طلب مني أحد الفضلاء في التعليقات ، أن أشرح له معنى قول البصيري رحمه الله :
أَقْسَمْتُ بِالقَمَرِ المُنْشَقِّ: إِنَّ لَهُ ... مِنْ قَلْبِهِ نِسْبَةً مَبْرُورَةَ القَسَمِ
لأن غلاة الظاهرية الجدد يعترونه شركا بالله تعالى ، لأنه حلف بغير الله - في زعمهم -
وهو غير جائز عند الجمهور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :"مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ"[ الترمذي].
والأمر ليس كذلك ، فالكلام فيه مضاف محذوف ، تقديره : أقسمت برب القمر أو بخالق القمر ، ونظير هذا كثير جدا في القرآن والسنة وكلام العرب ، منه :
1- قوله تعالى " وأشربوا في قلوبهم العجل" أي أشربوا حب العجل ، فحذف المضاف وهو [حب] وهو معلوم لأن العجل لا يُشرب.
2- وقوله تعالى "واسأل القرية " أي أسأل أهل القرية ، فحذف المضاف وهو [أهل] لأن القرية لا تسئل.
3- وحديث "إنما الأعمال بالنيات" أي إنما صحة الأعمال بالنيات.
4- وقول الشاعر: أكل أمرئ تحسبين امرأ ** ونارٍ توقد بالليل نارا . والتقدير : [ وكل نارٍ توقد ....]
وأهل العربية متفقون على جواز حذف المضاف في النثر ، وهو في الشعر أولى بالجواز ، قال ابن مالك في ألفيته:
وما يلي المضاف يأتي خلفا ... عنه في الإعراب إذا ما حذفا
ومن لا يعرف مثل هذه المحذوفات المقدرة فهو جاهل باللسان العربي ، كما قال القائل : لولا الحذف والتقدير** لتعلم النحوَ الحميرُ. والجاهل باللسان العربي لا يحق له أن يتكلم في الشريعة ؛ لأنها عربية فلا تدرك إلا باللسان العربي.
ومادام الكلام له محمل حسن في اللغة ، فلا يجوز لنا أن نحمله على غيره من المحامل السيئة ، كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه :" ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً".
ومعنى البيت : حلفت بخالق القمر يمينا صادقة أن للقمر شبها بقلبه صلى الله عليه وسلم، حيث أن كليهما قد حصل له الانشقاق ، وكليهما من معجزاته عليه الصلاة والسلام ، فقد ثبت معجزة انشقاق القمر في الصحيحين ، وثبتت معجزة شق الصدر في صحيح مسلم.
بارك عليك
ردحذفجزاك الله خير
ردحذفجازاك الله كل خير
ردحذف