......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 13 فبراير 2025

حكم التوقف عن الانجاب؟

 سأل سائل عن رجل انجب ولدَيْن، ثم قال لزوجته يجب أن نتوقف عن الانجاب، وهي غير راضية بهذا القرار، فما الحكم ؟

والجواب:

هذه المسألة يٌنظر إليها من وجهين:

الوجه الأول:

إن إراد بذلك قطع الحمل من أصله، كإجراء عملية جراحية لرحم المرأة، ليصبح غير صالح للحمل والإنجاب، فهذا ذهب جمهور العلماء إلى حرمته، سواء كان باتفاق من الزوجين أم بدونه؛ لأنه تغيير لخلق الله، ومعاندة واضحة للحكمة الإلهية من خلق الذكر والأنثى، ومشروعية الزواج بينهما، لأجل استمرار النسل.
قال النفرواي- في الفواكه الدواني 1 / 117-:
"وَأَمَّا لَوْ اسْتَعْمَلَتْ دَوَاءً لِقَطْعِهِ [الضمير عائد على الحيض] أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ لَهَا حَيْثُ كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسْلِ، كَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ مَا يَقْطَعُ نَسْلَهُ أَوْ يُقَلِّلَهُ".

وجاء في مواهب الجليل للحطاب 3 / 477:

"وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ مَا يُقَلِّلُ نَسْلَهُ".

ولا تختلف بقية المذاهب الأخرى عما قرره فقهاء المالكية في هذه المسألة في الظروف العادية، ويستثنى من ذلك حالات الضرورة القصوى، كما لو أكد فريق من الأطباء الموثوقين أن الحمل يؤدي بالمرأة إلى الهلاك، فيجوز حينئذ الإقدام على هذا الإجراء؛ لأن [الضرورات تبيح المحظورات]، ولأن [حفظ الموجود أولى من تحصيل المفقود].
أما أن يلزم الزوج زوجته بذلك أو يتفقا عليه معا من غير ضرورة، مقطوعا أو مظنونا ظنا راجحا بحصولها، فلا يجوز باتفاق المذاهب الأربعة.

الوجه الثاني:

إن أراد بذلك اللجوء إلى استعمال ما يمنع الحمل مؤقتا، كاستعمال حبوب منع الحمل المعهودة في عصرنا، أو ما شابهها من الوسائل الأخرى التي تمنع وصول المني إلى الرحم، فهذا يجوز استعماله مع الكراهة التنزيهية، وذلك قياسا على ما قرره الفقهاء المتقدمون في حكم العزل، وهو إفراغ المني خارج الفرج، فلا فرق بين هذه الوسائل الحديثة وبين العزل، بل قد تكون هذه الوسائل أحسن من العزل أحيانا ، من حيث عدم قطع اللذة عن الزوجين.
وقد دلت على جواز العزل أدلة كثيرة، منها: حديث جابر:

«كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالقُرْآنُ يَنْزِلُ». رواه البخاري
وقيد المالكية وجمهور الفقهاء جواز العزل بإذن الزوجة الحرة، جاء في القوانين الفقهية لابن جزي 141:
"لَا يجوز الْعَزْل عَن الْحرَّة إِلَّا بِإِذْنِهَا".

وفي مختصر سيدي خليل: "وَلِزَوْجِهَا الْعَزْلُ إنْ أَذِنَتْ وَسَيِّدُهَا كَالْحُرَّةِ إذَا أَذِنَتْ".

ومراده: أن لزوج الأمة – المملوكة - أن يعزل عنها بإذنها وإذن سيدها، كما يجوز له أن يعزل عن زوجته الحرة إن أذنت بالقول، سواء رضيت بذلك مجانا أو بعوض، فالمعتبر في ذلك إذنها هي دون إذن وليها.
وبناء على ذلك فلا يجوز للسائل إجبار زوجته على تعاطي وسائل منح الحمل أو يتعاطى هو ما يمنع الإنجاب دون إذنها ورضاها؛

قال الباجي في المنتقى 4 / 143:

"وَذَلِكَ أَنَّ لِلْحُرَّةِ حَقًّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَطَلَبِ النَّسْلِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ وَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ إكْمَالِهِ".
وننبه في الأخير إلى إن جواز استعمال حبوب منع الحمل مشروط أيضا بأن لا يسبب ضررا للزوجة.
والله أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق