......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الجمعة، 7 سبتمبر 2012

أي الخاتمتين تريد ؟


خطبة الجمعة بمسجد مالك بن أنس  بالتلاغمة – ميلة- 10شوال 1433 هـ = 07 / 09 / 2012 م
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" جاء في الحديث عن سيد المرسلين – عليه الصلاة والسلام - : "إنما الأعمال بالخواتيم" و كان من دعائه: "اللهم إني أسألك حسن الخاتمة" ، "اللهم اجعل خير أعمالي خواتيمها" إنه لموضوع  من الخطورة بمكان ؛ يتعلق بحسن وسوء الخاتمة ، لا ندري كيف سيُختم لنا ؟ وعلى أي حال ستكون نهايتنا ؟  هناك كثير من الناس ظلوا يعملون الصالحات طوال حياتهم ، لكن خاتمتهم كانت سيئة ، وإنما العبرة بالخواتيم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حافَ في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصية فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة" ومعنى حاف : أي جار وظلم في وصيته ، كأن : يوصي لأبنائه الذكور ويحرم الإناث " وقس على ذلك ما أشبهه .
إن مثل سوء الخاتمة كمثل رجل ظل صائما وقبل آذان المغرب بدقائق أفطرَ ، فبطل صيامه؟ أو كرجل وقف يصلي خاشعا وقبل أن يسلم  انتقض وضوؤه ، فبطلت  صلاته كلها ؟ وكذلك الشأن لمن ظل يعمل صالحا طوال عمره  ولكنه قبل موته أبطل كل ما عمله ؟؟؟ فمثله كمثل تلك المرأة التي قص علينا القرآن من خبرها : " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا... " وفي الحديث: " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " لكن لماذا كانت نهايته هكذا ؟ والله لا يظلم أحدا ، ولا يضيع أجر من أحسن عملا ، " إن الله لا يظلم ثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤتي من لدنه أجرا عظيما " لماذا - إذن - ختم له بالسوء ؟ والجواب : أن هناك خلل ما في سريرته ، فهو يعمل  بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، ولكن هناك شيء ما بداخله أفسد أعماله وأتى عليها من أساسها ، ما هو ذلك الشيء ؟ قد يكون فاقدا للإخلاص مرائيا بعمله ، يطلب به المنزلة والمكانة عند الناس ؟ و قد يكون معجبا بنفسه ؛ فيظن نفسه أنه أفضل من على الأرض ! وأنه وحده الناجي والكل هالكون !! هناك نفوس مريضة حقا ، هناك من تراه أول الراكعين الساجدين ، وربما قرأ القرآن وظهرت عليه سمات الصلاح ، ولكن ترى روائح المرض القلبي تنبعث منه ، فهو يتطاول على خلق الله ، ينتقد الجميع ، يطعن في عباد الله ، لم يسلم منه حتى العلماء والدعاة إلى الله تعالى ، وهو بذلك يعرض ويلمح إلى أنه أرجحهم عقلا وأحسنهم خلقا وأفضلهم ديانة !!! هذا هو الداء القاتل الذي يسبب سوء الخاتمة – والعياذ بالله تعالى – فالله تعالى إنما ينظر إلى السرائر ، ومتى كانت السرائر فاسدة فإن الظواهر لا تغني عن العبد شيئا ؛  لهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: "اللهم كما حسّنت خَلقي فحسن خُلُقي". فإذا كان الباطن ملوثا فإن تحسين الظاهر لا يغني عن صاحبه شيئا ، وقديما قال الشاعر :
   لا تعجبنك أوجه مدهــونة...........وتظن أن الحسن بالتلوين
   فالقرد ذو قبح وإن حسنـته...........والبدر لا يحتاج للتحسـين
وحينما اختار سيدنا أبو بكر عمر بن الخطاب ليكون خليفة للمسلمين ، قال له الصحابة:    
" أتوليه علينا وهو شديد ؟ " برر اختياره بقوله : " ذلك رجل أعلم أن سرّه أفضل من علانيته"

نماذج من سوء الخاتمة
* بينما رجل يحارب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع الصحابة فقاتل ومات ، فقال الصحابة: "هنيئًا له الجنة" فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "هو في النار" فقالوا: "كيف يا رسول الله؟" قال: "أثخنته الجراح فاتكأ على سيفه فقتل نفسه ". هناك علة خفية أودت به إلى هذا المصير ، نسأل الله العافية .
* ورجل آخر حاول الصحابة تلقينه الشهادة أثناء موته فلم يستطع نطقها على الرغم من سهولتها على اللسان ، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أله أُم؟"  قالوا: "  نعم يا رسول الله" فناداها وقال لها: "أفي صدرك شيء؟" قالت: "نعم يا رسول الله، كان يأتي بالطيب من الفاكهة لزوجته وأولاده ويعطيني أنا أسوأ ما فيها" فأراد النبي أن يرقق قلبها فقال: "أشعلوا نارًا وألقوه فيها " ؛ لأنه إذا مات وهي غاضبة عليه فجزاؤه جهنم ، وهي أشد حرا ، فقالت : "رضيت يا رسول الله" فإذا بالصحابة يقولون: "يا رسول الله لقد نطق الرجل بالشهادة". نتستنتج من هذا النص المبارك ، أن عقوق الوالدين من أسباب سوء الخاتمة .
* وقص علينا القرآن قصة رجل يدعي " بلعام بن باعوراء ". كان عالمًا ومؤمنًا تقيًّا وعابدًا، ولكن كان بداخله شيء سيء ؛ وهو حب المكانة والمنزلة ، حب الشهرة والرئاسة ، فكان يطلب العلم حبًّا في المكانة ، فلم ينفعه علمه ولا صلاحه الظاهري ، فختم له بأسوأ خاتمة ، وكان مثله كمثل الكلب . " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فأتبعه الشيطان  فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها  ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب  إن تحمل عليه يلهث  أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون..." فهو قد انسلخ من العلم والدين كما تسلخ الشاة من جلدها ، كان هذا الرجل في عهد موسى عليه السلام وبني إسرائيل بعدما أنقذهم الله من آل فرعون ، ولما كانوا في طريقهم إلى فلسطين مروا بأرض الكنعانيين الذين كانوا متحالفين مع فرعون كارهين لموسى ومن معه ، فعسكر موسى بجيشه حولهم ، فخافوا منه خوفا شديدا وعلموا أنهم لا طاقة لهم به ، فذهبوا إلى بلعام يطلبون منه أن يعينهم على هزيمة موسى وجيشه ، فقالوا أنت رجل دين فادع على آل موسى ، فقال: "ويلكم هذا نبي الله ومعه الملائكة ومعه المؤمنون" فقالوا: " لك عندنا المنزلة والمكانة ولا نقطع أمرًا إلا بك حتى تخلصنا منهم"       { وهو كان يحب ذلك كثيرا ويسعى إليه }  فقبل هذا العرض و جلس يدعو على موسى وعلى بني إسرائيل ، ولكن لم يحدث شيء لموسى وقومه ، فقالوا له : "ويحك لم يحدث شيء لهم" فقال : أما وقد خسرت آخرتي فلن أخسر دنياي ، سأدلكم على حيلة ومكر تمكروه بموسى ومن معه فتهزمونهم : آتوا بنساء القبيلة فجملوهن وأعطوهن بضائع يبعنها لبني إسرائيل ، ومُرُوا النساء ألا يمنعن أنفسهن عن أي رجل من بني إسرائيل- لقد فعل كل ذلك من أجل الشهرة وطلب علو المنزلة - ففعلوا ذلك فانتشر النساء بين بني إسرائيل – ومعلوم أن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء -  ولما علم موسى بخبره دعا عليه فطال عمره وساء عمله وعاش و هو مكتوم . فلم تغني عنه مظاهر العلم والتدين شيئا .
نماذج من حسن الخاتمة:
وهناك الكثير من نماذج حسن الخاتمة التي نسأل الله ألا يحرمنا منها ، من ذلك :
 * خاتمة سيدنا "بلال بن رباح" عندما حضرته الوفاة قالت زوجته : وامصيبتاه! فقال لها:"لا تقولي وامصيبتاه بل قولي وافرحتاه غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه". ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه .
* ومن النماذج المعاصرة : خاتمة الشيخ "الغزالي" الذي مات وهو يحاضر في السعودية ، وفجأة أصابته ذبحة صدرية ، هذا الذي طالما وصفته بعض الطوائف المتطرفة بأنه خبيث ، يموت وهو :- يقول : لا إله إلا الله ....ويدافع عن الإسلام وقضايا المسلمين ، ثم يدفن بالبقيع ، وقد جاء في الحديث " المدينة تنفي خبثها ..." فلو كان الغزالي خبيثا - كما يقولون -  لنفته المدينة أن يدفن فيها ؟ ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ). وأكثر من ذلك أن الذي قام بدفنه اندهش ؛ إذ لم يجد مكانا لدفنه إلا بين الإمام مالك و إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فدفن بينهما .
أين هذا ممن يموتون وهم يتعاطون المخدرات أو يموتون وهم يشربون الخمر !! ومنهم من مات وهو يمارس أفعالا مخلة بالحياء !! والأمثلة كثيرة .....نسأل الله العافية.
فأي الخاتمين تريد ؟
 أتريد أن تكون خاتمتك كخاتمة ابن باعوراء وأشباهه ؟؟ وما أكثر أبناء الباعورات في هذا الزمن .
أم تريد أن تكون خاتمتك  كخاتمة "عمر بن عبد العزيز" الذي مات مبتسما وهو يتلو قول الله تعالى : " تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ"
لا شك أنك تريد هذه الأخيرة .
  فأحسن عملك وأخلصه لله تعالى
وأحسن الظن بالله
وصحح اعتقادك
والزم السنة واجتنب البدعة
وطهر  سريرتك
ولسانك لاتذكر به عورة امرئ ..

والحمد لله رب العالمين

هناك 3 تعليقات:

  1. اللهم ارزقنا حسن الختام

    ردحذف
  2. اللهم ارزقنا حسن الخاتمة

    ردحذف
  3. بارك الله فيك شيخنا الكريم ،اللهم ارزقنا حسن الخاتمة

    ردحذف