بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه الميامين، أما بعد :
تعتبر هذه المسألة من النوازل العصرية ، لكونها غيرَ منصوص على حكمها عند الفقهاء المتقدمين، لأنه لا وجود في عصرهم لهذه الجمعيات ، التي تجمع الجلود بغرض بيعها وإنفاق ثمنها في احتياجات المساجد ؛ وإنما المنصوص عليه هو حكم بيع جلد الأضحية ، أو إهدائه أوالتصدق به، وقد قسمت البحث في هذه المسألة إلى خمسة مطالب موجزة:
تعتبر هذه المسألة من النوازل العصرية ، لكونها غيرَ منصوص على حكمها عند الفقهاء المتقدمين، لأنه لا وجود في عصرهم لهذه الجمعيات ، التي تجمع الجلود بغرض بيعها وإنفاق ثمنها في احتياجات المساجد ؛ وإنما المنصوص عليه هو حكم بيع جلد الأضحية ، أو إهدائه أوالتصدق به، وقد قسمت البحث في هذه المسألة إلى خمسة مطالب موجزة:
تحرير محل النزاع
وقبل الشروع في دراسة المسألة ، لابد من
تحرير محل النزاع فيها؛ لنميز ما اتُفِقَ عليه ، مما هو مختلف فيه.
1- فقد اتفق الفقهاء على جواز
انتفاع صاحب الأضحية بجلد أضحيته، كما اتفقوا على جواز التصدق به على الفقراء ، أو
إهدائه لفقير أو لغني .
2- اختلف الفقهاء في حكم
بيع جلد الأضحية، فهذا هو المحل المتنازع فيه.
المطلب الأول: بيان مذاهب
الفقهاء وأدلتهم في حكم بيع جلد الأضحية
لقد اختلف الفقهاء في
ذلك إلى ثلاثة مذاهب، نبينها فيما يلي، بادئين بأضعفها ومنتهين إلى أقواها، كما هو
مقرر في مناهج البحث العلمي:
المذهب الأول : يجوز بيع جلد
الأضحية مطلقا.
وممن ذهب إلى هذا
عطاء ، والنخعي ، والأوزاعي ، والشعبي ، وأبو العالية وغيرهم ، واحتجوا بالقياس؛
فقاسوا الانتفاع بثمن الجلد على الانتفاع بأكل اللحم، ولكنه قياس مع الفارق؛ لأن
لحمها يجوز أكله ، ولا يجوز بيعه أجماعا ، ولذلك فهذا القول لا يعول عليه في شيء[1] .
المذهب الثاني: لا يجوز للمضحي أن
يبيع جلد أضحيته مطلقا.
وهو مذهب
الجمهور منهم المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة[2]؛ واحتجوا بقوله صلى الله عليه و
سلم :"من باع جلد أضحيته فلا أضحية له"رواه الحاكم في المستدرك.
واحتجوا أيضا بما روي عَنْ عَلِيٍّ كرم الله وجهه قَالَ : " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أُقَسِّمَ
جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا،
وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا ". رواه البخاري ومسلم.
وقال أصحاب هذا المذهب : أن
المضحي قد جعل أضحيته كلها لله ، فلا يجوز له أن يبيع شيئا من أجزائها
، فهي بالذبح قد تعينت لله بجميع أجزائها ، وما تعيّن لله لم يجز أخذ العوض عنه ،
ولهذا لا يعطى الجزار منها شيئا على سبيل الأجرة.
المذهب الثالث : يجوز بيع جلد الأضحية إذا نوى التصدق بثمنه.
وهو مذهب الأحناف، ونقله
ابن المنذر عن أحمد وإسحاق، وعزاه ابن القيم إلى الإمام أحمد أيضا[3].
قال أبو حنيفة :"يَبِيعُ
مَا شَاءَ مِنْهَا – يعني الأضحية - وَيَتَصَدَّقُ
بِثَمَنِهِ"[4].وقال ابن محجن الزيلعي:"وَلَوْ
بَاعَهُمَا – يعني لحم الأضحية وجلدها - بِالدَّرَاهِمِ لِيَتَصَدَّقَ
بِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ كَالتَّصَدُّقِ بِالْجِلْدِ وَاللَّحْمِ"[5].
واحتج أصحاب
هذا المذهب بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه أجاز أن يبيع الجلد
ويتصدق بثمنه[6]. كما احتجوا بالقياس؛ فقاسوا
جواز بيع الجلد للتصدق بثمنه، على جواز التصدق بالجلد نفسه؛ بجامع
القربة في كل منهما، كما هو واضح من قول الزيلعي.
ومن أهل العلم من مال إلى هذا
المذهب الأخير ، وأرى أنه المذهب المختار؛ ؛ لأن العلة في
منع بيع الجلد هي كون الأضحية قربة لله بجميع أجزائها، وبيع الجلد لأجل التصدق
بثمنه لا يخرجها عن كونها قربة، لأنه لا فرق بين التصدق بالجلد وبين بيعه للتصدق
بثمنه، وإذن: فعلة المنع منتفية ، والحكم يدور مع علته... وتكون
أحاديث النهي عن بيع الجلد محمولة على البيع الذي ينتفع بثمنه، لا البيع
الذي يتصدق بثمنه؛ لأن الأصل في البيع أنه معاوضة، ولا معاوضة فيما بيع بنية
التصدق بثمنه، إذ لم يأخذ المضحي عوضا عنه.
المطلب الثاني: تصور
وتكييف مسألة إعطاء الجلود للجمعيات لتبيعها
وبعد بيان مذاهب الفقهاء في
المسألة ، وقد تين لنا قبل ذلك في تحرير محل النزاع أنه لا خلاف في جواز التصدق
بجلد الأضحية.
والسؤال المطروح الآن : أين يمكن أن نصنف مسألة
التبرع بالجلود إلى الجمعيات الدينية ؛ التي تقود ببيعها وصرف أثمانها على مصالح
المساجد، فهل هي بيع مطلق للجلود كما قال الجمهور؟ أم هي بيع بنية التصدق بثمنها
كما قالت الأحناف؟ أم هي صدقة أو هبة خالصة لا بيع فيها ؟
والجواب: أن التبرع بالجلود إلى
الجمعيات الدينية لا يشمله مسمى البيع، وإنما هو صدقة أو هبة، ولا
يقال هو بيع بالوكالة بنية التصدق بالثمن؛ باعتبار أن المتبرعين دفعوا بالجلود
للجمعيات لا
لأجل الانتفاع بأعيانها، بل لتبيعها وتصرف أثمانها على المساجد فكأنهم وكلوها
بذلك ؛ فلا
يصح أن يقال ذلك؛ لأنه بمجرد التبرع بالجلود تنتقل ملكيتها من المضحين
المتبرعين إلى الجمعيات، بخلاف البيع بالوكالة، فالملكية فيه لا تنتقل
من الموكل إلى الوكيل.
وإذا تصدق صاحب الجلد به أو
وهبه، فإنه بذلك يكون قد أخرجه عن ملكيته ، وهنا يتغير الحكم بالنسبة لمن ملكه عن
طريق الصدقة أو الهبة، بحيث يجوز لهذ ا الأخير أن يبيعه، لأن النهي عن بيع
الجلد خاص بصاحب الأضحية فقط، وقد نص شراح مختصر سيدي خليل
على ذلك عند شرحهم لقوله:" ومنع البيع .... إلَّا لِمُتَصَدِّقِ
عَلَيْهِ".
فقال الخَراشي: " لَوْ
تَصَدَّقَ صَاحِبُهَا بِلَحْمِهَا أَوْ جِلْدِهَا أَوْ شَعْرِهَا أَوْ عَظْمِهَا
أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مِسْكِينٍ أَوْ وَهَبَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ
أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ"[7].
وقاله الشيخ أحمد الدردير مثل ما
قال الخرشي ، وزاد عليه "وَلَوْ عَلِمَ رَبُّهَا حَالَ التَّصَدُّقِ
عَلَيْهِ بِذَلِكَ"[8].
يعني أنه يجوز للمُعْطَى له أن
يبيع الجلد، حتى ولو كان صاحب الجلد عالما بأن المتصدقَ عليه أو الموهوبَ له سيبيع
ما يُعطى له من جلود الأضاحي .
وقال ابن عرفة الدسوقي:" هُوَ-
القول بالجواز - قَوْلُ أَصْبَغَ وَشَهَّرَهُ ابْنُ غَلَّابٍ ،
وقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ الْأَحْسَنُ"[9].
ولهذا فلا مانع أن
تبيع الجمعية الجلود التي حصلت عليها عن طريق التبرع؛ لأن انتقال
الملكية قد أثر في الحكم، فلم يعد للجلود صفة الأضحية بعد خروجها عن ملكية
المضحين؛ والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي
الله عنها قالت : "وَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقِيلَ: هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ:
هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ".
ووجه الاستدلال : هو أن النبي صلى الله
عليه وسلم ، لا تحل له الصدقة، ولكن لما تملكت بريرة الصدقة، وأصبحت في حوزتها
تتصرف فيها كما تشاء ، هنا تغير الحكم فصار ما يأخذه النبي من صدقة
بريرة هدية له لا صدقة عليه، فوصف الصدقة المحرم على النبي قد زال بسبب
تملكها.
وهكذا يكون حكم جلود
الضحايا إذا تصدق بها أصاحبها على المساجد، فيزول عنها حينئذ وصف
الأضحية الذي كان مانعا لبيعها قبل التصدق بها.
المطلب الثالث: مناقشة
القائلين بمنع هذه المعاملة
هناك بعض
المعاصرين منعوا هذه المعاملة، باعتبار أن ما يعطى للمساجد يكون وقفا؛
ولذلك لا يجوز بيعه ، ومن هؤلاء فركوس الذي كتب على موقعه بأن
:" التصدُّقُ بجلود الأضحية للمساجد إنما هو مِن جهةِ الوقف لا
التمليك؛ ولذلك يَمْتَنِعُ مع الوقفِ البيعُ والهِبَةُ ، والغايةُ لا تُبرِّرُ
الوسيلةَ...". https://ferkous.com/home/?q=fatwa-94
يعني لا يجوز للجمعيات أن تبيع
الجلود التي تحصل عليها عن طريق التبرع ؛ لأنها موقوفة على المساجد.
وأظن أن هذه هفوة وقع فيها فركوس
ومن وافقه ؛ لأن ما ذكره لا يصح من وجهين:
الوجه الأول: أنه ليس كل تبرع للمساجد
يكون وقفا؛ فالناس قد يتبرعون بمواد البناء كالإسمنت والطلاء ونحوه .. وقد تفسد
تلك المواد إذا لم يتم استعمالها في فترة
معينة، فإذا كان المسجد مستغنيا عنها لزم بيعها وصرف أثمانها على
احتياجات المسجد، إذ لا يتصور أن يؤثر إتلافها وفسادها على بيعها والانتفاع
بأثمانها.
ثم أن المقرر في الفقه
الإسلامي أن الوقف إنما يتأبد بأحد أمرين:
إما باللفظ الدال على الوقف: كحبستُ وأوقفتُ، أو تصدقت بهذا
الشيء على ألا يوهب أو يباع.
وإما بالفعل الدال عرفا على أنه
وقف: كمن
وضع في المسجد كتابا أو سجادا ... أما لو ضع فيه عجلات مطاطية ونحوها فهذا ليس
وقفا؛ لأن العرف جرى بألا يوقف على المساجد مثل هذا، وقد جرى العرف في زماننا
وبلادنا بأن المساجد لا توقف عليها جلود، وإنما توقف عليها زرابي مبثوثة من طراز
رفيع، حتى أن المتبرعين بالجلود نياتهم غير منصرفة إلى الوقف إطلاقا ،
ولا إلى انتفاع المساجد بأعيان الجلود، وإنما هي منصرفة الانتفاع بأثمانها.
الوجه الثاني: حتى ولو سلمنا
جدلا أنها وقف ، فإن الوقف يجوز بيعه إذا تعطلت منافعه ، قال النفرواي
: "يَجُوزُ بَيْعُ الْأَعْيَانِ الْمَوْقُوفَةِ غَيْرِ الْعَقَارِ إذَا
تَعَطَّلَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ
وَالثِّيَابِ"[10]. ونصوص العلماء في ذلك لا حصر لها
.
وفركوس قد ناقض نفسه في هذه
المسألة ؛ لأنه قد كتب على موقعه أيضا ما نصه :" فإن تعطَّلت منافع الوقف
بالكلية ولَمْ يمكن الانتفاع به ، فيجوز أن يُباع الوقف للحاجة ويُشْترى ما
يقوم مقامه، وهو مذهب أحمد ورواية عن مالك واختاره ابن تيمية وابن القيم رحمهم
الله ، ذلك لأنّ الوقف المحبوس إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه". https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1004
وقد تعطلت منافع الجلود لاستغناء
المساجد عنها في العصر الحديث ، فهل يوجد اليوم مسجد يفرش بالجلود كالأزمنة
الغابرة ؟ حتى يقال : بأن الجلود وقف على المساجد فلا يجوز بيعها ، فلا بد من فقه
الواقع قبل الإفتاء ، وإلا كانت الفتاوى ملقاة في فراغ ، لا تستهدف واقعا ولا تصيب
لها محلا ، ثم إن المتبرعين بالجلود لم يشترطوا على الجمعيات عدم بيعها ، أما
وأنهم لم يشترطوا ذلك، فلا إشكال في جواز بيعها ، وصرف أثمانها على ما يحصل به
المقصود.
المطلب الرابع: بعض
الفتاوى الصادرة في المسألة
لقد صدرت عدة فتاوي في المسألة
المطروحة، نذكر منها أيضا:
فتوى اللجنة الدائمة: في المملكة السعودية ، حيث
جاء في فتواها رقم (16411)."وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه إذا
أعطي جلد الأضحية للفقير أو وكيله فلا مانع من بيعه وانتفاع الفقير بثمنه ، وإنما
الذي يمنع من بيعه هو المضحي فقط ، وكذا لا مانع أن تبيع الجمعيات
الخيرية ما تحصل لديها من جلود الأضاحي وصرف القيمة لصالح الفقراء".
فتوى الدكتور موسى
اسماعيل: حيث
ذكر في كتابه الفتاوي الشرعية :"لا يوجد مانع شرعي من تقديم الجلود
للجمعية ، سواء تصدقت بها على الفقراء وذوي الحاجات ، أو قامت ببيعها لتستفيد من
ثمنها ، في مشاريعها الخيرية ، لأن النهي عن بيع الجلود خاص بالمضحي فقط ، أما
الذي يعطى من لحمها أو جلدها ، فله أن يتصرف فيها كيف يشاء ولو ببيعها ".[11].
فتوى الأزهر الشريف رقم 574: حيث ورده سؤال جاء
فيه:" قيل: أن جمع جلود الأضحية للجمعية لا يجوز ولو كان لمسجدٍ أو لغيره؟
نريد منكم التوضيح .." فأجاب
الأزهر:"جمع
جلود الأضحية من أصحاب الأضاحي صدقة منهم وتبرعًا للأغراض المذكورة جائزٌ،
والممنوع عند الأكثرين إنما هو أن يبيع صاحب الأضحية شيئًا منها لينتفع هو بثمنه،
أما أن يتصدق المضحي بجلد أضحيته أو بشيءٍ منها في الأغراض المذكورة فتباع ويصرف
ثمنها في ذلك فهو جائز".. http://www.dar-alifta.gov.eg/ar/ViewFatwa.aspx?ID=11483&LangID=1&MuftiType=0
فإن قيل: أن هته الفتاوى خاصة
بالجمعيات الخيرية، لا المسجدية؟ فالجواب: أنه لا فرق بين
ما يوهب للجمعيات الخيرية ، وما يوهب للجمعيات المسجدية ، لأن كلا منهما وكيل،
فالأول وكيل على الفقراء، والثاني وكيل على المساجد، وقد تبين لنا أنه لا
مانع من بيع ما يوهب للمساجد إذا تعذر الانتفاع بعينه كما تقدم ،
وقد ورد ذكر المسجد في استفتاء الأزهر، فلم يفرق في فتواه بين ما يوهب
للمسجد وبين ما يوهب لغيره.
المطلب الخامس: البعد
المقاصدي للإذن في هذه المعاملة
لقد تبين لنا من خلال ما سبق أنه
لا إشكال في جواز هذه المعاملة، وأن الأمر فيها واسع فلا ينبغي أن
نضيقه، ونزيد الأمر وضوحا بلفت الانتباه إلى
أن الفتوى ينبغي أن يراعى فيها جانبان: الأول: مقاصد الشرع
، والثاني: فقه الواقع.
وبالنظر إلى الجانب المقاصدي نجد
في إباحة هذه المعاملة ، تحصيل مصلحتين أو منفعتين راجحتين :
أولاهما : عائدة إلى المضحي نفسه ، باكتساب
ثواب الصدقة.
والثانية : عائدة إلى المصلحة العامة
للمساجد ، وكلما تعاظمت الآثار المترتبة على المصلحة – كعمومها - تعاظم الثواب
عليها إجماعا.
أما إلو قلنا بمنعها فيترتب على
ذلك تفويت المصلحتين المتقدمتين ، وتترتب عليه بالمقابل مفسدتان غالبتان :
أولاهما : إيقاع المضحي في المحظور ،
وذلك بالنظر إلى واقع الناس اليوم – ولا بد من فقه الواقع قبل الإفتاء
- حيث أصبح الناس يقعون في المحرمات، بسبب إتلافهم لجلود الأضاحي ،
ورميها في القمامات ، وإتلاف جلود الأضاحي غير جائز باتفاق.
والثانية : تلوث البيئة والمحيط بسبب ذلك ، حتى
أصبحنا نخصص فقرات من خطبة عيد الأضحى للتحذير من هذه الكارثة البيئية ، التي تعد
مفسدة عظيمة ؛ بالنظر لما يترتب عليها من تأثيرات سلبية على صحة المواطن ،
والتأثير سلبا على صحة المواطن يهدم كلية من الكليات الخمس ، وهي حفظ النفس ، الذي
لا يتحقق إلا بحفظ البيئة والمحيط والمناخ.
وإذا علمنا أن الواقع على هذا
الحال الذي ذكرنا ، فإن من يفتي بمنع هذه المعاملة يكون قد اتخذ الحكم
الشرعي مطية لتفويت المصالح التي أمر الشارع بتحصيلها ، وترتب المضار التي أمر
الشارع برفعها ، من ثم تكون فتواه مناقضة للمقاصد الشرعية ومعطلة لها، ثم هي
مبتورة عن واقع الناس وظروف حياتهم .
والله وحده أعلى وأعلم بالصواب ،
وما كان في هذه الدراسة من صواب فهو من الله وحده ، وما كان فيها من نقص و خلل فهو
مني وأنا أهله ، وإن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه الميامين
الهوامش
1-
انظر: شرح
صحيح البخارى لابن بطال 4 / 391
2- انظــــــر مذاهب الفقهاء :
بداية المجتهد ونهاية
المقتصد لابن رشد 2 / 201. والمغني لابن قادمة 9 / 450
والمجموع شرح المهذب
للنووي 8 / 420. والمحلى بالآثار لابن حزم 6 / 52
الموسوعة الفقهية الكويتية 7 / 98
3 - تحفة
المودود بأحكام المولود لابن القيم 90.
4- المغني
لابن قادمة 9 / 451.
5- تبيين
الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 6 / 8
6- انظر: شرح
صحيح البخارى لابن بطال 4 / 391
7- شرح
مختصر خليل للخرشي 3 / 44 .
8- الشرح
الصغير للشيخ الدردير 2 / 174.
9- حاشية
الدسوقي على الشرح الصغير 2 / 174.
10- الفواكه
الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني للنفراوي 2/ 165
11- الفتاوى
الشرعية للدكتور موسى إسماعيل 2 / 385
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق