الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، شهادة نستعد بها إلى يوم لقائه يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، أرسله الله على فترة من الرسل وحاجة من البشر ، فهدى به من الضلالة وعلم به من الجهالة ، وفتح به آذانا صما وأعينا عميا وقلوبا غلفا ، وما فارق الدنيا عليه الصلاة والسلام حتى ترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" (آل عمران 102)
هنيئا لكم أيها المؤمنون
بإدراككم لشهر شعبان المبارك ، وإن كثيرا من الناس ليغفلون عن فضائل هذا الشهر ، وإنه
لشهر كثير الخيرات ، عظيم البركات ، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا
رسول الله: " لم
أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟
فقال : " ذاك
شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب
العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" (رواه النسائي) وعن
عائشة رضي الله عنها قالت: " وما رأيته - أي النبي صلى الله عليه وسلم - في شهر أكثر صياما منه
في شعبان" ( رواه البخاري ومسلم )
فمن خلال ما تقدم من
النصوص يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام في هذا الشهر، و قد بين
الحكمة من ذلك ، وهي :
أن شهر شعبان ترفع فيه الأعمال
وتعرض على رب العباد ، ثم انه شهر يغفل الناس عنه .
وإنما يغفل الناس عن شعبان
لأنه جاء بين شهرين عظيمين ، الأول : شهر رجب وهو شهر حرام.
والثاني: شهر رمضان وهو
شهر الصيام والقيام .
فاشتغل الناس بهما عن شعبان ، فصار مغفولا عنه ،
حتى أن كثيرا من الناس ليظنون أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان ، باعتباره من
الأشهر الحرم ، و ليس ذلك بصحيح ، فإن صيام شعبان أفضل من صيام رجب للحديث المتقدم .
ومن أهم ما يستفاد من هذا
الحديث الشريف :
1- استحباب القيام بالطاعة في وقت
الغفلة ؛ لأن العمل فيه يكون أسر و أخفى ، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل من الجهر بها لا سيما
الصيام ، فإنه سر بين العبد وربه ، ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء ، وقد صام بعض
السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد ، كان يخرج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان ،
فيتصدق بهما ويصوم ، فيظن أهله أنه أكلهما في سوقه، ويظن أهل سوقه أنه أكلها في
بيته.
2- أن القيام بالطاعات في وقت
غفلة الناس عنها يكون اعظم أجرا ؛ لكونها أشق على النفوس ، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس بشرط
موافقتها للشرع ، وفي الحديث :"إن لك من الأجر على قدر نصبك و نفقتك"( أخرجه
البخاري في صحيحه رقم1695 ).
والنصب هو التعب و المشقة ، وبقدر ما يكون التعب يكون الأجر ، إن قل قل و إن كثر كثر.
ولكن لماذا تكون الطاعات
في وقت غفلة الناس شاقة و صعبة على النفوس؟
والجواب واضح : وهو أن النفوس تقتدي بغيرها ، فإذا رأت كثرة
القائمين بالطاعة سهل عليها القيام بالطاعة
.
وأما إذا كثر الغافون عن
الطاعات فانه يشق على النفوس المتيقظة أن تقوم بالطاعة لوحدها ، لقلة من يُقتدى أو
يستعان به في مثل هذه الأوقات المغفول
عنها ، ولهذا كان المؤمن ضعيفا بنفسه قويا بإخوانه ، ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم في شأن الغرباء في آخر
الزمان: " للعامل
منهم أجر خمسين منكم - أي من الصحابة - إنكم تجدون على
الخير أعوانا ولا يجدون" فالعلة في عظم أجر هؤلاء الغرباء ، أنهم لا
يجدون على الخير أعوانا ؛ لأن أكثر الناس عن أعمال البر غافلون .
ولهذه المعاني المتقدمة
وغيرها كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك ،
ويغتنم وقت غفلة الناس وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر !!
و على هذا الدرب درج الصالحون فكانوا يجدّون في شهر شعبان ، ويتهيئون فيه لرمضان
.
- فهذا عمرو بن قيس كان إذا دخل شهر شعبان أغلق
حانوته وتفرغ لقراءة القران .
- وقال سلمة بن كهيل: كان
يقال شهر شعبان شهر القراء .
- وقال أبو بكر البلخي:
شهر رجب شهر الزرع ، وشهر شعبان شهر سقي الزرع ، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع ، فمن
لم يزرع ويغرس في رجب ، ولم يسق في شعبان فماذا سيحصد في رمضان ! ؟
أيها المؤمنون : ها هو شهر
رجب قد مضى وأقبل عليكم شعبان ، فما أنت فاعلون فيه إن كنت تريدون رمضان ! ؟
فشعبان هو شهر الاستعدادات الروحية والإيمانية
لرمضان..
وقد أكرمكم الله فيه بليلة
هي موسم لاستجابة الدعاء ومغفرة الذنوب :
- فقد روى الإمام الشافعي
في كتابه الأم ، قال : " وبلغنا أنه كان يقال : إن الدعاء يستجاب في خمس ليال، في ليلة الجمعة ، وليلة الأضحى ، وليلة الفطر ، وأول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ....( قال الشافعي ) : وأنا أستحب كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن يكون فرضا "
- وعن معاذ بن جبل رضي
الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يطلع
الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" (رواه الطبراني وابن حبان وهو حديث صحيح)
وهذا الحديث يشير الى قضية اخرى من الاهمية بمكان وهي : انه لا فائدة من صيام
شعبان إذا ما كانت القلوب مظلمة بالشركيات والشحناء والأحقاد ....
ولهذا فان المطلوب منا - ايها المؤمنون - أن
نتخذ من هذا الشهر المبارك فرصة لمراجعة أنفسنا ، بتصحيح اعتقادنا وتصفية قلوبنا ،
ومضاعفة الأعمال الصالحة من صيام و صلاة وصدقة...عسى أن تعرض أعمالنا على الله
ونحن صائمون ، ولعنا نحظى بمغفرة ذنوبنا في ليلة النصف من هذا الشهر و يستجيب
الله فيها لدعواتنا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، " وَهُوَ
الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ
وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ
شَدِيدٌ (الشورى 26)
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأستغفر الله لي ولكم ولمجميع المسلمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
جزاك الله خيرا وبارك فيك ونفع بك ونبشرك ان خطبك تلقى اليوم في مئات المساجد فلا تتوقف كان الله معك
ردحذفحياك الله وجزاك خير الجزاء
ردحذفحياك الله ياشيخ ولكن لماذا هذا الاختصار في الخطب محمد تلمسان
ردحذفلأنه :
ردحذفمن التطويل كلت الهمم.....فصار فيه الاختصار ملتزم.
ماشاء الله تبارك الله
ردحذف