الحمد لله
نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه،
وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً وبعد .
أيها الإخوة المؤمنون : لا زلنا في شهر
الله المحرم ، المليء بالذكريات الجميلة ، التي تطمئن بها القلوب ، وتنشرح لها
الصدور ، وتهنأ بها النفوس ، وتستمتع في رحابها البصائر والعقول، ومن تلك الذكريات : ذكرى هجرة الحبيب المصطفى - عليه الصلاة والسلام - وعنوان الخطاب لهذا
اليوم هـــو:" لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا " ( التوبة:40 ) .
و هو جزء من آية في سورة التوبة يخبرنا فيها ربنا عز
وجل بقول النبي صلى الله عليه وسلم
لصاحبه أبي بكر الصديق وهما في غار ثور خلال رحلة الهجرة
المباركة
، وكانت قريشا قد أعدت جائزة مقدارها مائة من الإبل لمن يأتي بمحمد حيا أو ميتا ،
ولما أحاط المشركون بالنبي وأبي بكر وهما
في غار ثور ، قال أبو بكر: " لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ
نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا " فأجابه صلى الله عليه وسلم قائلا " مَا ظَنُّكَ
يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا )"
رواه
البخاري في صحيحه رقم (3380) . وأنزل الله تعالى في ذلك : " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم" (التوبة 23) . فلله ما أروعها من كلمات ! تلك التي عبر بها صلى الله عليه وسلم في
أصعب المواقف وأشدها خطرا ! " لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " فما دام الله معنا فمن
علينا ؟ وما دام الله معنا فلن
نغلب ،
ولن نهزم، ولن نضل، ولن نضيع ، ولن نيأس أبدا ؛ لأن الله معنا.
ومعية الله لخلقه تنقسم إلى قسمين: عامة ، وخاصة:
فالمعية العامة هي: التي تقتضي الإحاطة
بجميع الخلق من مؤمنوكافر ، وبَر وفاجر، في العلم والقدرة، والتدبير والسلطان
، وغير ذلك من معاني الربوبية ، قال الله تعالى: " يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"
(سورة الحديد4 (، فهذه
معية علم وإحاطة ، فهو سبحانه وتعالى رقيب علينا ، شهيد على أعمالنا أينما كنا ... ويقول
تعالى : " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا
خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ
سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ
مَعَهُمْ أَيْنَ مَا
كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ"( المجادلة7) .
وهذه المعية توجب لمن آمن بها كمال المراقبة لله عزّ وجل ، ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:"أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت"(أخرجه الطبراني في المعجم الكبير) . ولله در القائل :
وهذه المعية توجب لمن آمن بها كمال المراقبة لله عزّ وجل ، ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:"أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت"(أخرجه الطبراني في المعجم الكبير) . ولله در القائل :
إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً فلا تَقُلْ | خَلَوْتَ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ |
ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ ساعـــــــة | وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب |
وأما المعية الخاصة
فهي: التي تقتضي النصر والتأييد لمن أضيفت له ، وهي مختصة بمن يستحق ذلك من
أنبياء الله وأوليائه المؤمنين المتقين ، يقول الله تعالى " : إِنَّا
لَنَنصُرُ رُسُلَنَا
وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" (غافر:51) ، فكما نصر الله تعالى
نبيه صلى الله عليه وسلم، وأيَّده وأعانه ، فكذلك
ينصر ويؤيد ويعين كل متبع للنبي صلى الله عليه وسلم ، فهو سبحانه مع الصابرين ، والمحسنين ، والصادقين ، والمتقين
، ومع كل مؤمن بالله ، مخلص له
في
عبادته ، متبع لرسوله عليه الصلاة والسلام قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ
اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)"النحل:6) ، وقال تعالى
: " وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " (البقرة:)194).
وهذه المعية توجب لمن آمن
بها كمال القوة و الثبات والشجاعة ، فهذا نبي الله موسى عليه السلام حينما تقابل أتباعه مع
جند فرعون وقال أصحابه: " إِنَّا
لَمُدْرَكُونَ" (الشعراء:61)؛ رد عليهم موسى عليه السلام
مستشعراً تلك المعية: " قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ
رَبِّي سَيَهْدِينِ" (الشعراء:62). لذا ينبغي المؤمن أن يكون قوياً بإيمانه ، واثقاً من وعد الله ونصره وتأييده ، ولله در القائل :
فاشدد يديك بحبل الله
معتصماً فإنه
الركن إن خانتك أركان
فإذا تكاثف همك ، وكثر غمك
، وتضاعف حزنك ، فتذكر قوله تعالى : " لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ
مَعَنَا ".
وإذا ركبك الدين ، وأصابك الفقر،
و هزَّتك الأزمات، وطوَّقتك الحوادث، وحلَّت بك الكربات ؛ فتذكر قوله تعالى :
" لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ".
وإذا مكر بك الماكرون ،
وتكالب عليك الحاقدون والحاسدون ، فتذكر قوله تعالى : " لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ".
فإن الحبيب المصطفى حينما
قال لصاحبه : "لا تحزن إن الله معنا "
انقلب الحزن سروراً ، والهم فرحاً ، والغم
راحة ، والكرب فرجاً ، والهزيمة نصراً عزيزاً .
فمع معية الله النار لا تحرق إبراهيم -- والسكين لا تقطع إسماعيل -- والبحر لا يغرق موسى -- والحوت لا تأكل يونس -- والعنكبوت والحمامة يحميان محمدا ، ويردان المشركين خائبين خاسئين ، ولله در الإمام البصيري إذ يقول :
فمع معية الله النار لا تحرق إبراهيم -- والسكين لا تقطع إسماعيل -- والبحر لا يغرق موسى -- والحوت لا تأكل يونس -- والعنكبوت والحمامة يحميان محمدا ، ويردان المشركين خائبين خاسئين ، ولله در الإمام البصيري إذ يقول :
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت
على خيــر البرية لم تنسج ولم تحم
عناية الله أغنت عـن مضــاعفـــة
من الدروع وعن عال من الأطم
فكونوا مع الله يكن الله معكم -- وأنصروا الله ينصركم -- واذكروا الله يذكركم -- اللهم كن معنا حيث كنا ،
وكن لنا ولا تكن علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وصل اللهم وسلم على سيدنا
ونبينا ومولانا محمد ، وعلى آله وصحبه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق