت أقطارهم ، ومهما اختلفت جنسياتهم ، ومهما تباينت لغاتهم ، فهم إخوة تجمعهم رابطة واحدة ، ومن لطائف هذه الآية وأسرارها : أنها جاءت بالصغة الخبرية ، لا بالصغة الإنشائية ؛ وذلك لتؤكد أن الإخوة بين المؤمنين أمر قد فرغ منه ، فلا مجال فيه للمناقشة و المساومة  ، إذ به حكم الله في عليائه ثم أنزله قرآنا يتلى  وجعله دستورا خالدا إلى يوم الدين .
ويأتي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينا حقيقة الإخوة ، حيث ضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة البيانية في وصف حقيقة الإخوة بين المؤمنين ، فقال – عليه الصلاة والسلام - : " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى "[1]  و هذا ليس مجرد تشبيه بلاغي ، بل هو أمر تكليفي واجب علينا امتثاله ، فهو - صلى الله عليه وسلم – يقول لنا : هكذا ينبغي أن يكون مجتمع الإيمان ، وهكذا ينبغي أن تجسدوا فريضة الأخوة في كيانكم إن كنتم مؤمنين حقا، وفي حديث آخر "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "[2]
موقف المسمين مما يحدث في غزة
وبعد بيان هذه الحقيقة إننا لنتساءل  بمرارة ، ما هو موقفنا اليوم ونحن  نرى إخواننا في غزة المحاصرة يتعرضون لأبشع الهجمات الحربية ، والإبادة الجماعية التي ينفذها اليهود و من ورائهم أمريكا الطاغية ، ومن حذا حذوهم  من الكافرين والمتخاذلين ،  الذين تلاقى جمعهم  على ضرورة إبادة هذه العصبة المؤمنة ،  لا لشيء إلا أنهم قالوا ربنا رب السماوات والأرض فلن نركع لغيره ولن نخضع لسواه  ،  و في أيام معدودات معلومات خالدات شاهدات : استشهد وجرح المئات ،  من الرجال والنساء والأطفال !!
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ  فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [ آل عمران 169- 170]
فالذين ضحوا بأنفسهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله ، دفاعاً عن دينهم ووطنهم ومقدساتهم ليسوا أمواتا بشهادة القرآن ، وإنما الأموات الذين خانوا العهود وباعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل .....
لكن ما هو موقفنا و ما هو شعورنا - أيها الإخوة - ونحن نرى أشلاء إخواننا تمزق ، و دماؤهم تسفك ، ومنازلهم تدمر من فوق رؤوسهم ؟؟؟
وما ذا لو يرى أحدكم أولاده أشلاء ممزقة يحملها بين يديه ؟؟ ورأى أهله وأقرباءه في دمائهم يسبحون وهو لا يستطيع أن ينجدهم  ؟؟ إنه أمر مهول حقا  !!  هذا الشعور الذي يشعر به أحدنا عند مصابه ، ينبغي أن يكون هو ذاته تجاه إخواننا في غزة ، وإلا فلا قيمة لإيماننا و لا وزن  لعباداتنا ، "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " والمؤمنون جسد واحد كما وصفهم النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم .
ومن عجائب هذا الزمن أن ترى المسلمين يمزقون كل ممزق ... في حين تجد مسلمين آخرين يمرحون ويلعبون وينفقون الأموال الطائلة على حفلات الرقص والمجون ؟؟؟ 
لما ذا توجه تلك الأموال -  أو على الأقل جزء منها  - إلى نصرة إخوانهم في غزة الذين يدافعون  عن شرف الأمة الإسلامية بأبجمعها ؟؟  ثم إن هذه المواقف المخزية تنتهي بأصحابها إلى البوار ، قال -  صلى الله عليه وسلم - : "لا يقفن أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضر حين لم يدفعوا عنه ولا يقفن أحد منكم موقفا يضرب فيه أحد ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه "[3]
هذا فرد واحد تترتب على خذلانه وعدم نصرته اللعنة من الله جل جلاله ، واللعنة تعني الطرد والحرمان من رحمة الله ورضوانه ، وكفى بذلك نقمة .
فإذا كان خذلان فرد واحد يسبب كل هذا العذاب ، فكيف بخذلان أمة بأكملها ؟ ! 
وجوب نصرة غزة
لكن لا يزال في أمتنا بقية خير  ولله الحمد والمنة ، فقد رأينا - هذه المرة - مواقف مشرفة من بعض البلدان الإسلامية ، الذين وقفوا إلى جانب إخوانهم ماديا ومعنويا ، وكان لتلك المواقف أثر بارز في توقف العدوان الصهيوني الغاشم ، وهذا أقل ما يمكن فعله تجاه إخواننا ؛  لأن نصرة غزة من الواجبات المؤكدة التي يثاب فاعلها ويعاقب تاركها ، والله تعالى إنما يكلف العباد بقدر ما آتاهم من طاقة وجهد ، ولا تكليف في غير وسع ، و لا تكليف بغير مقدور ، فالتكاليف الشرعية إنما تأتي تبعا لقدرات المكلفين ، فذو السلطان يكلف بما لا يكلف به من لا سلطان له ، والغني يكلف بما لا يكلف به الفقير، والعالم يكلف بما لا يكلف به الجاهل، وهكذا...كلما ازدادت مواهب الرجل ازدادت مسؤولياته، وكبرت الأمانة في عنقه.
و نحن جميعا مطالبون بنصرة غزة ، كل منا حسب طاقته وجهده ، فمن عجز عن النصرة بالنفس، فعليه أن ينصر بالمال، ومن عجز عن النصرة بالمال، فباللسان والقلم، ومن عجز عن ذلك كله، فإنه لا يعجز عن النصرة بالدعاء ، ولا ينبغي أن تستحقروا النصرة بالدعاء؛ فإنه إذا صاحبه صدق التوجه إلى الله، كان أفتك من أسلحة ( أ ت ش)
أتهزأ بالدعاء وتزدريه...وما تدري ما صنع الدعاء...سهام الليل لا تخطي ولكن... لها أمد وللأمد انقضاء.
وهذا يتطلب منا أن نصلح أنفسنا حتى نكون أهلا للقبول، فالله تعالى يقول:" إنما يتقبل الله من المتقين" [المائدة27]
توقف العدوان درس وعبرة
واليوم - ولله الحمد المنة - قد توقف العدوان  عن غزة  وانكشفت الغمة عن إخواننا ، و إن في ذلك لعبرة للعالمين ، وإسوة لمن كان يريد  الحرية والانتصار ، فها هي عصبة قليلة مستضعفة في الأرض ، محاصرة منذ عدد سنين ، و ليس لها من السلاح إلا شيء يسير  ، ومع ذلك تقف في وجه أكبر قوة في العالم ، و تعدل كفة  الميزان ، وتقهر جبروت الكيان الصهيوني الغاصب  ، وترغمه على الرضوخ لمطالبها ، و تلك نتيجة الصبر والإيمان ، " وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ "[آل عمران120]
" فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ" [آل عمران 17- 18]
" كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" [آل عمران 249] 
فالله الذي قهر فرعون ونصر موسى ومن معه ، و قهر النمرود ونجى إبراهيم ،  وهزم قريشا يوم بدر... ، و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده ... وهزم قوات الحلف الأطلسي ونصر المجاهدين في ثورة التحرير الجزائرية .....هو وحده - جل جلاله - الذي رد العدوان عن إخواننا في غزة ، و هو وحده الذي سينصر المستضعفين في كل زمان وكل مكان ...وهذا يؤكد لنا – بوضوح - أن اليهود ليسوا قوة جبارة لا تقهر كما يزعمون ، وكما يظن الذين خويت قلوبهم من الإيمان ، فاليهود جنس عرف بنذالته وخسته وجبنه عبر التاريخ
، وإنما استفحل أمرهم وعلا شأنهم حين لم يجدوا مقاومة جدية من أهل الإيمان الراسخ ، وحين يظهر  أهل الإيمان وطلاب الدار الآخرة فلن تجد  إسرائيل إلا منهزمة ، بل ستزول حينئذ
من خارطة  العالم بشكل كلي ،  وهذا أمر لا مرية فيه ، وإنما له أمد وللأمد انقضاء ، "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا " [الإسراء 4-5-6-7]

الحمد الله الذي صدق وعده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده .
 وصلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الهوامش


[1] [ أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب : ( البر والصلة والآداب 46) باب : ( تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم 17 ) حديث رقم : (6751)
[2] أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الإيمان ( 2 ) ، باب : من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ( 6 ) ، حديث رقم:( 13)
[3] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ، رقم : ( 11675 )