قد وقع انقلاب في تركيا وفشل ، كما وقع في مصر ونجح ، ونسأل الله
تعالى أن يسلم وطننا وسائر أوطان المسلمين من مثل هذه الاضطرابات ، وأن يعمها
بالأمن والاستقرار وأن يأخذ بأيديهم إلى الرقي والازدهار .....
غير أن ما يثير العجب - حقيقة - هو أن بعض الكتاب ساءهم فشل
الانقلاب في تركيا ، وأصيبوا بنوع من الهستيريا حتى أصبحوا لا يعون ما يقولون ؟
ولا يدركون عواقب ما ينشرون !!
فمن ذلك : ربطهم بين أردوغان - حاكم تركيا - وبين معاوية رضي الله
عنه - خليفة المسلمين في العهد الأموي - باعتبار أن كلا منهم يمثل قمة الإجرام ..
والاستبداد .. والدموية .. والطغيان ..على حد قولهم !!
ومعلوم أن معاوية رضي عنه صحابي يحظى باجلال المسلمين ، وتلاقى
إجماعهم على وجوب الإمساك عما شجر بينه وبين علي رضي الله عنه ، كما تلاقى إجماعهم
على زندقة الطاعن في الصحابة بصفة عامة.... وهذا أمر قد انطوى عهده كما قال فضيلة
أستاذنا الدكتور رمضان البوطي رحمه الله:
" ... فإنه لا يجوز لنا وقد انطوى العهد بما فيه أن نتخذ من انتقاص
معاوية ديدنا وأن نقف منه - دون أي فائدة مرجوة - موقف الندّ من عدوه اللدود...".[فقه السيرة للبوطي ص379].
ومعلوم أيضا أن العقلاء - مسلمين كانوا أو غير مسلمين - مجمعون على
حب السلام والأمن والاستقرار ، ويرفضون حدوث مثل هذه الإنقلابات لأنها إغتصاب
للحكم بطريقة غير شرعية ، ولأنها تؤول غالبا إلى الفساد والفتنة وسفك الدماء ...
على نحو ما حدث في مصر واليمن - بعد حدوث الانقلاب فيهما - من انتهاكات خطيرة لا
تزال آثارها سارية الى اليوم ، والتي لم يشر إليها أولاء الكتبة من قريب ولا من
بعيد !! ؟؟
والسؤال الذي يواجهنا في هذا الصدد :
ما هي الرسالة التي يريد أن يمررها هؤلاء الكتاب من خلال ربطهم بين
أردوغان وسيدنا معاوية من جهة ؟ ومن خلال حملتهم الشرسة على تركيا جهة أخرى؟
★هل هي دعوة إلى الوقوف إلى جانب الانقلابيين ، إذا ما حدث انقلاب -
يوما - هنا أو هناك ؟
★أم هو اغتنام فرصة للطعن في تاريخ الأمة وتشكيكها في مسارها ؟
ودعوتها بطريقة غير مباشرة إلى العدول عن هذا المسار إلى البديل الفارسي الذي سبق
وأن صرحوا بالدعوة إليه؟
★أم هي حملة تحريضية على تركيا من أجل إعلان الحرب عليها ؟أو زعزعة أمنها واستقرارها الداخلي ؟
★أم هو الخوف على مستقبل أعداء تركيا :سواء كانوا في الداخل من الخونة المتآمرين على وطنهم وشعبهم مع قوى
الشر ...كما نسميهم باللهجة الجزائرية: (الڨومية (
أو كانوا في الخارج كإسرئيل... وأعوانها المنفذين لمشروعها -
بطريقة او أخرى - كداعش والروافض من أي جهة كانوا...؟
★أم أنه عبارة عن مرض نفسي وداء قلبي كذلك الذي أصاب أقواما في عهد
النبوة حتى قال الله فيهم:"فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا...." [البقرة:10].
فانبعثوا - بسبب ذلك المرض - إلى التفريق بين المؤمنين ، والدّسّ
والتشكيك والوقيعة ، وإشعال نار الفتنة واستغلال الخلافات وتوسيع شقّتها ،
والإفساد في الأرض ... مع ادعائهم للإصلاح....
حتى أنزل الله في شأنهم ومن كان على شاكلتهم :"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا
نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ"[البقرة:11].
★ أم هو عبارة عن فضول .. وهذيان .. وتدخل فيما لا يعني ؟ على نحو
المثل الجزائري : (الدجاجة تبيض والديك .....)
وقد أعجبتني هذه الكلمات للدكتور مولود محصول :
"أردوغان ليس شيطانا أكبر ولا ملكا مطهر ولامهدي منتظر، هو بشر
سياسي يقدم لأمته التركية أولا وللعالم ثانيا تجربة في الحكم والسياسة لها مالها
وعليها ماعليها فيا مادحيه وقادحيه كفوا عن مناقشة الأشخاص ناقشوا الأفكار
والمشاريع والانجازات والاخفاقات واستفيدوا من تجارب الغير وحاولوا أن تخدموا
وطنكم كما يجتهد هو في يخدمة وطنه".
هذا هو الإنصاف الذي نريده من الكُتَّاب .. وهذا المطلوب الذي
ينبغي أن نعمل على تحقيقه.
أما الكتابة بتلك الأساليب المقيتة ..فإن المتأمل فيها يجد فكرتها
العامة لا تخرج عن احدى الاحتمالات البغيضة الت سبق بيانها !! كما أن الربط بين
بين أردوغان وسيدنا معاوية ينم عن عقيدة طائفية مقيتة ، واضحة المعالم لكل ذي لب.
لأجل ذلك يجب على المثقفين وأولي
المواهب الفكرية أن يصونوا عقائد الناس وعقولهم من الدجل والأفكار الدخيلة التي
تخل بأمنهم واستقرارهم .. وتبعث الارتياب في نفوسهم... فالقيام بواجب التصدي لمثل
هذه الأفكار من أسنى المطالب وأعلى المقاصد الشرعية ؛ لاندراجه ضمن حفظ مقصدي:
(الدين والعقل معا(
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق