......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الاثنين، 18 أبريل 2022

حكم المجنون بالنسبة لقضاء الصيام من خلال القوانين الفقهية لابن جزي

قال رحمه الله:

" فَأَما الْمَجْنُون: فَلَا يَصح صَوْمه، وَالْقَضَاء يجب عَلَيْهِ مُطلقًا فِي الْمَشْهُور، وَقيل: لَا يجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا كثر من السنين، وَقيل: إن بلغ مَجْنُونا لم يقْض بِخِلَاف من بلغ صَحِيحا ثمَّ جن، وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة : لَا قَضَاء عَلَيْهِ مُطلقًا "هــ
لما كان العقل شرطا في صحة الصيام، فلا يصح من مجنون لأنه لا قصد له، ومن أفاق من جنونه وجب عليه قضاء ما جُن فيه من السنين (مُطلقًا) أي سواء بلغ مجنونا أو بلغ صحيحا ثم جن، وسواء كثرت تلك السنين أو قلت على المشهور.
قال مالك في المدونة:"مَنْ بَلَغَ وَهُوَ مَجْنُونٌ مُطْبَقٌ فَمَكَثَ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ فَلْيَقْضِ صَوْمَ تِلْكَ السِّنِينَ وَلَا يَقْضِي الصَّلَاةَ"[1] .
وحجة المالكية في إيجاب القضاء على المجنون، أنه داخل في عموم قوله تعالى: "فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ"[2] .
فوجب عليه قضاء ما أفطره من رمضان كالمريض وكالحائض والنفساء، قال الدسوقي: "أَنَّ الْجُنُونَ مَرَضٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)"[2] .
وقال عليش: " فَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ كَقَضَاءِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ"[4].
ولما كان مشبها بالحائض والنفساء قالوا يجب عليه قضاء الصوم ولا يجب عليه قضاء الصلاة.
ويقابل المشهور ثلاثة آراء في المذهب:
الأول: لابن حبيب، قال: إذا قلت الأعوام كالخمسة وجب عليه القضاء، وإن كثرت كالعشرة فلا قضاء عليه [5]. وإليه أشار المصنف بقوله: (وَقيل: لَا يجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا كثر من السنين).
والثاني: نُسِبَ لعبد الملك بن الماجشون[6] ، وهو ما أشار إليه المصنف بقوله :(وَقيل إن بلغ مَجْنُونا لم يقْض بِخِلَاف من بلغ صَحِيحا ثمَّ جن).
والثالث: لم يشر إليه المصنف وهو لابن عبد البر قال: لا قضاء عليه مطلقا[7]. وقد مال إلى هذا الرأي من فقهائنا المعاصرين الدكتور موسى إسماعيل، حيث وصفه بقوله : "وهو أحسن"[8].
والقول بعدم وجوب القضاء على المجنون مطلقا هو مذهب أبي حنيفة والشافعي[9].
وقداحتج الشافعية والحنفية على عدم وجوب القضاء على المجنون مطلقا بما يلي:
1- بالقياس على الصبي بجامع انعدام العقل عند كليهما.
قال السرخسي: "الصَّبِيُّ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ نَاقِصُ الْعَقْلِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ عَدِيمُ الْعَقْلِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ، وَالْمَجْنُونُ عَدِيمُ الْعَقْلِ بَعِيدٌ عَنْ الْإِصَابَةِ عَادَةً"[10].
وبقريب من هذا احتج ابن عبد البر فقال: "والذي أقول به أن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صيام على واحد منهما إذا كان في رمضان في تلك الحال حتى يفيق المجنون ويحتلم الصبي"[11].
يعني : لا صيام واجبا على واحد منهما لعدم التكليف؛ وإذن فلا قضاء على أي منهما.
2- قالوا: أن القول بوجوب القضاء على المجنون موقع في الحرج، والحرج مرفوع شرعا، وقد اعتبره الشارع عذرا مسقطا للصلاة عن الحائض، والمجنون في هذه الحال أشد حرجا من الحائض، قال السرخسي:" فَإِنَّمَا أَسْقَطْنَا الْقَضَاءَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَالْحَرَجُ عُذْرٌ مُسْقِطٌ لِلْقَضَاءِ كَالْحَيْضِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ"[12] .
ولا يخفى ما في توجيه الأحناف وابن عبد البر من قوة، ومن ملائمة لمقاصد الشريعة القائمة على رفع الحرج، ولا يخفى ما في القول بقضاء سنوات الجنون من حرج، ومن تكليف بأمر كان خارجا عن قدرة العبد وإرادته، ولقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق، فلا يجب عليه الصوم حال جنونه إجماعا، وإذا أفاق فلا دليل يوجب عليه القضاء بأمر جديد كالحائض والنفساء والمريض والمسافر.
فدليل الأمر الجديد الموجب للقضاء على الحائض والنفساء هو حديث عائشة : "كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ".
ودليل الأمر الجديد الموجب للقضاء على المريض والمسافر هو قوله تعالى: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ".
ولا دليل يوجب القضاء على المجنون إذا أفاق إلا قياسه على المريض، وفيه نظر، لأن القياس على المريض فيه نوع من المفارقة؛ لأن المريض قد شهد الشهر عاقلا له بخلاف المجنون؛ لذلك فإلحاقه بالصبي أقيس من إلحاقه بالمريض؛ بجامع انعدام العقل عند كليهما، بل المجنون أعذر من الصبي - كما قال السرخسي - لأنه أعقل منه.
والله أعلم
-----------------------------------------------------
1- المدونة للإمام مالك 1/277
2- البقرة 185
3- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير1 / 522)
4- منح الجيل لعليش 2/192
5- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/522
6- التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب لخليل 2/375
7- الكافي في فقه أهل المدينة1 / 331
8- الوجيز في فقه العبادات 2 / 361
9- انظر : مذهب الشافعي في روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي2 / 373.
10- المبسوط للسرخسي 3 / 88
11- الكافي في فقه أهل المدينة1 / 331
12- المبسوط للسرخسي 3 / 88

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق