......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

السبت، 11 يناير 2014

المبحث الثاني: " أقسام المياه وأحكامها "


تمهيد :
الماء نعمة من الله تعالى ينبغي أن نستشعر جلالها ونحافظ عليها ، قال تعالى :" وجَعَلْنا من الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ " (الأنبياء 30). فالماء عليه مدار الحياة في الأرض ، وبه علقت صحة العديد من العبادات، فبالماء يزيل المسلم جنابته، وبه يتوضأ لتكتمل طهارته من الحدثين ؛ كي يتسنى له الوقوف أمام ربه ومناجاته على أكمل حال في الصلاة، وليطوف في حجِّه حول الكعبة المكرمة، وليلمس المصحف المجيد، وبالماء يزيل معظم ما يصيبه من النجاسات ، وبه ينظف بدنه وثيابه وسائر أشيائه... ولما كان مدار الطهارة على الماء  فقد جعله الله طَهوراً كلَّه .
- فماء السماء طَهور؛ لقوله تعالى " ويُنزِّل عليكم من السَّماءِ ماءً ليُطهِّرَكم به "( الأنفال11). ولقوله تعالى :" وأنزلنا من السَّماءِ ماءً طَهوراً " (الفرقان48).
- وماء البحر طَهور؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هو الطَّهور ماؤُه الحِلُّ ميتتُه"[1] .
وماء الآبار[2] والينابيع طَهور؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الماء طَهور لا ينجِّسه شيء"[3].
فالماء طاهر مطهر أصالة ما لم يخالطه ما يخرجه عن أصالته ، و فيما يلي أقسام المياه و وبيان حكم كل قسم منها :

المطلب الأول : المياه التي تصح بها الطهارة من غير كراهة

وهي كالآتي:
الماء المطلق: (الطهور) وهو ما صدق عليه اسم الماء بلا قيد[4] ، هو مَا اجْتمع فِيهِ شَرْطَانِ:
الأول : أَن يكون بَاقِيا على أصل خلقته بِحَيْثُ لم يخالطه شَيْء، كَمَاء الْبَحْر والآبار وَالْمَاء الْمُجْتَمع من الندى والذائب بَعْدَمَا كَانَ جَامِدا كالجليد.
والثاني : أَن لَا يتَغَيَّر لَونه وَلَا رِيحه و لا طعمه بِشَيْء يُفَارِقهُ فِي الْغَالِب من الْأَشْيَاء الطاهرة أَو النَّجِسَة. وحكمه : أنه طاهر مطهر بلا كراهة ، ويُلحق به ما يلي :
1)    الماء المتغير بسبب ما في مقره أو ممره ( كالمغرة والكبريت والتراب ...) من أجزاء الأرض.
2)    الماء المتغير بسبب طول المكث.
3)    الماء المتغير بسبب ما طرح فيه من أجزاء الأرض ولو عمدا كالتراب والملح5.
4)    الماء المتغير بسبب ما تولد فيه من سمك أو دود أو طحلب.
5)    الماء الذي تغير ريحه بالمادة التي دبغ بها الإناء إن كان هذا الدابغ طاهرا كالقطران ، كالقرب الجلدية المدبوغة بالقطران.
6)    الماء المتغير بما يعسر الاحتراز منه كالتبن وورق الشجر.
7)    الماء المتغير بمجاور له من غير ملاصقة  ، كأن تطرح جيفة في شاطئ الماء فيتغير الماء برائحتها.
8)    الماء المتغير تغيرا خفيفا بآلة سقي ، كالحبل الذي تعلق به الدلاء.
9)  الماء المتغير بسؤر حيوان لا يتوقى النجاسة يعسر الاحتراز منه كالهرة ؛ لقوله صلى الله عليه و سلم قال : "إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات " 6

 المطلب الثاني : المياه التي تصح بها الطهارة مع الكراهة

وهي كالآتي:
1)    الماء المشمس في قطر حار ( سواء كان يسيرا أو كثيرا ) في إناء مثل النحاس وما شابهه . وكراهته طبية وقيل شرعية.
2)    الماء الشديد الحرارة والشديد البرودة شدة لا تضر بالبدن ، وعلة الكراهة أنه في هذه الحالة يصرف المتطهر عن الخشوع لله ويجعله مشغولا بألم الحر أو البرد ومنها عدم إسباغ الطهارة.
3)    الماء الراكد ولو كان كثيرا ما لم  يستبحر أو تكن له مادة7،  فيكره الاغتسال فيه.
4)  الماء الراكد الذي مات فيه حيوان بري له دم سائل  ولم يتغير الماء، ولو كان له مادة كالبئر ، ويندب النزع منه ( أي إخراج دلو أو دلوين أو أكثر )، لإحداث مظنة إزالة الفضلات التي تطفو على سطح الماء من الميتة ، أما إن تغير الماء بالميتة فقد أصبح نجسا لأن الميتة نجسة ، أما إن خرج الحيوان حيا ، أو كان بحريا ، أو بريا ليس له دم سائل كعقرب..... أو كان الماء جاريا أو مستبحرا ، أي كثيرا كالبحر ، فإنه لا يندب النزح منه كما لا يكره استعماله .
5)  الماء اليسير[8 المستعمل في رفع الحدث - ولو من صبي - لرفع حدث آخر ، أما المستعمل في رفع حكم خبث ولم يتغير فغير مكروه الاستعمال لا لرفع حدث ولا لرفع حكم خبث لمرة ثانية ، وتتوقف الكراهة على شرطين :
§        أن يكون الماء يسيرا.
§   أن يكون الماء قد استعمل في وضوء واجب ، أما إن استعمل في وضوء مندوب كالوضوء للنوم فلا كراهة.
 
والمقصود بالمستعمل هو ما تقاطر من الأعضاء بعد غسل أو وضوء ، أما إن غمس العضو بالماء ولم ينو نية الاغتراف فلا يصبح الماء مستعملا .
6)    الماء اليسير الذي حلت به نجاسة ولم تغيره بشروط.
§        أن يكون الماء يسيرا.
§        أن تكون النجاسة كقطرة المطر المتوسطة فما فوق أما إن كانت أقل فلا يكره.
§        أن لا تتغير أوصافه من لون أو ريح أو طعم.
§        أن لا يكون جاريا فإن كان جاريا فلا كراهة.
§        أن لا يكون له أمداد تزيد كمية الماء كماء البئر.
(7  الماء اليسير[9] الذي ولغ فيه الكلب ولم يتغير[10]، وكذا سؤر كل حيوان لا يتوقى النجاسة - إن لم يعسر الاحتراز منه-  كالطيور والسباع ؛ لما روى يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب :"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركب فيه عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض : يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع ؟ فقال عمر بن الخطاب : يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا "[11] . أي أنه أمر لابد منه .
     وكراهته هذه في استعماله لرفع حدث أما استعماله لرفع خبث أو في غسل الأواني فإنه لا يكره .
8  (الماء اليسير الذي شرب منه شخص اعتاد المسكر ، أو غسل فيه عضوا من أعضائه.

                              ملحوظة : تزول كراهة هذه المياه المذكورة في حال عدم وجود غيرها.

المطلب الثالث  : المياه الطاهرة غير المطهرة

المياه الطاهرة في نفسها غير المطهر لغيرها ، أي التي لا ترفع حدثا ولا تزيل نجسا ، فهي صالحة للعادة دون العبادة ، وهـــي على نوعين :
1)    الماء المطلق إذا خالطته[12] إحدى الطاهرات: مثل الصابون أو ماء الورد وغيرت أحد أوصافه الثلاثة بشروط :
   [1] أن يكون ذلك الطاهر ليس ملازما للماء بل يفارقه في غالب الأحيان.
   [2] أن لا يكون من أجزاء الأرض.
   [3] أن لا يكون من الأشياء التي يدبغ بها الإناء.
   [4] أن لا يكون من الأشياء التي يصعب الاحتراز منها.
2)    الماء المطلق إذا تغير بنفس الإناء الذي وضع فيه:  بشرطين :
    [1] أن يكون الإناء من غير جنس الأرض كأن يكون من جلد أو خشب فتغير الماء بمجاورته للإناء.
    [2] أن يكون التغير فاحشا.


المطلب الرابع  : المياه المتنجسة

ينجس الماء بنوعيه القليل والكثير إذا حلت فيه نجاسة وغيرت أحد أوصافه الثلاثة : الطعم أو الريح أو اللون ، وحكم الماء المتنجس :أنه لا يجوز استعماله في العبادات ولا في العادات ، ويحرم الانتفاع به في الطبخ والشرب وغيرهما، إلا في حالة الضرورة الملحة ، كأن يكون الشخص تائها في الصحراء وتتوقف حياته على شرب الماء النجس فإنه يجوز له في هذه الحالة أن يشرب منه، ويشرب منه بقدر الضرورة وهو ما يدفع به الهلاك عن نفسه ؛ إذ الضرورة تقدر بقدرها.
وقد لخص عبد الواحد بن عاشر - رحمه الله - أنواع المياه وأحكامها في الأبيات الآتية[13] :

فَصلٌ وَتَحصُلُ الطَّهارةُ بِـمَا ***  منَ الـتَّغَيُّرِ بِشَيْءٍ سَلِـمَـا
إذَا تَغَــيَّــرَ بِنَجْــسٍ طُرِحَـــا ***  أوْ طاهِرٍ لِعادةٍ قدْ صَلُحَـا
إلاَّ إذا لاَزَمَـــــهُ في الغَالـبِ ***  كَمُغْرَةٍ فَمُـطْلَقٌ كالـذّائــبِ

فالخلاصة :
أن الطهارة إنما تصح بالماء الذي سلم من تغير بأي شيء - طاهرا كان أو نجسا - وهو ما يعبر عنه بالماء المطلق أو الطهور ، ويلحق به الماء المتغير بما يلازمه غالبا من الطاهرات كالمغرة والطحلب ونحوهما.......................
ثم إن تغير أحد أوصافه فننظـر في حقيقة مغيره:
v    فإن تغبر بنجس حل فيه فلا يصلح للعادة و لا للعبادة.
v    وإن تغير بطاهر صلح للعادة دون العبادة، وهو ما يعبر عنه بالماء الطاهر غير المطهر.
 ----------------------------------------------------------------------------------

[1] رواه أحمد ومالك وأبو داود والنَّسائي والترمذي. وصححه البخاري والترمذي وغيرهما.
[2] باستثناء مياه آبار ثمود فلا يحل و لا يصح التطهر بها ، لعلة تعبدية.
[3] رواه أبو داود والترمذي وحسَّنه. وصحَّحه أحمد ويحيى بن معين.
[4] خرج بذلك الجامدات والمائعات التي لا يصدق عليها اسم الماء كالسمن والعسل.
[5] ومثله المتغير بما تضعه مصالح المياه  من المواد الكيماوية أو ماء جافيل لتطهيره وحفظه من الجراثيم.
[6] الترمذي : ج 1 / الطهارة باب 69 / 92
[7] أي يزيد وينقص في نفسه.
[8] الماء اليسير : هو ما كان قدر آنية الغسل أي بمقدار ما يغسل به صاع أو صاعين فأقل وفيما عداه فكثير.
[9] فإن كان كثيرا فلا كراهة.
[10] فإن تغير فلا يصح التطهر به مطلقا.
[11] الموطأ : دار إحياء التراث العربي، بيروت – ( د ط ). 1406 هـ - 1985 م . ص 23
[12] خالطته : أي امتزجت به أو لاصقته مثل الرياحين المطروحة على سطح الماء والدهن الملاصق له.
[13] هذه الأبيات لا بد من حفظها .

هناك تعليق واحد: