الخطبة الأولى
الحمد لله القوي الجبار، المنتقم القهار، مذل الجبابرة ، قاصم الأكاسرة ، مهلك القياصرة ، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، والصلاة والسلام على قائد المجاهدين ، محب الاستشهاديين ، ومبغض الخائنين والمنافقين ، وعلى آله وصحبه الطيبين المجاهدين.
في هذه الأجواء المغمورة بالخشوع والتذلل والانكسار لرب العالمين ، نستنزل من رحمات الله الصيبة ، وصلواته الزكية الطيبة ، لشهدائنا الأبرار ما يكون كفاء لبطولتهم في الدفاع عن شرف الحياة ، وحرمات الدين وعزة الإسلام ، و كرامة الإنسان وحقوق الوطن.
أيها الأخوة الكرام : يقول الله تعالى : "وذكرهم بأيام الله ".مما ينبغي أن نتذكره ونذكر به: تلك الأيام العظيمة ، التي تصدى فيها المسلمون للهجمات الصليبية على
أرض الجزائر وشعبها ، تلكم الأيام التي صنع فيها أبناء هذا الوطن الطاهر أمجادا
خالدة ، و تاريخا بطوليا لم تشهد الدنيا مثله في العصر الحديث ، وقدموا خلالها
قوافل من الشهداء لم يقدم قبلها و لا بعدها مثلها أبدا ! وفي
هذا الأسبوع قد حلت علينا إحدى الذكريات الخالدة لذلكم التاريخ الطويل المجيد ،
وهي :
ذكرى مظاهرات الحادي عشر من ديسمبر
عام 1960 م
التي أظهر فيها الشعب الجزائري مظهرا آخر من مظاهر بطولاته وتضحياته
، وإنجازاته التاريخية العظيمة .
وقصة تلك المظاهرات : أن شعبنا كان يعيش تحت وطأة الاستعمار الفرنسي الغاشم ،
لأزيد من قرن و ربع قرن ، و لما رفع رأسه و طالب بحقه في الحياة والحرية ،
كان الجواب الفرنسي القمع و الاضطهاد و التقتيل و التشريد... لأبناء هذا
الوطن ، فأدرك الشعب حينئذ أن ما أخذ بالقوة لا يمكن استرجاعه إلا بالقوة ،
فرفع راية الجهاد ، و دوت صيحات الله أكبر في مختلف ربوع البلاد ، وزئر
المجاهدون الأشاوس فاهتزت أركان الدولة الغادرة .
وجاء الجنرال ديغول بسياسة استعمارية جديدة أراد من خلالها خنق الثورة التحريرية ، وعزلها عن الشعب في الداخل ، وعزلها أيضا عن الخارج من جهة ، و الإبقاء على الجزائر جزءا من فرنسا من جهة أخرى ، وذلك في إطار فكرة "الجزائر جزائرية" ، مخالفا بذلك فكرة المعمرين الفرنسيين الذين مازالوا يحملون فكرة "الجزائر فرنسية" ، فخرج المعمرون في مظاهرات مناهضة لسياسة ديغول و ذلك في 10 ديسمبر 1960م.
في ظل هذه الأجواء المشحونة خرج الشعب الجزائري في مظاهرات شعبية هائلة ، رافعا شعار "الجزائر مسلمة مستقلة" ، بدلا من شعار ديغول "الجزائر جزائرية" و شعار المعمرين "الجزائر فرنسية" ، وذلك عبر أرجاء البلاد كلها ، و التف الشعب حول الثورة مطالبا بالاستقلال الكامل . و تصدت السلطات الاستعمارية بوحشية لا مثيل لها لهذه المظاهرات ، فمارست كل أشكال القمع والتقتيل الجماعي ، وإرهاب أبناء الشعب المناضل المكافح ، و قد دامت هذه المظاهرات أكثر من أسبوع في أكثر من مدينة .
أيها الأخوة الكرام : لقد كان لهذه الهبة الشعبية الكبيرة نتائج على عدّة أصعدة :
1) إذ بينت هذه المظاهرات مدى و حشية المستعمر؛ وفضحت ممارساته القمعية أمام أنظار العالم كله.
2) وعبرت أيضا عن مدى تشبث الشعب الجزائري بالحرية ، و مبدأ تقرير المصير للشعوب ، فأدرج بسبب تلك المظاهرات ملف القضية الجزائرية في الأمم المتحدة ، و كسب نداء الحرية تأييد أغلب شعوب العالم ، الأمر الذي جعل فرنسا تجلس مكرهة إلى طاولة المفاوضات و ترضخ لشروط الثورة المقدسة.
3) إن مظاهرات 11 ديسمبر 1960 هي ذكرى خالدة في سجل إنجازات هذا الشعب العظيم ، الذي جاهد في سبيل الله ، و صنع أعظم ثورة ، و أكبر ملحمة جهادية في العصر الحديث:
أيها الأخوة الكرام :
إن ثورة التحرير المباركة بجميع أحداثها و صورها و مشاهدها ، ومنها مظاهرات 11 ديسمبر 1960 لترشدنا إلى أن قوة الأيمان و الثقة بالله في النصر لن تقف أمامها أي قوة في العالم ؟ فإن الاستعمار الفرنسي الصليبي، الذي سرق البسمة من شفاه الجزائريين لعقود طويلة ، و أراد أن يسلخ شعبا بأكمله من هويته ، و يطمس دينه و لغته و ثقافته ... بعدما أغتصب حريته ، قد تلاشت قوته المادية أمام صمود شعبنا ، وأمام تضحيات الجاهدين الشجعان. وإرادة الله أقوى وأجل : ﴿ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز﴾.
لكن ثمن النصر كان باهضا ، فمليون و نصف مليون من الشهداء أو
يزيدون ، و ملايين المشردين و الأيتام و الأرامل ... ، لكن جاء - بعد ذلك -
الذي في سبيله يهون كل شيء ، جاء النصر .. وجاءت الحرية .. و جاء
الاستقلال .. وجاءت السيادة .. وعادت الجزائر إلى حاضرة الإسلام والعروبة ..
وخرج الجزائريون مرددين ذلك الشعار الخالد .. الذي يعبر عن طبيعة ثورتنا وربانيتها
.. قائلين : " يا محمد مبارك عليك الجزائر عادت اليك ". وهو شعار له أكثر من دلالة في نفوسنا
، فهو من أبرز مظاهر تعلق الجزائرين بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، وقد كانوا
بدأوا ثورتهم يوم الاثنين ؛ تيامنا بالمولد النبوي الشريف ، بل قيل أن أن ذلك
اليوم صادف 12 ربيع الأول ، الموافق للفاتح نوفمبر... فبدأوها بذكرى ميلاد رسول
الله وختموها - يوم الاستقلال -بقولهم : " يا محمد مبارك عليك الجزائر عادت اليك ".
وكما عادت الجزائر إلى محمد عليه الصلاة والسلام ؛ ستعود إليه فلسطين
الحبيبة بإذن الله تعالى ، مهما تآمر عليها الغرب ومهما خذلها العرب ... ولعل
"دونال ترامب" يظن أن الفرصة باتت مواتية لتثبيت أركان الدولة
اليهودية على الأرض المقدسة ؛ لذلك قام بنقل عاصمتها إلى القدس ؟؟مستغلا
الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي، ووتأجج الصراع بين الأشقاء العرب فيما
بينهم ،وبين السنة والشيعة من جهة ثانية ، وتصنيف المقاومة الفلسطينة
ضمن الحركات الإرهابية بتواطؤ من بعض العرب للأسف الشديد .
ولكنه واهم هو من سار على شاكلته ؛ لأن فلسطين ارض اسلامية ، وستبقى كذلك ... والشعب الفلسطيني يعيش على أرضه ، ولأن الظلم مهما طال أمده لا بد أن يعود على مبتغيه بالوباء والوخم، ولأن دولة الباطل لا محالة زائلة .... والذين كتب الله أن يجففوا منابع قوة الدولة الغادرة ، كما جفت بحيرة ساة حين بروز الأنوار المحمدية ، ويجعلوا زخرف حضارتها حصيدا كأن لم يغن بالأمس .... هم غير هؤلاء الفرقاء المتشاكسين من العرب المتخاذلين ، بل هم عباد أولوا إيمان وتُقى ، يستمدون قوتهم من قوة الله ... وقد أضافهم الله إليه إضاقة تشريف وتكريم ، فقال جل ثناؤه: "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا" ، وهؤلاء حتى وإن دارت عليهم الكرة يوما ما ، إلا أنهم - لا محالة - عائدون ؛ لِيَسُوءُوا وجوه الكافرين والخائنين ، فتلك سنة الله التي لا يمكن أن تتخلف ، لأن إخبار الحق جل جلاله محال أن يوجد في الواقع خلافه.
ولذلك لا ينبغي لأهل الحق ودعاته أن يفشلوا أمام ما يرونه من
تناقضات وتخاذلات ؛ بل ينبغي ألا يزيدهم ذلك إلا إيمانا وتسليما ، فتلك ما هي إلا
تصفية وتمحيص اقتضتها سنة الباري جل في عليائه :" وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ
الْكَافِرِينَ" . ولا بد
أن يفاجأ أعداء الله بالمفاجأة الصادمة ، التي ستأتيهم من حيث لم
يحتسبوا ، كما أتت الذين من قبلهم ؛ لأن التاريخ لا بد أن يعيد نفسه. "وَظَنُّوا أَنَّهُمْ
مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ
يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ
بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ".
وإن الجزائر كانت و لا تزال وستبقى مع فلسطين
ظالمة أو مظلمة
والحمد لله رب العالمين
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله وصحبه الشرفاء ، وبعد /
فإننا في كل مناسبة من مناسبات تاريخ ثورتنا
وجهادنا ... نذكر بعهد الشهداء الأبرار ، الذين قدموا أرواحهم فداء لعقيدتهم
وشعبهم ووطنهم ، وبذلوا في سبيل ذلك دماءهم الطاهرة الزكية ؛ وكان فضلهم علينا
عظيما ، والله تعالى يقول : ((ولا تنسوا الفضل بينكم )) ، ولا يمكن لحر أصيل من سلالة ماجد ... أن ينسى أو يتناسى فضل من
أكرمه وأحسن إليه ، فكيف إذا كان ذلكم المحسن قد ضحى بحياته من أجل سعادتنا
وحريتنا !!! وهو ما فعله الشهداء الأبرارمن أجلنا ، القائلون بلسان الحال
والمقال:
واقض يا موت في ما أنت قاض ** أنا
راض إن عاش شعبي سعيدا
أنا إن مت فالجزائر تحــــــــــــيا
** حـــــــرة مســــــتقلـــة لن تبيدا
والوفاء للشهداء يقتضي توقيرهم وإجلالهم والدعاء
لهم ، والمحافظة على عهدهم وأمانتهم ... ومن الوفاء للشهداء الأبرار ألا نوالي أو
نبر أعداءهم وسالبي حياتهم ، فإن القرآن ينهانا عن ذلك ، يقول الله تبارك وتعالى :
" إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ
اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ
دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ
يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".
والاستعمار الفرنسي الغاشم قاتلنا في الدين ، ولم
يكتف بإخراجنا من ديارنا ، بل دمرها فوق رؤوسنا ، وسفك دماءنا ، وانتهك أعراضنا ،
وتفنن في إذلال رجالنا ونسائنا ، ولحد الساعة لم يعتذر عن جرائمه في حق شعبنا
، بل لا يزال يحتفظ في متاحفه بجماجم بعض شهدائنا ، ولذلك فمن اللؤم والنذالة أن
تقوم طائفة من الرعاع والهمج باستقبال الرئيس الفرنسي على أرض الشهداء ، وفي
مناسبة مظاهرات ديسمبر ، بالزغاريد والهتافات المعبرة له عن الولاء والمحبة
والتبجيل ... من أين جاءنا هؤلاء ؟ هل هم من سلالة الشهداء ؟ وما ذا يرجون من هذا
الكافر أن يمنحهم ؟ فإن كان لهم حاجة فليطلبوها بعزة الأنفس ؛ فإن الأرزاق تجري
بالمقادير ، وتراب الجزائر وحصباؤها أحب إلى قلوب الأمجاد الأحرار من لؤلؤ فرنسا
ومرجانها ... نعم إن للدول معاهدات ومراسيم دبلوماسية معلومة قائمة على الاحترام
المتبادل بين الدولتين ... أما أن تخرج قطعان من الشعب رجالا ونساء بهذا الترحاب
الهائل ... ورمي الورود على من كان يسفك دماءنا وينتهك حرماتنا ... فهذا أمر غير
مقبول ، والقائمون بهذا السلوك لا يمثلون الشعب الجزائري ، فهو سلوك غريب كل الغرابة عن مجتمعنا الجزائري الأصيل .. بل هو خانة للشهداء ...
وتجرد عن كل قيم الشرف والكرامة ... ثم أن مثل هذه المظاهر المخزية لها إخلال بدين
المرء وعقيدته ، فقد قال جل جلاله :"بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا
أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا". نعم ، فمن كان
يريد العزة أو الكرامة ... فليطلبها عند الله ، لا عند ماكرون أو غيره.
اللهم وصل وسلم وبارك على البشير النذير ، والسراج
المنير ، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار ، خصوصا على أجلهم قدرا وأرفعهم ذكرا ،
ذوي المقام العلي والقدر الجلي ، ساداتنا وأئمتنا الفضلاء ، أبي بكر وعمر وعثمان
وعلي ، وعلى الستة الباقين من العشرة المبشرين بالجنة ، وعلى الحسنين الأحسنين أبي
محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين ، وعلى أمهما الزهراء وخديجة الكبرى وعائشة الرضى
، وبقية أزواج النبي المصطفى ، وعلى الصحابة أجمعين ، وعلى التابعين ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهم كما نصرت بيتك الحرام وطهرته من أبرهة وجنوده الظالمين
... وأرسلت عليهم طيرا أبابيل وجعلتهم عبرة للمعتبرين .. وأنزلت فيهم سورة تتلى
الى يوم الدين..انصر المسجد
الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين .. بجند من جنودك يا ذا القوة المتين ... وطهر
القدس من رجس اليهود والخائنين ..
وارحم اللهم شهداءنا الأبرار
وسائر شهداء المسلمين ، واجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين ، واخذل الكفرة
والمشركين ، وأصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين ، وأهلك من في هلاكه صلاح
للإسلام والمسلمين ، وامدد بنصرك وتأييدك وحسنك توفيقك ملوك ورؤساء المسلمين ، ولم
شعثنا واجمع شملنا ووحد كلتنا ، وانصرنا على من خالفنا ، واحفظ بلادنا وأصلح
أزواجنا وذرياتنا ، واشف مرضانا وعاف مبتلانا ، وارحم موتانا ، واغفر اللهم
لوالدينا ولمن علمنا ولمن أحسن إلينا ، ولسائر المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين
والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات .
شكرا لك شيخنا
ردحذفشكر الله لك على التعريف بهويتنا الربانية والوطنية
ردحذفبارك الله فيك وفتح عليك فتح العارفين
ردحذف