......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الجمعة، 11 مايو 2018

حكم اقتلاع الضرس وسيلان الدم من الفم أثناء الصيام


سيلان الدم من الفم أثناء الصيام له حالتان:

الحالة الأولى – إذا كان سيلان الدم ناتجا عن علة دائمة كمرض اللثة:

أ – فإن وكان الدم لا ينقطع في غالب الوقت، عُفِي عنه كما يعفى عن السلس الذي لا يبطل الوضوء إلا إذا ندر،  لأنه مما يصعب الاحتراز منه، والشريعة لا تكلف بغير مقدور، ولا بما فيه مشقة معتبرة ، ولذلك فلا يؤثر هذا الدم على صحة الصوم ، حتى ولو ابتلع منه شيئا غلبة أو سهوا أو عمدا. وعلى هذا يُحمل قول ابن القداح [1]في مسائله :

" ومن كثر عَلَيْهِ الدَّم [ يعني وهو صائم] إِذا كَانَ عِلّة دائمة فِي فِيهِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ ، وَسَوَاء ابتلع مِنْهُ شَيْئا أَو لم يبتلعه". [2].

ب – أما إذا كان سيلانه نادرا ما يأتي ، وأمكن الاحتراز منه بمجه وطرحه، فإن ابتلع منه شيئا غلبة فلا قضاء عليه، وعلى هذا يُحمل قول ابن عرفة وابن شاس – فيما نقله الحطاب عنهما – : "وَابْتِلَاعُ دَمٍ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ غَلَبَةً لَغْوٌ"[3]. يعني لا شيء فيه.

 أما إذا ابتلعه عامدا مختارا فعليه القضاء دون الكفارة، وعلى هذا يُحمل قول ابن عرفة وابن شاس – فيما نقله الحطاب عنهما – :"وَإِنِ ابْتَلَعَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِخْرَاجِ ذَلِكَ أَفْطَرَ ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ"[4]. 
وعدم إيجاب الكفارة عليه في هذه الحال - على الرغم من تعمده ابتلاع الدم - مبناه على مراعاة خلاف من قال أنه لا يفطر.  

الحالة الثانية – إذا كان سيلان الدم ناتجا عن اقتلاع الضرس:

أ – فإن كان مضطرا لنزع الضرس، بأن زاد عليه الألم ، أو خشي مضرة فادحة إن أخر نزعه، أو خشي حدوث مرض أو زيادته ، ففي هذه الحالات يكون  نزع ضرسه واجبا أو مباحا حسب المضرة المتوقعة، وبالتالي يكون سيلان الدم قد نتج عن سبب معتبر، دعت إليه ضرورة أو مشقة شرعية ، ولذلك فصيامه صحيح إن لم يبتلع شيئا من الدم أو الدواء، فإن ابتلع منه شيئا لزمه القضاء فقط ، ويباح له الفطر في مثل هذه لحال ؛ لأن  حالته هذه مندرجة ضمن قوله تعالى :" فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ".

ب – أما إذا لم يكن مضطرا لنزع الضرس ولم يخش شيئا  مما سبق، فإنه يكره له نزعه، فإن نزعه صح صومه ولا قضاء عليه ، ما لم يبتلع شيئا من الدم، فإن ابتلع منه شيئا غلبة فعليه القضاء فقط ، وإن ابتلعه عمدا فالقضاء والكفارة، لأنه تسبب في إخراج الدم من غير ضرورة ولا مشقة معتبرة، فكان بتعمده لابتلاع الدم كمن استقاء باختياره ثم ابتلعه عمدا، إلا إذا لم يكن عالما بالحرمة فيُعذر وتسقط عنه الكفارة لتأوله.

ويسحب حكم هذا التفصيل الأخير على من  تسبب في إخراج الدم باستعمال فرشاة الأسنان أو السواك، وقد نص الفقهاء على كراهة الاستياك بعود رطب يتحلل منه شيء [5]، وأولى بالكراهة الاستياك المفضي إلى سيلان الدم؛ لأن الاحتياط لفريضة الصيام أولى من جلب مصلحة الاستياك المستحبة، ولنفس العلة كرهت المبالغة في المضمضة والاستنشاق ، وفي الحديث: "لا تبالغ وأنت صائم ".

وفي سائر الأحوال التي سبق ذكرها  يستحب لمن يسيل الدم من فمه أن يتمضمض ويغسل الدم إذا قام إلى الصلاة أو الأكل[6].

---------------------------------------------------------------------------------

1- هو الإمام القاضي ومفتي المالكية هو: هو عمر بن علي  بن عبد الله الهواري التونسي المالكي، كنيته أبو علي، المعروف بابن قداح ، حافظ المذهب المالكي ومفتيه ، ولي قضاء الأنكحة والإفتاء  ثم قاضي القضاة مع الإفتاء دائما ، أدركته المنية - رحمه الله - عام 734هـ .

2- ابن قداح .. المسائل الفقهية ص 128.

3- انظر :  الحطاب .. مواهب الجليل في شرح مختصر خليل 2 / 427.

4- نفسه

5- التاج والإكليل لمختصر خليل للمواق 3  /  350

6 - ابن قداح .. المسائل الفقهية ص 128.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق