الخطبة الأولى
الحمد لله الذي
نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، وأكرمنا بهذه الشريعة الإسلامية الواضحة الغراء
، القائمة على أساس جلب المصالح و درء المفاسد ، فمن اتبع هداها نال
سعادة الدنيا والآخرة ، و من جحدها وكفر بها حشر في زمرة الأشقياء الجاهلين ،
والكفرة الفاجرين . والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين ، وسيد الأولين
والآخرين ، محمد بن عبد الله أكرم الرسل ، وأفضل البشر ، وأول العظماء الخالدين ،
صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين ، وصحابته أجمعين ، ومن اهتدى بهديهم واستن
بسنتهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين . أما بعد /
أيها الإخوة
الكرام : حقيقة لقد
أصبحنا لا نجد للأعياد حلاوة ولا لذة ولا متعة !! كما كنا نشعر بذلك من ذي قبل ، وكيف لمسلم ذي ضمير حي وقلب رحيم، أن ينعم أو يهنأ بلذة العيش في ظل ما تعيشه أمة الإسلام من
أوضاع مؤلمة !! قد
تعددت جراحها ، وتفاقمت مآسيها ، وبلغت في الظلم والقهر والإذلال مداها ، ولن يبلغ
أحد حقيقة الإسلام ، ما لم يكن له بشؤون
إخوانه عناية واهتمام ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم". ولن
يلغ أحد حقيقة الإيمان حتى يشعر بآلام إخوانه المسلمين ، عربا كانوا أ وأعجميين ،
قريبين أو بعيدين ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام :" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". والمسلمون كلهم إخوة ، مهما تباعدت أقطارهم ، واختلفت جنسياتهم
، وتباينت لغاتهم ، فهم إخوة تجمعهم رابطة واحدة ، ذلك ما حكم الله به بينهم في عليائه ، ثم أنزله قرآنا يتلى وجعله دستورا خالدا إلى يوم الدين
، فقال جل وعلا : "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" ، وقال
صلى الله عليه وسلم : "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلِمُه، ومن كان
في حاجة أخيه كان الله في حاجته " ، وقال أيضا : "المسلمون تتكافأ دماؤهم " يعني أن دماءهم سواء ، فهم كالجسد الواحد
إذا تألم منه عضو تألمت له سائر الأعضاء.
وإنه لمن المؤسف
أن تجد كثيرا من المسلمين له اهتمام بالغ بأنباء مباراة برشلونة وريال
مدريد ، وما أشبهها من التوافه التي لا تجلب منفعة ولا تدفع مضرة !!
في حين تجده لا يَعرف عن معاناة إخوانه في
الدِّين إلا قليلا ، وقد لا يعلم عنهم لا قليلا ولا كثيرا، كما هو شأن
إخواننا المسلمين الروهينجا في بورما ،
فهناك من لم يسمع بهذه البلاد ، الواقعة في جنوب شرق آسيا ، ويحدها من الشمال الشرقي دولة الصين، ومن الشمال الغربي
كلاً من الهند وبنغلادش، وقد
دخلها الإسلام منذ 172هـ في عهد الخليفة هارون الرشيد ، وبلغ عدد
المسلمين بها أحد عشر مليون نسمة ، من
إجمالي سكانها البالغ تعدادهم خمسين مليون نسمة.
وقد بدأت مأساة مسلمي بورما في عام 1948م حيث
دخلت جيوش بورما البوذية إقليم "أراكان" الذي كان إقليما إسلاميا مستقلا
، يحكمه سلاطين وحكام مسلمون ، وكانت به مساجد ومدارس وكتاتيب علمية وقرآنية ،
يشرف عليها علماء ودعاة أجلاء ، ولما تمكنت جيوش المشركين البوذيين من احتلال
أراكان ، ارتكبت فيه أبشع الجازر الإجرامية ، ومارست التهجير العرقي على أهله ، فطردت أكثر من
مليوني مسلم إلى بنجلاديش المجاورة.
ولازالت معاناة
المسلمين الروهينجا متواصلة إلى يومنا هذا ، بل هي في تزايد مستمر ، ومن تلك
المآسي المؤلمة:
1)
تدمير الآثار التاريخية والمدارس القرآنية ، وهدم المساجد
وتحويلها إلى مراقص وخمّارات ودور للممارسة الدعارة.
2) حرمان المسلمين من التعليم
والتداوي والسفر والحج وكل حقوق المواطنة ، وفرض إجراءات تعسفية على الزواج ،
وكثيرا ما يقوم الجنود بشق بطون النساء الحوامل ، لإخراج الأجنة وتقطيعهم إربا
إربا ، وقد أفتى لهم بعض كهنة المعبد بجواز أكل أطفال المسلمين.
3)
استعباد بعض المسلمين وبيعهم في سوق العبيد ، وإرغام البعض الآخر على
تقديم الأرز والدواجن والحطب ومواد البناء بالمجّان للجنود البوذيين ، وذلك خلال
السنة كلها.
4)
إجبار البنات المسلمات غير المتزوجات على الحضور إلى قيادة القوات
المسلحة ، والعمل لمدة 6 أشهر في الثكنات ، والتداول على اغتصابهن خلال تلك المدة.
5)
ممارسة الاغتصاب الجماعي الممنهج على المسلمات أمام أعين أهلهن ، من أجل إهانتهم وإذلالهم ، وكثيرا ما يموت بعض
المسلمات بسبب الاغتصاب الجماعي.
6) الطرد والتهجير الجماعي المتكرر خارج الوطن.
7)
ممارسة التعذيب على المسلمين بشكل مروع ، حيث يقومون بقطع أطرافهم
بهدوء ، ويضرمون النيران في أجسامهم ، ويدفنون بعضهم أحياء ، وهم يستغيثون يوما بعد يوم ، ولكن لا حياةَ لمن تنادي!!
تنادي أراكــــان يوما بعد يوم * وربُّ الأمرِ مكتــــوفُ الأيــادي
نساء المسلمين هناك أسـرى * ونحن في النعيـــم على التمادي
يُساق الشيخُ والأطفالُ جمـعا * لمذبحــــــةٍ تَئنُّ لـــها البـــوادي
وبعضُ المسلمين هــنا يُغنِّي * ويرقصُ لاهــيا في كــــلِّ وادي
أيُفرحكــم دمــــــوع الأُمِّ يومـا * وقد صـــارت بُحيرة كلِّ صـادي
أيُطربكـم بكــاءُ الطفـــلِ حـتى * تَروه يمـــوتُ مِن نُقصان زادِ
أجيبـوني على
سُــــؤلي فإني * سَئمتُ سكوتَ مَن يدري مُرادي
أقــولُ مُكرِّرا مـــــا قال قبلي * مَقالةَ شاعرٍ في كــــــــل وادي
لقـــــد أسمعتُ لو ناديـتُ حيَّا * ولكـــــــــــن لا حياةَ لمن أُنادي
أيها الإخوة
الكرام : تلك هي بعض
معاناة إخوانكم المسلمين في بورما ، "الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا
اللَّهُ". فاستحالت قراهم وبيوتهم إلى رماد تذروه الرياح ، وهم لا يملكون
وسيلة ولا آلة يدافعون بها عن أنفسهم ، حتى الآلة البسيطة كالسلاح الأبيض لا يملكونها
، في حين يمتلك البوذيون كل أنواع الأسلحة.
يحدث ذلك كله
أمام أعين العالم بأسره ، فلا الأمم المتحدة ، ولا مجلس الأمن ، ولا منظمات حقوق
الإنسان ، ولا منظمة المؤتمر الإسلامي ، تحركت للدفاع عن قضيتهم وحقوقهم كسائر بني
البشر ، حتى القنوات الهائلة في بلاد
المسلمين لا تكاد تذكرهم ، أو تسرد أنباءهم ؛ لتصل قضيتهم إلى كافة أنحاء المعمورة
، حتى يحصلوا على تعاطف دولي ، ويتم الضغط على الحكومة البورمية ؛ لتوقف مجازرها
وانتهاكاتها في حقهم .
أيها الناس: بعد بيان هذه الحقيقة المؤلمة فإننا لنتساءل بمرارة ، ما هو موقفنا اليوم ونحن نرى إخواننا المسلمين الموحدين في بورما ، يتعرضون
للإبادة الجماعية الممنهجة ، التي ينفذها المشركون
البوذيون ، الذين قال الله في شأنهم، "
لَتَجِدَنَّ
أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا" ، وصدق الله العظيم ، فهاهم الذين أشركوا قد تلاقى جمعهم على ضرورة إبادة هؤلاء المؤمنين ، لا لشيء إلا أنهم قالوا ربنا رب السماوات
والأرض فلن نركع لغيره ولن نعبد سواه.
فوجب على
المسلمين اليوم وجوبا آكدا ، أن ينصروا إخوانهم الروهينجا بما يستطيعون من وسائل النصرة - بالمال أو السلاح .. بالاهتمام والتعريف بقضيتهم .. وطرحها في المحافل الدولية .. بالحث على نصرتهم والدعاء لهم في ظهر الغيب - فإن الله
قد أوجب علينا نصرتهم ، فقال تعالى :"وَإِنِ
اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ" ؛ أي يجب
عليكم نصرهم ، ومن خذلهم وهو يجد إلى
نصرتهم سبيلا ، فقد برئت ذمته من الله تعالى ، قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم- :" لا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل
ظلما، فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه" واللعنة تعني
الحرمان من رحمة الله تعالى ، هذا إذا كان المخذول فردا واحدا ، فكيف إذا كان
المخذول أمة بأكملها ، وشعبا بأسره ؟
كما هو شأن إخواننا في بورما !؟
وقال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم- :" ما من مسلم يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في
موطن يحب فيه نصرته " فهاهي أعراض المسلمين في بورما تنتهك
بمنهجية ، فمن خذلهم وتقاعس عن نصرتهم ، حفاظا على منصبه ، أو بخلا بماله ، أو
خوفا من عدوه .. إلا خذله الله في موطن يحب أن يُنصر فيه ، في الدنيا أو في الآخرة.
يوم أن غدرت قريش
بقبيلة خزاعة ، وقتلوا منهم من قتلوا ، وقد رأى عمرو بن سالم الخزاعي ذلك المشهد ، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، طالبا نصرته ، فوقف بين يديه وأنشد قائلا:
يـــا رَبِّ إِنِّي نَاشِـــــــدٌ مُحَمَّدًا * حِلـــــْفَ
أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا
فَانْصُـرْ هَدَاك اللَّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا * وَادْعُ عِبَادَ
اللَّهِ يَأْتُوا مَــدَدَا
فِيهِـــمْ رَسُـــولُ اللَّهِ قَدْ تَجَرَّدَا * إِنَّ قُرَيْشًا
أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَـدًا * وَهُــمْ أَذَلُّ
وَأَقَـــــــــلُّ عَدَدَا
هُـــــمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيـرِ هُجَّــدًا * وَقَتَلُونَا
رُكَّــــــــعًا وَسُجَّـدَا
فقام النبي عليه الصلاة والسلام وقال "نصرت يا عمرو بن سالم " ، وجهز جيش الفتح الذي أنهى به عهد الحكم القرشي إلى الأبد ، فكيف يسكت
اليوم من ينتسب إلى محمد صلى الله عليه وسلم عن مظلمة أمة مؤمنة ، تغتصب نساؤها ، ويذبح أطفالها كذبح النعاج !؟
عباد الله صلوا وسلموا على سيدنا وحبيبنا محمد ناصر الحق بالحق والهادي
إلى صراطه المستقيم
أقول ما تسمعــــون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفــــــــروه
إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد /
فاعلموا عباد
الله أن الله تعالى كلف كل من كان مستطيعا بأن يسعى جاهدا إلى كشف كربات المكروبين ، والتخفيف
عن المصابين ، وأن يقف مع المظلومين ضد الظالمين ، وبين جل جلاله أنه قادر على إهلاك
الظالمين ، وأنهم لن يفلتوا من عقابه أبدا ، فقال تعالى
:" وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ
إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي
رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء". ولكن الله عز وجل جعل بعضنا لبعض فتنة ؛ ليعلم الصابرين ،
ويمحص المؤمنين ، ويرى من يدفعه إيمانه لنصرة المستضعفين ، ومن يكون في زمرة الخوالف القاعدين !!
واعلموا أن من
أهم وسائل النصرة ، وأقوى أسلحة النصر ، الدعاء بصدق وإخلاص ، فسهام الدعاء لا
تخطئ أهدافها ، كما قال الشافعي رحمه الله:
أتهـزأ بالدعـــــاء وتزدريه * وما
تدري ما صنع الدعاء
سهام اللـيل لا تخطي ولكن * لها أمد
وللأمد انقضـــــاء
فأكثروا من
الدعاء لإخوانكم الروهينجا ، في صلواتكم وخلواتكم ، وقد ورد أن في الجمعة ساعة لا
يرد فيها الدعاء ، فإني داع فأمنوا:
اللهم كن لإخواننا في بورما عونا ونصيرا ، اللهم
عليك بالظالمين ، اللهم زلزلهم ودمرهم تدميرا ، اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة
حيلتنا ، فاللهم أيد بنصرك من لا يملك إلا الرجاء ولا سلاح له إلا الدعاء ، اللهم
إن أقوياءنا ومن وكلتهم أمرنا قد فضلوا النصرة بالدعاء ، مثل المستضعفين والولدان والنساء ؛
فاللهم امدد إخواننا المضطهدين في بورما بجند
من عندك ينصرونهم ولا يجد الظالمون لهم قبلا ، اللهم إننا قد صرنا - كما أخبر نبيك - غثاء كغثاء السيل ، فاللهم أخرج من أصلابنا من
يعز الإسلام قولا و عملا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل كلمتك هي
العليا إلى يوم الدين ، واخذل الكفرة والمشركين ، وأصلح من في صلاحه صلاح للإسلام
والمسلمين ، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين ، وامدد بنصرك وتأييدك
وحسنك توفيقك جميع المسلمين ، ولم شعثنا واجمع شملنا ووحد كلتنا ، وانصرنا على من
خالفنا ، واحفظ بلادنا وأصلح أزواجنا وذرياتنا ، واشف مرضانا وعاف مبتلانا ، وارحم
موتانا ، واغفر اللهم لوالدينا ولمن علمنا ولمن أحسن إلينا ، ولسائر المسلمين
والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات
. صل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق