محامد
الحمد
لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد /
مقدمة
ما أحوجنا –
إخوة الإيمان - إلى التأمل في كتاب الله تعالى، والوقوف على ما تضمتنه آياتُه
من توجيهات نافعات فهو :... حَبْلُ اللهِ المتين
، وَهُوَ النُّور الْمُبِينُ ، وََهُوَ الشِّفَاءُ
النَّافِعُ ،ََ و هُوَ العِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَ النَجَاةٌ لِمَنْ اتَبِعَهُ
، لاَ يُعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ ، وَلاَ يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبُ ، وَلاَ تَنْقَضِي
عَجَائِبُهُ.....
و لقد كان لنا فيما مضى
وقفةٌٌ مع قوله تعالى " للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة " واليوم : سنقف قليلا مع قوله تعالى : " لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَ ( الْمُرْجِفُونَ ) فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا
يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا
تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ
وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا"
[الأحزاب:62]
هذه الآية
من سورة الأحزاب تحدثنا عن آفة خطيرة ، تفرق بين الجماعات ، و تدمر المجتعات .
إنها آفة الإرجاف التي توعد الله المتصفين بها بأشد أنواع العقوبات ، حيث لعنهم ، أي أبعدهم من رحمته ورضوانه ، وكفى بذلك نقمة !!
إنها آفة الإرجاف التي توعد الله المتصفين بها بأشد أنواع العقوبات ، حيث لعنهم ، أي أبعدهم من رحمته ورضوانه ، وكفى بذلك نقمة !!
تعريف الإرجاف
والإرجاف في اللغة العربية يطلق على معنيين :
أحدهما: الرجف :
وهو الاضطراب الشديد ، فيقال: رجفت الأرض إذا تزلزلت ، ورجف البحر إذا اضطرب، وفي القرآن المجيد :"يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ "( النازعات: 6) " يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ " (المزمل:
14)
والثاني : أن الإرجاف مصدر : ( أَرْجَفَ) . تقول: إِرْجَفْتُ الوَلَدَ إذا
أدخلْتَ الخَوْفَ وَالرُّعْبَ فِي نَفْسِهِ.....وأَرْجَفَ القَوْمُ : أذا خَاضُوا
في الأَخْبَارِ السَّيِّئَةِ وذِكْرِ الفِتَنِ...وأَرْجَفُوا في الْمَدينَةِ : أي
نقلوا الإِشاعاتِ ِفيها لِيُوقِعُوا الاضْطِرَابَ
والبَلْبَلَةَ بين أهلها......هذا مدلول الإرجاف في اللغة باختصار .
أما الإرجاف في الاصطلاح:
( فهو بث ونشر الأخبار
السَّيِّئَةِ المثبطة للعزائم ، والمفسدة للنيات ، بغرض إحداث الاضطراب وزعزعة الثقة والأمن
والإيمان في نفوس المؤمنين والمؤمنات )
العلاقة
بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي :
ولما كان الخوض في الأَخْبَارِ السَّيِّئَةِ يحدث اضطرابا في المجتمع ، و يزعزع
أمنه واستقراره ؛ عبر القرآن عنه بالإرجاف
؛ لأنه يحدث رجفة - اضطرابا - في المجتمع .
الغاية من الإرجاف
والغاية
منه : إضعاف المسلمين و زرع اليأس في صفوفهم ، وعرقلة مشاريعهم الخيرية ، بنشر الأخبار
الكاذبة والإشاعات الهدامة ، فهو أحد أنواع الحرب النفسيَّة التي يمتطيها المرجفون
من لدن زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا و إلى يوم الدين.
من هم الْمُرْجِفُونَ ؟
وَ ( الْمُرْجِفُونَ ) عادة يكونون أشخاصا ذوي أغراض
دنيئة عجزوا عن تحقيقها في حياتهم ، فلا يجدون ما يعبرون به عن فشلهم إلا القيام
بالإرجاف ؛ لينفسوا به عن غيظهم وحسدهم وحقدهم الدفين...نعم أيها الإخوة : ان الحقد والحسد
كل منهما داء عضال إذا تمكن من قلب صاحبه انطمست بصيرته ، وانقلبت الموازين في فكره ، فصار
يرى الجمال قبحا والخير شرا والحق باطلا...والعكس .
-
أو ليس الحسد هو الذي أخرج إبليس من الجنة .
-
ودفع قابيل إلى القتل أخيه هابيل.
ولذلك أمرنا الله أن نستعيذ برب الفلق من شر حاسد إذا حسد .إلى
أن رموه في البئر وادعوا أن الذئب قد
أكله
صفات المرجفين
ومن أهم صفات المرجفين التي ينبغي ان نتعرف عليها لنتقيها :
1- الفرح بالمصائب التي تنزل بالمسلمين: " وَإِن
تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا)" آل عمران !!!! فإذا رأوا مصيبة تنزل بمسلم فرحوا واطأنت بهل قوبهم (120
3-
إثارة الفرقة والترويج للفتنة كما قال الله تعالى: " لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم
مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ
الْفِتْنَةَ "وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ
وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين )التوبة:47) وانظروا إلى قوله تعالى :( وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ
وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين) فقد سمى الله السماعين للمرجفين بالظالمين ، فالسماع لهم ظلم ؛ ومن هنا كان اعتزال الطائفة المرجفة و هجرها من أوكد الواجبات و أعظم القربات .
4-
الكذب في قراءة الأحداث وتزوير الحقائق و نشر الأكاذيب .
موقف المؤمنين من آفة الإرجاف والمرجفين ؟؟
أيها الإخوة : قد تبين لنا معنى
الإرجاف ، وعرفنا خطورته وأسبابه ،
واستعرضنا بعض صفات أصحابه ، والآن : ما هو موقف المؤمنين من آفة الإرجاف والمرجفين ؟؟
1- أن أول ما يجب على المؤمن نحو
هذه الآفة أن يدرك خطورة الكلمة ، فالكلمة ربما تودي بصاحبها في النار وربما تودي به
إلى الجنة ، مصداقاً لقول النبي صلى الله
عليه وسلم :" إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله
لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً
"
2- أن يتثبت من الخبر و أن يمحصه قبل
نقله وإشاعته بين المسلمين ، عملا بقوله تعالى : "
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"
(الحجرات:6)
3- ألا يتشبه بالمرجفين والمثبطين لكي لا
يصيبه ما أصابهم من الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى .
4- أن
يعامل المرجفين بما أمر الله في كتابه ، حيث قال تعالى :" أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ
قَوْلًا
بَلِيغًا " ﴿ النساء 63) أي علم الله أن ما في قلوبهم
خلاف ما في ألسنتهم ، فهم يكذبون و يزرون الحقائق؛ و لذلك أمر الله بالإعراض عنهم ، و أمر بوعظهم بالقول
البليغ ، و هو : ما فيه زجر وردع وتأنيب لهم ، لعلهم ينتهون عن إرجافهم .
5- وعلى المؤمن أن ينشر المبشرات في مقابل
الأراجيف ، لتدوم الثقة في نفوس المؤمنين والمؤمنات ..
6- وأن يثبت ويداوم على العمل الصالح وألا يلتفت إلى أراجيف المرجفين ، مستحضرا قول الله
تعالى في شأن المرجفين " إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ
وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا
وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ
بِمَا
يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ"( آل عمران:120 ) فمن أهم أهداف المرجفين تثبط العزائم والمعنويات ، وإذا فشل المؤمن وتأثر بإرجافهم فقد ساعدهم على تحقيق أهدافهم الدنيئة .
و مادام
المؤمن مطمئنا إلى الفكرة التي تملأ عقله والى الإيمان الذي يعمر قلبه.. فلن يعرف الفشل إلى نفسه سبيلا
، و لن تزحزحه العواصف العاتية عن موقفه
... بل لا عليه أن يقول لمن حوله: ( اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من ياتيه عذاب يخزيه
ويحل عليه عذاب مقيم ) بهذه اللهجة المقرونة بالتحدي و بتلك الثقة النابعة
من الإيمان الراسخ ينبغي أن يواجه المؤمن المرجفين والمغرضين غير عابئ بأراجيفهم
مهما روجوا لها .
الخاتمة
و في الختام : إننا في حاجة – أيها المؤمنون - إلى تقوية قلوبنا ضِدَّ معاول الهدم التي تُهدد
كيان أمتنا، و إننا نملك من المُبشرات في القرآن
والسنة ما يُثبِّت أفئدتنا، ألاَ نخجل عندما نرى ثباتَ أهل الباطل عليه ، وصمودهم في سبيل
نُصرته إلى آخر رَمَقٍ من حياتِهم ؟! فكيف
يتأثر
بالإرجاف
مَن هو على الحقِّ المبين ؟! فهو أَوْلَى بالثبات والصُّمود.
اللهم ثبت أفئدتنا على الحق ، وكن
لنا ولا تكن علينا ، وانصرنا و لا تنصر علينا ، و لا تكلنا إلى تدبير أنفسنا طرفة
عين . و صل اللهم وسلم و بارك على سيدنا و مولانا محمد و على آله و صحبه ، وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق