......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

السبت، 11 يناير 2014

المبحث الرابع : "الأحكام المتعلقة بإزالة النجاسة "

تكلمنا في الدرس السابق عن الأعيان الطاهرة و الأعيان النجسة ، وسنتعرف الآن على حكم إزالة النجاسة و المسائل المتعلقة بها ، وهي كالآتي :

  المطلب الأول  : كيفية التطهير من النجاسة

1)    تطهير الماء المتنجس
 يطهر الماء المتنجس بإزالة التغيير الذي أحدثته النجاسة فيه بصب طاهر عليه ، من ماء أو تراب ، أما إن زال التغير من نفسه فلا يطهر.
2)    تطهير المائعات :
v  إذا حلت النجاسة في إحدى المائعات - كالزيت واللبن والعسل والسمن - وتحلل شيء منها تحقيقا أو ظنا ، فلا تقبل التطهير بتاتا ، مهما قلت النجاسة المحلولة ، ومهما كان المائع كثيرا .
v  أما إذا كان المائع متجمدا ووقعت فيه نجاسة فينجس إن ظن سريان النجاسة بكل المائع المتجمد ، كأن كانت النجاسة مائعة كالبول ، أما إن لم يظن سريانها في جميعه ، كأن كانت النجاسة جامدة والمائع جامد فيتنجس منه بمقدار ما ظن سريانه فيه ، ولو كانت النجاسة مما يصعب الاحتراز منه كروث الفأر ، فترفع النجاسة وما حولها بقدر السريان ويستعمل الباقي؛ لقوله صلى الله عليه و سلم :"إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه "[1]
3)    تطهير الأطعمة المتنجسة :
لا تطهر الأطعمة المتنجسة بتاتا، كاللحم المطبوخ بماء متنجس ،  أو الذي حلت فيه نجاسة قبل نضجه، أما إذا وقعت فيه بعد نضجه فيطهر بغسله ، وكذا الزيتون المملح بنجاسة أو البيض المسلوق بنجاسة فلا يطهر.
4)    تطهير الأواني المتنجسة :
  أ‌-    الأواني الخشنة ذات المسام: التي يمكن سريان النجاسة في مسامها، كالفخار والخشب والخزف لا تطهر إذ وضعت فيها نجاسة سائلة ، ومكثت فيها مدة يظن سريانها في جميع أجزاء الإناء، إلا الفخار فإنه يطهر إذا حرق بالنار ( شوي ) ؛ لأن النار تغوص في المسام فتسحق النجاسة. أما إذا كانت النجاسة جامدة أو وسائلة ولم تمكث في الإناء مدة تكفي لسريانها في مسامه فإنه يمكن تطهير الإناء بإزالة النجاسة.
 ب‌-   الأواني الملساء: كالحديد والنحاس والزجاج ، فهذه تطهر بغسلها ولو لمرة واحدة ، بشرط إزالة النجاسة سواء كانت مائعة أو جامدة ، وسواء مكث كثيرا أم قليلا .
  ت‌-        إناء الخمر: - مهما كان نوعه - يطهر إذا تخللت الخمر أو تحجرت تبعا لها ؛ لأنها هي تطهر بالتخلل أو التحجر.
 ث‌-   لإناء الذي ولغ فيه الكلب: مرة فأكثر يندب إراقة الماء الذي ولغ فيه وغسل الإناء سبع مرات تعبدا ، و لا يندب تتريب إحداهن إذا الكلب طاهر ولعابه كذلك[2].
5)    تطهير الثياب المتنجسة :
 تطهر الثياب المتنجسة إن انفصل الماء عنها غير متغير بالنجاسة، أما إن تغير الماء المنفصل عن الثوب في أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة، فالثوب نجس والماء المنفصل عنه كذلك ، ما لم يكن التغير بسبب الأوساخ العالقة بالثوب ، فإن الثوب يطهر حينئذ و لكن تسلب طهورية الماء .
6)    تطهير الأرض المتنجسة :
 تطهر الأرض المتنجسة بكثرة إفاضة الماء عليها ، من مطر وغيره حتى تزول عين النجاسة وأعراضها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم : ( دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء – أو ذنوبا من ماء – فإن بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)[3] . وإذا كانت الأرض ملساء فيكفي المسح لتطهيرها.


فروع هــامة

1)    إن شك إصابة البدن أو الأرض بالنجاسة وجب الغسل كما لو تحقق.
2)  إن شك إصابة الثوب أو الحصير أو الخف أو النعل وجب النضح لا الغسل ، والنضح يكون برش المشكوك بالماء المطلق بيده أو غيرها كالفم.
3)  إن تحقق الإصابة لكن شك بالمحل المصاب ما بين محلين فأكثر، غسل جميع المشكوك فيه سواء كان من بدن أو ثوب أو مكان أو آنية ، وإن كان المشكوك بهما ثوبان أيهما أصابته النجاسة غسل أحدهما للصلاة فيه إن اتسع الوقت ووجد ما يزيل به النجاسة ، وإلا اجتهد وصلى بأحدهما.
4)  أما إن أصابه شيء تحقيقا أو ظنا ثم شك هل ما أصابه نجس أو طاهر، فلا يجب عليه نضحه ولا غسله لحمله على الطهارة كالماء الساقط على المار بالطريق من أمكنة المسلمين، فإنه يحمل على الطهارة ولا يجب الغسل إلا إذا ظن المار إصابة النجاسة.
5)  وإذا أزيلت عين النجاسة عن محل بغير ماء مطلق بقى حكمها فيه، فإذا لاقى هذا المحل شيئا طاهرا بدنا كان أو ثوبا أو مكانا ، فلا ينجسه ولو كان هناك رطوبة من أحدهما أو كليهما ؛ لأن الحكم شيء اعتباري فلا ينتقل.

المطلب الثاني : حكم الانتفاع بالنجاسة

لا يجوز الانتفاع بالأشياء المتنجسة بأي حال من الأحوال باستثناء ما يلي :
1)    الخمر لإساغة غصة مع عدم وجود مائع غيرها.
2)  أكل لحم الميتة لمضطر كأن تعرض إلى الهلاك من شدة الجوع؛ لقوله تعالى - بعد أن ذكر تحريم الميتة - : " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم " ( المائدة3 ).
3)  جلد الميتة المدبوغ يجوز استعماله في غير المائعات كالحبوب والدقيق والخبز غير المبلول، وكذا في الماء المطلق لأن الماء الطهور لا يضره إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ، أما جلد الخنزير فلا يجوز استعماله مطلقا دبغ أو لم يدبغ لا في مائع ولا في غيره ، وكذا جلد الآدمي لشرفه وكرامته.
4)    يجوز الوقود بعظم الميتة.
5)    يجوز طرح الميتة للكلاب.
6)    يجوز سقي الزرع بنجس.
7)    يجوز استعمال شحم الميتة لدهن عجلة ونحوها.
8)  كما يجوز الانتفاع بالمائعات المتنجسة[4] - ولو كانت طعاما كالزيت والعسل والسمن - كأن تستعمل في سقي الدواب والزرع ، أو في دهن العجلات ، أوفي الصناعة بأن يستعمل الزيت المتنجس في صناعة الصابون مثلا ؛ لأن الاستحالة تطهر. 

المطلب الثالث  : حكم إزالة النجاسة

v    اختلف علماء المذهب في حكم إزالة النجاسة  إلى أربعة أقوال :
القول الأول : الندب .
القول الثاني: الوجوب مطلقا
القول الثالث: السنية .
القول الرابع:الوجوب مع الذكر والقدرة .
 وهذا الأخير هو الراجح والمشهور والمعتمد [5]. ومما يدل على رجحانه:
حديث ابن عباس ، قال : " مر النبي صلى الله عليه و سلم بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة........"[6].
وجه الاستدلال أن الإنسان لا يعذب إلا على ترك واجب ، فدل ذلك على وجوب إزالة النجاسة ، كما يدل علة العفو عنها في حالة العجز والنسيان ، قوله تعالى : " فاتقوا الله ما استطعتم " (التغابن16).
وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"[7]. ومن القواعد المقررة لدى أرباب العلم : " لا تكليف إلا بمقدور " .
v    وبناء على ذلك كان حكم إزالة النجاسة واجب مع الذكر والقدرة ساقط مع العجز والنسيان .

المطلب الرابع  : أحكام النجاسة الخاصة بالصلاة

المسألة الأولى: حكم من صلى بالنجاسة :
v  من صلى بها ناسيا أو غير علم بها حتى أتم صلاته ، فصلاته صحيحة ، ويستحب له إعادتها في الوقت الاختياري  مراعاة للخلاف.
v  من عجز عن إزالتها لعدم وجود الماء المطلق أو عدم القدرة على إزالتها ، صلى بها وجوبا ويحرم عليه تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها الاختياري.
v    من صلى بها عامدا قادرا على إزالتها ، فصلاه باطلة ، ويجب أن يعيدها أبدا.
المسألة الثانية: من سقطت عليه النجاسة أثناء الصلاة.
v    من سقطت عليه النجاسة أثناء الصلاة بطلت صلاته بالقيود الآتية:
§        أن تستقر عليه ، أما إذا أصابته ثم انحدرت فلا تبطل صلاته.
§        أن تكون مما لا يعفى عنه ، كالبول والغائط ونحوهما.
§        أن يتسع الوقت لإزالتها .
§        أن يجد ماء يزيلها به أو ثوبا آخر غير المتنجس.
v    من تذكر النجاسة أو علمها أثناء صلاته ، بطلت عليه بالقيود الآتية:
§        أن يتسع الوقت لإزالتها وإدراك ركعة من الصلاة فيه سواء كان اختياريا أو ضروريا.
§        أن يجد ماء يزيلها به أو ثوبا آخر غير المتنجس.
§        أن تكون مما لا يعفى عنه.

المطلب الخامس: ما يعفى عنه من النجاسة درءا للمشقة

من القواعد الفقهية الكبرى : " المشقة تجلب التيسير " ، فكل ما خرج عن قدرة المكلف سقط التكليف به ، وتطبيقا لهذا القاعدة يعفى عن النجاسات الآتية :
v    السلس. سواء كان ريحا أو بولا أو غائطا أو دم استحاضة..
v    بلل الباسور.إذا أصاب الثوب أو البدن كل يوم مرة.
v    ثوب المرضعة ، إذا كانت مجتهدة في الاحتراز من النجاسة.
v    الدم اليسير الذي يصيب الطبيب المزاول للجراح أو الجزار ، إن كانا مجتهدين في تجنب النجاسة.
v    يعفى عما يصيب الكناف المزاول لتنظيف المراحيض إذا كان مجتهدا في الاحتراز من النجاسة.
v    ثوب المرأة إذا أطيل لأجل الستر لا للخيلاء.
v    طين المطر ومستنقعات الطرق.
v    ما يسقط على المارة من شرفات المسلمين.
v    الدم والقيح والصديد القليل بقدر الدرهم.
v    الدم إذا لم ينقطع.


[1] أبو داود : ج 4 / كتاب الأطعمة باب 48 / 3842 
[2] راجع: ص 20 و22 من هامش هذه المذكرة.
 [3]البخاري : ج 1 / كتاب الوضوء باب 57 / 217
[4] لا يجوز الانتفاع بالنجاسة  في المسجد كأن يضاء المسجد بالزيت المتنجس --  كما لا يجوز لانتفاع بها في أكل الآدمي وشربه وإدهانه ؛ بناء على أن التلطخ بالنجاسة حرام وتجب إزالتها للصلاة وللطواف ولدخول المسجد -- كما لا يجوز بيع الموائع المتنجسة إلا بعد إعلام الشاري بنجاستها.
[5] انظر هذه الأقوال : بداية المجتهد ونهاي المقتصد لابن رشد 1/77—ومواهب الجليل1/131 – و الذخيرة للقرافي 1/193.
[6] النسائي في الكبرى 4/106 رقم 2068.
[7] ابن ماجه في سننه برقم 2043

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق