محامد
الحمد
لله حق حمده ، والحمد لله الذي بحمده يبلغ ذو القصد تمام قصده ، نحمده تعالى على تفضله
وإنعامه ، ولطفه وإحسانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن
محمدا عبد الله و رسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
أما بعد /
تمهيد
أيها الإخـــوة : إن عيد الأسبوع لأهل الإسلام هو يوم
الجمعة ، الذي كرم الله به هذه الأمة بعد أن أضل عنه اليهود والنصارى، وعلى الرغم
من عظمة يوم الجمعة إلا أن كثيرا من المسلمين - وللأسف الشديد - قد جعلوه يوم تكاسل و نوم طويل.. أو نزهة ورحلة..أو
تجول في الأسواق أو عكوف على الأعمال المنزلية ونحو ذلك .. وغفلوا عن مقاصد هذا
اليوم ومقداره العظيم ، ففاتهم بذلك الثواب الكثير والخير العميم ، فكان لابد من وقفة موجزة نتعرف من خلالها على خصائص
هذا اليوم ومقاصده العظام ؛ عسى الله أن وفقنا إلى حسن استغلاله في العبادة
والطاعة وكثرة الذكر والدعاء والصلاة على خير الأنام عليه أفصل
الصلاة والسلام
أولا : خصائص الجمعة
خصائص الجمعة و
فضائلها كثيرة ، أوصلها ابن القيم إلى ثلاثين ، وحسبنا منها في هذا المقام ست،
وهـــــــــــــــــــي:
1- أن الله أوجب الاجتماع فيه للعبادة
فلا تصح صلاة الجمعة إلا بالجماعة والخطبتين ، قال تعالى
: " يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ ". و قوله تعالى
: "فَاسَعَوْا إِلَى
ذِكْرِ اللَّهِ"
فسره أهل العلم بثلاثة معـــــان :
أولـها : أن السعي هو القصد: وفي ذلك يقول الحسن البصري:"والله ما هو بسعي على الأقدام ولكنه سعي بالقلوب والنية".
الثاني: أن السعي
هو العمل: ويؤيده قوله
تعالى : "وَمَنْ
أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ" ، وقوله : "وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى" وهذا قول جمهور العلماء. [انظر:جامع أحكام القرآن للقرطبي ج18 / ص 102]
الثالث: أن المراد به السعي على الأقدام. ويؤيده ما جاء في صحيح البخاري : أن أبا عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ واسمه عبد الرحمن وكان من كبار الصحابة - مشى إلى الجمعة راجلا وقال :
سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول : "من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار".
و لا مانع من أن يكون السعي شاملا للأنواع الثلاثة [ القصد
والعمل والمشي ]
وقد أجمعت الأمة سلفا وخلفا على وجوب السعي لصلاة الجمعة ، بدليل الأمر"
فاسعوا" فهو للإيجاب ، وحذرت السنة من
التهاون بها أو الاشتغال عنها يغير عذر ، من ذلك :
1- قوله صلى الله عليه وسلم: " لينتهين
أقوام عن وَدْعِهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين " (أخرجه مُسلم) .
2- قوله صلى الله عليه وسلم: " من ترك ثلاث
جُمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه " (صَحِيح
رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما ، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة) .
2 - أنه يوم المــزيد
ففيه يتجلى الحميد
المجيد للمؤمنين في جنات النعيم ، قال
تعالى "لهم ما يشاءون فيها
ولدينا مزيد" كقوله تعالى:
" لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى
وَزِيَادَةٌ " وقد فسر [المزيد وَالزِيَادَةٌ] بأنهما
النظر إلى وجه الله الكريم ، وأن ذلك يكون يوم الجمعة ، فقد روى الإمام أبو عبد
الله الشافعي مرفوعًا عن أنس بن مالك في حديث طويل وفيه : أن جبريل عليه السلام"
أتى ...... بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول الله
، فقال عليه أفصل الصلاة والسلام: "ما هذه؟" فقال: هذه الجمعة، فُضّلتَ بها أنت
وأمتك......... وهو عندنا يوم المزيد................".
وهذا يدل على أن يوم الجمعة قد عظمه الله ، فينبغي أن
نعظم ما عظم الله "ذالِكَ
وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ"
3- أنه خـير الأيــــام
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن يوم الجمعة أفضل من يوم عرفه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم
طلعت عليه الشمس يوم الجمعة " [رواه مسلم]. وقال عليه أفصل الصلاة والسلام: " إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خُلِق آدم ، وفيه
قُبض، وفيه النفَّخة، وفيه الصَّعقة ، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم
معروضة عليَّ إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " [رواه أحمد].
فأكثروا –
أيها المؤمنون - فيه من الصلاة على الحبيب محمد علي أفضل الصلاة والسلام
4- أنه يوم تكفير السيئات وإجابة الدعوات
فعن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طُهر،
ويَدّهِنُ من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما
كُتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " [رواه البخاري]. وفي لفظ
الإمام مسلم:".......وفضل ثلاثة
أيام ".
وقال عليه أفصل الصلاة والسلام: " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم ، وهو قائم يُصلي يسأل الله - تعالى - شيئاً
إلا أعطاه إياه " [رواه البخاري ومسلم].
فهذه فرصة
عظيمة لا يحرم خيرها إلا شقي....
5- أن الوفاة يوم الجمعة أو ليلتها من علامات حسن
الخاتمة
قال صلى
الله عليه وسلم:"من
مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة أجير من عذاب القبر وجاء يوم القيامة وعليه طابع
الشهداء" (رواه أبو نعيم فى
الحلية عن جابر) و في رواية:"....وجرى له عمله" (الشيرازى
فى الألقاب عن ابن عمر). وفي رواية
"....ختم بخاتم الإيمان" [كنز العمال 38291]
وهذا يتطلب منا الحرص على أعمال الجمعة وتحصيل فضائلها ؛
لأن من عاش على شيء مات عليه..والجزاء من جنس العمل.
6- التبكير إلى الصلاة واستثمار الأوقات في الطاعات
وهذا الأمر قد تهاون به كثير من الناس ، حتى أن بعضهم لا
ينهض من فراشه ، أو لا يخرج من بيته إلا بعد صعود الخطيب على المنبر ، وآخرون قبل
دخول الخطيب بدقائق ، وقد ورد في الحث على التبكير والعناية به أحاديث كثيرة منها:
قوله صلى الله عليه و سلم قال : " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما
قرب بدنة ، و من راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، و من راح في الساعة
الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، و من راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، و
من راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة
يستمعون الذكر " (أخرجه الشَّيْخَانِ).
قال ابن القيم في توجيه اختصاص الجمعة بذلك : "أنه لما كان – أي
يوم الجمعة - في الأسبوع كالعيد في العام ، و كان العيد
مشتملاً علي صلاة و قربان ، و كان يوم الجمعة يومَ صلاة ، فجعل الله سبحانه
التعجيل فيه إلي المسجد بدلاً من القربان و قائماً مقامه ، فيجتمع للرائح فيه إلي
المسجد الصلاة و القربان" .
و قد اختلف الفقهاء في هذه الساعة علي ثلاثة أقوال ،
ذكرها النووي في شرح المهذب، وهـــــي:
الأول:
[من طلوع الفجر]. والثاني: [من طلوع الشمس]. والثالث:
[أن الساعات هنا لحظات لطيفة بعد الزوال] و هذا الأخير هو مذهب مالك .
وكما يندب التقدم في الزمان يندب التقدم في المكان ؛ فيدنو
من الإمام ومن الصف الأول ولا يتأخر، فهناك بعض الإخوة يأتون مبكرين للمسجد ، لكنهم
يصلون في مؤخرة المسجد وهذا خلاف السنة ، بل السنة أن يتقدموا ويكملوا الصف الأول
فالأول ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من وراءكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم
الله » ( رواه مسلم ) .
والأدهى من ذلك
والأمر أن يأتي بعضهم مبكرين للمسجد ، وبدل أن يستثمروا أوقاتهم في التلاوة
أو الذكر والدعاء أو التنفل....... تجدهم منشغلين بأحاديث الدنيا ، أولائك هم
المحرومون حقا ، يضيعون أعمارهم و يهدرون أوقاتهم فيما لا فائدة فيه ، وبدل أن
يستغلوا هذا الوقت في اكتساب الحسنات استغلوا في كسب السيئات ، ولسوف يندمون على ذلك ، ففي الحديث :" ليس يتحسر أهل الجنة إلا
على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله فيها " [رواه
الطبراني ، والبيهقي ] وذلك لأنهم يرون ما يعطون في ساعات الذكر من الأجور
فيأسفون على ما فاتهم من الساعات بغير ذكر الله ، والذكر- هنا - يعم الطاعات جميعاً....................... وقال
سعيد بن المسيّب: "من جلس في
المسجد فإنما يجالس ربه، فحقه ألا يقول إلا خيرا".
ثانيا: مقاصد الجمعة
والمراد بالمقاصد: الغايات والحكم
التي شرعت الأحكام من أجلها ؛ جلبا
للمصلحة ودرءا للمفسدة ، وقد أجمع العلماء
أن الشارع الحكيم لا يشرع حكما إلا لمصلحة عائدة إلى العباد في دنياهم وأخراهم ، ومن
ذلك : مشروعية الجمعة ، فقد شرعت لمقاصـــــد وغايات شتى ، نذكر منها:
1- الاجتماع
فاجتماع المسلمين ووحدتهم من أهم المقاصد التي
حرص الإسلام على تحقيقها ؛ لذلك شرع عدة مناسبات للتلاقي ، من أجل أن يحصل
الاجتماع بين المسلمين ، وبالاجتماع تحقق الوحدة والأخوة وتفشو المودة بينهم فيكونون محل رعاية الله
ورضوانه..... ومن تلك الوسائل: يوم الجمعة ، الذي جعله الله يوم عيد للمسلمين، كما
قال صلى الله عليه وسلم :"إن هذا يوم عيد، جعله
الله للمسلمين" [ابن ماجة] .ولترسيخ
مقصد الاجتماع والوحدة في الجمعة فرضت - فيها-
الصلاة جمــــــاعة ، وجعلت الخطبتان من أركانها فلا تصح بدونهما، وفرض فيهما
الاستماع إلى الخطيب "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له
وأنصتوا لعلكم ترحمون.."
2- التواصل
و التآلف
ويوم الجمعة يوم تواصل بين
المسلمين، فكثير من الناس لا يرى بعضهم بعضًا إلا يوم الجمعة ، إذ الذهاب إلى
المسجد واجب، فيلتقي المسلمون في المسجد للاستماع وصلاة الجمعة، وبعدها يتلاقون
فيما بينهم ، ويسلم بعضهم على بعض، مما يشيع روح التواصل فيما بينهم ، فتتآلف بذلك
قلوبهم، وتسمو أرواحهم، ويتجدد إيمانهم، وقد قيل:"جددوا
إيمانكم بالتلاقي" لم
أعثر له على أصل
3- التذكير و
التناصح
فمن مقاصد الجمعة التذكير والنصيحة
، وذلك من خلال خطبتي الجمعة ، حيث يذكر الخطيب جموع المصلين بما فيه خيرهم عاجلا
وآجلا ، وبالتذكير تزول الغفلة وهي أخطر داء يهدد العباد ؛ و بزوال الغفلة تحي
القلوب ويزيد الإيمان و تتهذب الأنفس.... وسيعطى كل واحد منا على قدر نيته وحسن قصده ،
مصداقا لقوله تعالى :"إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم
خيرا ".
الختام
الآن وقد علمنا بعض خصائص الجمعة
ومقاصدها ، فلنسأل أنفسنا بصدق وأمانة : أين نحن من كل ما ذكر ؟؟؟؟ فإن وجدنا خيرا
حمدنا الله وشكرناه ، وإن وجد غير ذلك تبنا إلى الله واستغــفرناه..............واعلموا أننا إذ لم نراع هذه
المقاصــــــــــد ولم نعمل على تحقيقها نكون قد ناقضنا الشارع الحكيم في قصده ،
ومن ناقض الشارع في قصده فعمله باطل ، باطل ، باطل....
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأستغفر الله
لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق